هكذا إسلام الغد الفرنسي
منذ 2004-04-23
السيدة فتيحة الجبلي قامت بدراسة اجتماعية حول ظاهرة التحول للإسلام في الشمال الفرنسي. وبالنسبة لها يعد عدد المتحولين للإسلام "مدهشا". وذلك على الرغم من الصورة السلبية للإسلام في ذهن المجتمع الفرنسي. وتقول: "يكفي أن تذهب إلى أحد المساجد في مدينة "ليل" أو "روبيه"، لترى أن مظهر المسلم لا يختلف، ولكنك سوف تستنتج النسبة الكبيرة للمتحولين للإسلام.
ذلك ما يؤكده فريديريك بقوله: "أنا أعرف حارسا لحانوت كبير للملابس في وسط المدينة، وهو شاب أشقر ضخم، وهو يذهب إلى المسجد كل جمعة!".
في مدينة مثل روبيه، يمثل جمهور المتحولين للإسلام عينة ممثلة للتنوع الإسلامي. فهناك الشباب الذين يرتدون الملابس الرياضية، والسلفيون بلحاهم الطويلة وجلابيبهم، وكذلك المتعبدون الصوفيون الذين لا تطأ أقدامهم المساجد.
الجديد في الأمر أن النوع الأول هو الأكثر عددًا بين المسلمين. فقد خرج التحول إلى الإسلام من الدائرة الشرقية البحتة، ليلمس مجتمعا شعبيا شابا.
وتؤكد السيدة فتيحة الجبلي أن "ذلك تأثير ما تسميه الاجتماعية المختلطة، ففي إقليم مثل الشمال الفرنسي يمثل الإسلام جزءا من الحياة اليومية للشباب. فالمسلمون وغير المسلمين يقضون يومهم على نفس المقعد في المدرسة".
ولكن كم يبلغ عدد من اختاروا الإسلام؟ يقدرهم البعض بنحو 50 ألفا في فرنسا حتى ديسمبر 2001. وتشير فتيحة الجبلي إلى صعوبة تحديد رقم؛ "فسجلات التحول للإسلام في المساجد وسفارات الدول الإسلامية ليست مستفيضة".
ولكنني أعتقد أن إعلان الفتيات لإسلامهن أقل من الشباب، وذلك لأن تقديم شهادة التحول ليس إجباريًّا بالنسبة للسيدة عند الزواج المختلط. وكذلك فإن عدد السيدات اللائي يقمن بالحج أقل من الرجال.
إذن، ولكل هذه الأسباب، يبدو لي أن نسبة الفتيات المتحولات للإسلام ليس مقدراً بشكل صحيح.
وقد تحاورت فتيحة الجبلي مع نحو ثلاثين مهتديا للإسلام في الشمال، وحاولت أن تصل إلى الأسلوب النموذجي الذي يهتدون من خلاله إلى الإسلام. وتوصلت، من وجهة نظرها، إلى أن اختيار التحول يتم غالباً فيما بين سن الثامنة عشرة والرابعة والعشرين عاماً، "فتلك هي فترة التمرد على ما تم تعلمه في فترة الطفولة. وكذلك هي الفترة التي تتضح فيها ميكانيزمات الهوية. والتحولات للإسلام فيما بعد سن الأربعين تعد استثنائية".
وترى الباحثة الشابة أن تغيير الدين في الاتجاه الآخر، من الإسلام إلى المسيحية، موجود كذلك ولكن بنسبة أقل. "من ذلك نستنتج أن الإسلام دين قادر على استبقاء معتنقيه. فهو ليس مجرد دين، بل هو عالم يحدد الحياة اليومية للفرد، ويدخله في وسط عائلي وطائفة متسعة". والسبب الآخر في رأي الباحثة لانخفاض نسبة المتحولين للكاثوليكية هو بطء الإجراءات؛ ففي مدينة "ليل" يطالب المطرانُ المتحولَ "بالتعليم لمدة سنتين قبل التنصير. فالدخول إلى الإسلام أسهل كثيراً؛ لأنه أمر بين الإنسان وربه ولا يوجد وسطاء.. وفي هذا الإقليم، يعد البروتستانت الإنجيليون هم الأكثر انجذاباً للوسط الإسلامي، خاصة أن أساليبهم التنصيرية غير قوية، وبالتالي من السهل عندهم التحول إلى دين آخر".
والخلاصة التي توصلت إليها فتيحة الجبلي هي أن هؤلاء المتحولين للإسلام يمثلون ما سيكون عليه الإسلام الفرنسي في العقود القادمة، خاصة أن هناك العديد من النقاط المشتركة بينهم وبين مسلمي الجيل الثالث المنحدرين من المهاجرين. فهم غير متمكنين من اللغة العربية، وليس لديهم علاقات بالدول الإسلامية، كما أنهم يعيشون بشكل أو بآخر توازناً بين كونهم مواطنين فرنسيين، وبين انتمائهم الديني.
ويلعب المتحولون للإسلام كذلك دور همزة الوصل بين ثقافتين. ففي سياق اعتداءات 11 سبتمبر، قام المتحولون بدور تربوي، مثل مانويل، تاجر الورق في توركوانج الذي تحول إلى ميلود، عندما قرأ القرآن منذ عشرين عاماً شعر بـ"نور يفيض". وعلى الرغم من "الضغوط الرهيبة" التي تعرض لها من المحيطين به فإنه تمسك بموقفه. وحتى اليوم يتعجب ذلك الرجل عريض المنكبين، زلق اللسان، من الصمت الذي يسود في المساجد. وهو يؤكد على ضرورة التفرقة بين ما ينتمي للتقاليد العربية وبين الإسلام. كما أنه يكافح في حانوته، أو في المقهى المجاور ليشرح الإسلام ويطمئن الناس.
"فالناس قلقة، وتتساءل. لذلك لا بد من إجابتهم. وأنا أعتقد أن الدين الإسلامي بدأ يدخل شيئاً فشيئاً إلى الأخلاقيات".
- التصنيف: