مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - وهل أتاك نبأ الخصم

منذ 2018-04-25

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}   [ص 21 – 26]

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} :

اختبر الله تعالى عبده داود بهذه القصة حتى يعلمه عملياً و حتى ينتبه داود إلى أهمية الحكم بين الناس بالعدل و بلا تسرع وأن يتأنى قبل إصدار الحكم , فتنبه داود اللبيب وتاب إلى الله وأناب , وهذا دأب الصالحين من عباد الله وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الرضوان.

و في هذا درس لكل مؤمن : إن كان هذا دأب الأنبياء فنحن الأتباع أولى بالفرع و المسارعة بالتوبة و العودة لأن ذنوبنا أثقل و أخطاءنا أكبر.

قال تعالى:

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}   [ص 21 – 26]

قال السعدي في تفسيره:

لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس، وكان معروفا بذلك مقصودا، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنة لداود، وموعظة لخلل ارتكبه، فتاب اللّه عليه، وغفر له، وقيض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: { {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ } } فإنه نبأ عجيب { { إِذْ تَسَوَّرُوا} } على داود { {الْمِحْرَابَ} } أي: محل عبادته من غير إذن ولا استئذان، ولم يدخلوا عليه مع باب، فلذلك لما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم وخاف، فقالوا له: نحن { خَصْمَانِ } فلا تخف { {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} } بالظلم { {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} } أي: بالعدل، ولا تمل مع أحدنا { {وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} }

والمقصود من هذا، أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحق الواضح الصرف، وإذا كان ذلك، فسيقصان  عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبي اللّه داود من وعظهما له، ولم يؤنبهما.

فقال أحدهما: { {إِنَّ هَذَا أَخِي } } نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره. { {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} } أي: زوجة، وذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه.

{ {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } } فطمع فيها { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } أي: دعها لي، وخلها في كفالتي. { {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } } أي: غلبني في القول، فلم يزل بي حتى أدركها أو كاد.

فقال داود - لما سمع كلامه - ومن المعلوم من السياق السابق من كلامهما، أن هذا هو الواقع، فلهذا لم يحتج أن يتكلم الآخر، فلا وجه للاعتراض بقول القائل: { لم حكم داود، قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر } ؟ { {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ } } وهذه عادة الخلطاء والقرناء الكثير منهم، فقال: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } لأن الظلم من صفة النفوس. { {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } } فإن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح، يمنعهم من الظلم. { {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} } كما قال تعالى { {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } } { {وَظَنَّ دَاوُدُ } } حين حكم بينهما { {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } } أي: اختبرناه ودبرنا عليه هذه القضية ليتنبه { {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } } لما صدر منه، { {وَخَرَّ رَاكِعًا} } أي: ساجدا { {وَأَنَابَ} } للّه تعالى بالتوبة النصوح والعبادة.

{ {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} } الذي صدر منه، وأكرمه اللّه بأنواع الكرامات، فقال: { { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} } أي: منزلة عالية، وقربة منا، { {وَحُسْنَ مَآبٍ} } أي: مرجع.

وهذا الذنب الذي صدر من داود عليه السلام، لم يذكره اللّه لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلف، وإنما الفائدة ما قصه اللّه علينا من لطفه به وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها.

{ {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} } تنفذ فيها القضايا الدينية والدنيوية، { {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } } أي: العدل، وهذا لا يتمكن منه، إلا بعلم بالواجب، وعلم بالواقع، وقدرة على تنفيذ الحق، { { وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} } فتميل مع أحد، لقرابة أو صداقة أو محبة، أو بغض للآخر { {فَيُضِلَّكَ} } الهوى { {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} } ويخرجك عن الصراط المستقيم، { إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } خصوصا المتعمدين منهم، { { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} } فلو ذكروه ووقع خوفه في قلوبهم، لم يميلوا مع الهوى الفاتن.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب
المقال التالي
أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض