السياق المضلل (قراءة هادئة للمظاهرات في السعودية)
الأحداث كالنصوص لا معنى لها خارج سياقها، فإذا كان للنصوص سياقات تبين مقاصدها وتفصح عن مراميها، فكذلك للأحداث سياقات تدل على نتائجها وتجلي حيثياتها..
الأحداث كالنصوص لا معنى لها خارج سياقها، فإذا كان للنصوص سياقات
تبين مقاصدها وتفصح عن مراميها، فكذلك للأحداث سياقات تدل على نتائجها
وتجلي حيثياتها.
فالسياق الذي تقع فيه الأقوال سواء من كلام الله تعالى أومن كلام
النبيصلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، أو حتى من كلام الناس
وأفعالهم، هذا السياق بقرائنه المقالية والمقامية هو الحكم على تلك
الأمور جميعها، وهو محكوم بالقوانين الشرعية الكلية كتابا وسنة
وإجماعا وقياسا، أو القوانين الشرعية اللغوية من عموم وخصوص وإطلاق و
تقييد ومنطوق ومفهوم وإجمال وبيان، لأن الوحي نزل بلسان عربي مبين.
وقد نفى سبحانه وتعالى التناقض عن قوانينه الشرعية بقوله {
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
كَثِيرًا} [النساء:82]
والسياق الذي تجري فيه الأحداث هو حكم على وجهتها ومآلاتها، وتحكمه
القوانين الإلهية كقانون العدل والظلم، وقانون السببية، وقانون
التدافع، وقانون الابتلاء...وغيرها. وقد نفى سبحانه عن تلك القوانين
الكونية التناقض بقوله تعالى {
مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ
الرَّحْمَـٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}
[الملك :3]
والأحداث بقوانينها الكونية، والنصوص بقوانينها الشرعية، تسير جنبا
إلى جنب، لا تتناقض ولا تتضارب لأن خالق الطبيعة واحد، ومنزل الشريعة
واحد، قال عز من قائل: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ
اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[الأعراف :54]
فالأحداث من خلقه، والشريعة من أمره، فكيف يتعارضان ومصدرهما واحد
؟!
والسؤال الذي أحاول الإجابة عليه في هذا الموضوع هو: من الذي يستغل
الأحداث والنصوص ويجعلها تجري في غير سياقها الحق بل في سياقها
المضلل؟؟؟.
أولا...في سياق الأحداث:
ثورات الشعوب حدث من الأحداث لها أسبابها ولها وسائلها، فإذا كان
الظلم من أسبابها وهو قانون كوني، والمظاهرات من وسائلها وهي قضية
تحكمها الشريعة لأنها وسيلة، والوسائل لها أحكام المقاصد، فإن أفضت
إلى مصلحة صارت صالحة، وإن أفضت إلى مفسدة صارت طالحة، وهي تخضع
لاعتبارات الزمان والمكان، وعلماء كل بلد وما يقدرونه من المصالح
والمفاسد، ففي بلادنا بلاد الحرمين حرسها الله صدرت فتوى من هيئة كبار
العلماء وغيرهم من كبار العلماء كالبراك والراجحي وناصر العمر
بتحريمها، ونحن ندين الله تعالى بما قالوه.
وقد يرد على فتوى العلماء في السعودية أنهم أيدوا المظاهرات في تونس
ومصر وليبيا، فكيف يحرمونها في بلادهم؟.
والجواب عن هذا السؤال من وجهين:
أولا: أن العلماء في السعودية لم يفتوا أحدا في تلك البلاد
بالمظاهرات حتى وقعت وخرج الناس، وتكلم علماء هذه البلدان بجواز
المظاهرات وأفتوا شعوبهم بها، عندها تكلم بعض العلماء في السعودية
وأيد ما رجحه علماء تلك البلاد. فمن الخطأ أن يتكلموا بخلاف فتوى
علماء تلك البلاد، فمثل هذه الأمور إما قول الحق أو السكوت.
ثانيا: أن الشريعة الإسلامية تفرق بين حكم المفسدة قبل وقوعها،
وحكمها إذا وقعت. فالدفع لا ينزل منزلة الرفع، وفي [صحيح البخاري
ومسلم] «أنه بال رجل في مسجد النبي صلى الله عليه
وسلم، وأراد بعض الصحابة أن يمنعوه فنهاهم عليه الصلاة والسلام، ولما
قضى بوله أمر أن يهرق عليه سجلا من ماء، ثم دعا الرجل وبين له حكم
فعله»
فالبول في المسجد حكمه واضح وهو التحريم، وهو كذلك في طريق الناس أو
في ظلهم فكيف بالمساجد، لكن لما وقعت المفسدة يجب التعامل معها
بموازين المصالح والمفاسد، فلو طرد الرجل من المسجد لانتشر بوله،
ولتضرر، ولربما ترك الإسلام. فتحجيم المفسدة أصل عظيم، ومن هنا عبر
العلماء كابن تيمية والعز وغيرهما عن قاعدة الشريعة"جلب المصالح
وتحصيلها، ودرء المفاسد وتقليلها".
فلما رأى العلماء في السعودية أن المظاهرات قد تجر إلى مفاسد، وهم
مجتهدون في هذا الأمر، وقائلون بما أفضى إليه اجتهادهم، وهذا الاجتهاد
إن أصابوا فيه فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر، والناس في بلاد
الحرمين تبع لعلمائهم.
ثم أقول: إن السياق الذي تجري فيه هذه الثورات كغيرها من الأحداث هو
أهم ما ينبغي التركيز عليه لأنه هو الحاكم على مسارها ونتائجها، والذي
يستطيع بسبقه وقوته أن يصنع السياق للحدث يكون هو الفاعل الحقيقي في
ذلك الحدث، وغيره تبع له. والتاريخ خير شاهد. وخذ أمثلة من السيرة
النبوية:
تحول القبلة:
حاول اليهود أن يستغلوا حدث تحول القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد
الحرام، ويجعلوه يجري في سياق الحرب على دين الإسلام فيشككوا الناس
فيه وفي رسوله، ويوهموا الناس من خلال هذا السياق المضلل بتذبذب
المنهج النبوي. فقد نقل ابن كثير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قوله: »كان أوَّل ما نُسخَ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما هاجرَ إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره
الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى
الله عليه وسلم بضْعَةَ عَشَرَ شهرًا، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان
يدعو إلى الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {
قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} إلى
قوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
} [البقرة:144] فارتاب من ذلك
اليهود، وقالوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي
كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142]
فنزل القرآن مقررا للسياق الحق الذي يجب على المؤمنين أن يقرؤوا في
تضاعيفه هذا الحدث: قال الله تعالى {
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ
مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا
عَلَيْهَا ۚ قُلْ لِلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ
الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِنْ كَانَتْ
لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۗ وَمَا كَانَ
اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}
[القرة:142-143]، يقول ابن كثير رحمه الله عن سياق هذا الحدث وهو
تجريد الاتباع لله ولرسوله:" يقول تعالى: إنما شرعنا لك -يا محمد
-التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حالُ
من يَتَّبعك ويُطيعك ويستقبل معك حيثما توجهتَ مِمَّن ينقلب على
عَقبَيْه، أي: مُرْتَدّاً عن دينه"
ولا عجب فقد حاول اليهود ولا زالوا اصطناع سياقات مضللة كي تجري
الأحداث وفق أهوائهم، وسياساتهم في المنطقة، فهم من أول من تحدث عن
زلزال في الشرق الأوسط مع انطلاق ثورتي تونس ومصر، لأنهم خير من يبعث
الأحداث، ويطلق شرارتها، ثم يخلق سياقها وفق مصالحهم. وما سقوط
الخلافة العثمانية، وصناعة سياق التقسيم ثم الاستعمار، والتوطين
لليهود في فلسطين إلا واحدا من عشرات الأحداث التي وقفوا ويقفون
وراءها يهود ثم يوجهونها بآلتهم الإعلامية، وأرصدتهم المالية في
السياقات التي تخدم أغراضهم.
ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهم ممن صنع هذا الحدث
وجعله يجري في سياق الحرب على الإسلام، والوصول إلى منابع النفط في
العراق باحتلاله والتمكين للصفويين فيه. عمل اللُّوبي اليهودي في
الولايات المتحدة، على استغلال هذه الأحداث في بناء سياق مضلل عند
الأمريكيين عن الإسلام، وهدفه من ذلك منع انتشار الإسلام في الولايات
المتحدة وأوروبا. وانتهز اليهود هذا السياق المضلل لخدمة أهدافهم في
الشرق الأوسط، فساعدوا على تأجيج الحملة ضد الإسلام والمسلمين. و ظلَّ
الإعلام الغربي بصفة عامة، والإعلام الأمريكي بصفة خاصة، محكوم بهذا
السياق المضلل عن الإسلام والمسلمين، وهو الموقف الذي ظل الإعلام
الغربي ثابتاً عليه منذ سنواتٍ عديدة، بسبب سيطرة اليهود على وسائل
الإعلام الغربية، وتأثير ما تردده وسائل الإعلام على عقول ومشاعر
وآراء الشعب الأمريكي.
حادثة الإفك:
المنافقون في الأمة الإسلامية عيونهم دائما على جراحها ومواضع الوهن
فيها، وهم بوحي من شياطينهم يهود يتحركون في توظيف الأحداث كي تجري في
سياق النيل من الإسلام عامة والسنة خاصة.
وحادثة الإفك التي بدأت من فعل عفوي ناتج عن تخلف فتاة عفيفة عن
الركب بسبب نومها، فأدركها رجل عاقل فاضل فجاء يقود بها بعيرها حتى
لحقت بزوجها وركبه، هذه قصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن
أبيها في هذا الحدث الذي جعله المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي
بن سلول، والصفويون اليوم، جعلوه يجري في السياق المضلل: سياق الطعن
في عرض النبي صلى الله عليه وسلم والتشكيك في صدقه وزعزعة الثقة
بدعوته. فجاء التنزيل بعد أن طال ليل هذا السياق المضلل الذي صنعه
المنافقون وتدثروا به وقرؤا الحدث من خلاله، جاء التنزيل ليضع الحدث
في سياقه الحقيقي، سياق الابتلاء والتمحيص لصاحب الدعوة...سياق (ليميز
الخبيث من الطيب). هذا السياق هو الذي قرأ فيه المؤمنون الحدث، قال
الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ
مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي
تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
﴿١١﴾ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا
هَـٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴿١٢﴾ لَوْلَا جَاءُوا
عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا
بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـٰئِكَ عِنْدَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ
﴿١٣﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا
أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٤﴾ إِذْ
تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا
لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ
اللَّـهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا
سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾
يَعِظُكُمُ اللَّـهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ ﴿١٧﴾ وَيُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ
الْآيَاتِ ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١٨﴾
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ
وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
﴿١٩﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
} [النور:11-20]
ومثال آخر لصناعة المنافقين للسياق المضلل في الأحداث، والسير به في
ضرب وحدة المسلمين، وتفريق صفهم، والإطاحة برموزهم من العلماء
الربانيين، والدعاة المصلحين:
[ما أخرجه البخاري ومسلم] «
فقد كان رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - مقيماً على المريسيع، ووردت واردة الناس ومع عمر بن
الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أجير يقال (جهجاه الغفاري) فازدحم هو و (سنان
ابن وبر الجهني) على الماء فاقتتلا، فصرخ (الجهني) يا معشر الأنصار
وصرخ (جهجاه) يا معشر المهاجرين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
«أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة»، وبلغ عبد
الله بن أُبيّ ذلك، فغضب، وعنده رهطٌ من قومه فيهم (زيد بن أرقم) غلام
حدث، فقال: «أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، ووالله ما
أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمِّنْ كلبك يأكلك، أما والله
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره
فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم
أموالكم؟! أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير
داركم... الحديث»
إن استغلال العلمانيين والليبراليين والصفويين (منافقي العصر)
للأحداث في البلاد المسلمة، وجعلها تسير في سياق الحرب على منهج السنة
والسلف الصالح بعامة ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خاصة واضح
والأمثلة كثيرة، فقد حاولوا في أحداث الحرم المكي الشنيعة قبل أكثر من
ربع قرن أن تجري تلك الأحداث في السياق المضلل فتضرب الصحوة الإسلامية
من غير تفريق بين العلماء الراسخين والشباب المتحمسين، فهم قد وضعوا
الدعوة والعلماء والدعاة في المدارس والجامعات والمساجد والأسواق
والمناهج المدرسية والجامعية ومختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها؛ في كفّة
واحدة مع شرذمة من المخربين والمفسدين وعمّوهم بلفظ (تيار الإسلام
السياسي)، كما وضع عبد الله بن أُبيّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
والصحابة جميعاً مع من حدث منه الخطأ وعمّهم بلفظ (جلابيب قريش)
ففشلوا.
ثم جاءت حروب الخليج، فطاروا فرحا بحلول أسيادهم في المنطقة، وأخذوا
يدفعون بالأحداث في سياق التغريب والتنوير، كما قال الله تعالى {
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ
ۚ فَعَسَى اللَّـهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ
عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ
نَادِمِينَ ﴿٥٢﴾ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا
أَهَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا
خَاسِرِينَ} [المائدة:
52-53]
وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فركبوا سياق الإرهاب كي يطيحوا
بالدعوة السلفية وأنها سبب في نشأة القاعدة،، ثم جاءت التفجيرات
الآثمة في بلاد الحرمين، فهبوا في سياق الهجوم على أهل اللحى وحلقات
التحفيظ ومراكز الهيئات وغيرها من المناشط الدعوية في سياق مضلل، إلا
أن سياق الموقف الواضح من العلماء تجاه تلك الأحداث وسابقاتها كان له
الأثر كبير في وضع الحدث وما قبله في سياقاتها الصحيحة وهي أنها أحداث
آثمة من فئات ضالة حادت عن الصواب وتنكبت هدي السنة والكتاب.
وأخيرا: لما جاء طوفان الثورات العربية، وفاجأتهم الأحداث صاروا
كالشاة العائرة بين الغنمين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..وركب بعضهم
الحدث في سياق التضليل، وظهر هذا في أمرين:
الأول: ادعاء الوطنية، وأنهم وطنيون للنخاع على حد زعم مدير شبكتهم
الليبرالية السعودية الحرة، رائف بدوي..ثم هم يشتمون نظام الحكم في
السعودية صباح مساء ويطعنون في صميم مواده. فالنظام كما هو معلوم ينص
بلا مواربة على أن القرآن والسنة هي مرجع التشريع والحاكم على كل شؤون
البلاد، ومع هذا تجدهم يسددون سهامهم لثوابت الدين وأحكام الشريعة في
القضاء وفقه الأسرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فأي تضليل
للعقول بعد هذا؟!!
الثاني: مسارعتهم لنشر فتوى كبار العلماء في حرمة المظاهرات، مع أنهم
كثيرا ما سفهوا فتاوى العلماء وازدروا مقامهم ولمزوهم في علمهم
وصدقهم، وتسببوا في إقصاء البعض منهم...بل لم يتورعوا عن إطلاق وصف
"طالبان" على أهل العلم والدعوة والاحتساب كما حصل في معرض الكتاب
الدولي في الرياض...وسبحان الله!! القذافي البائس في المغرب العربي
يطلق وصف "القاعدة" على الشعب الليبي المجاهد المصابر ضد الجبروت
والطغيان، وهؤلاء في بلاد الحرمين يطلقون وصف "طالبان" على الآمرين
بالمعروف والناهين عن المنكر..صدق الله العليم {
كَذَٰلِكَ قَالَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ
قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
} [البقرة: 118]
وصدق الله الحكيم {كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ،
أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ
فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:
52-56]
ثم يظهرون في هذه الأحداث في مقام المخلصين الناصحين لولاة الأمر..
المنزلين للعلماء منزلتهم..إنه السياق المضلل الذي يتدثرون فيه عند
حلول الفتن والأحداث، ولكن السياق الحق يكشف السياق الباطل، فيدمغه
فإذا هو زاهق، يقول الله تعالى {
يُخَادِعُونَ اللَّـهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا
يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِنْ لَا
يَشْعُرُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ
السُّفَهَاءُ وَلَـٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ
قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّـهُ
يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ،
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا
رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
} [البقرة : 9 - 16]. و الحمد لله
أولا وآخرا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
- التصنيف: