فلولا أنه كانَ من المسبحين!

منذ 2018-05-30

وعندما ذكر تعليل الاختصاص والاجتباء، وسبب النجاة، لم يذكر كونه نبي من الأنبياء، أو سليل بيت النبوة، أو لشرف شخصي رفيع استدعى أن تُخلدَ ذكراه أبدَ الدهر.. كان التعليل، أنه كان من المسبحين!


أُلقيَ بنبي الله يونس - عليه السلام - في البحر، وألقيَ معه أخرون كما يتضح من سياقِ الآيات، كونَ السفينة امتلأت، واشتدَّ حِملها، وكان لابدَّ من أن يُخفف عنها بإلقاءِ بعضِ الركاب، وكان نبيُّ الله يونس ممن ألقيَ به أيضاً! 
نحن لا نعرف كم عدد الذين ألقيَ بهم، فمنهم من التقمته الحيتان، ومنهم من غرقَ وطفت جثته على الشاطئ، ومنهم من نجى .. 
ومع كل هذا العدد، إلا أن القرآن لم يختص بذكر واحد منهم، أهملَ ذكرهم، ولم يلتفت إلا لواحدٍ ممن ألقيَ به، وهو نبيُّ الله يونس عليه السلام، وعندما ذكر تعليل الاختصاص والاجتباء، وسبب النجاة، لم يذكر كونه نبي من الأنبياء، أو سليل بيت النبوة، أو لشرف شخصي رفيع استدعى أن تُخلدَ ذكراه أبدَ الدهر.. كان التعليل، أنه كان من المسبحين! 
|فلولا أنه كانَ من المسبحين، للبثَ في بطنه إلى يومِ يبعثون!|. أي: لأصبح بطن الحوت قبراً له. 
إذن، كان التسبيح هو الشرفُ الرفيع الذي تسبَّبَ في نجاةِ يونس، وهو عملٌ ملائكي، ولهذا قالت الملائكة للإله يومَ خلق آدم، ونصبه خليفة في الأرض، {ونحن نسبحُ بحمدك ونقدسُ لك} ، كوظيفة عظمى استحقت أن تذكرها الملائكةُ أمامَ الله. 
والتسبيح، يراد به ذكر الله عموماً، وتشترك فيه كل أدوات الحواس وآلاتِ المعرفة عند الإنسان، فذكر الله باللسان تسبيح، والنظر في كتاب الوجود، والتأمل في عظمته تسبيح، والنظر في كتاب الخلق تسبيح، والنظر فيما خطته يد البشر من معانٍ سامية تهذب القلب، وتنمي الفكر، وتقرب من الإله، صورة من صور التسبيح لله تعالى .. 
وكل عمل يراد به الله دون سواه، تسبيح؛ لأن الغاية فيه هو الله! 
ثم تأمل معي :
إن عبادة التبسيح (ذكر الله) من العباداتِ اليسيرة، ومع ذلك يغفل عنها كثيرٌ من الخلق، ومن وفقَ لذكر الله كثيراً، فاعلم، أن الله أراد أن يكثر من ذكره في الملأ الأعلى، وهذه مِنَّة لا يعلم جلالها إلا من تعلقت قلوبهم بالله.. فهل فكرت، ماذا يعني أن يُخصَّ ذكركَ من بينِ الخلائق؟! 
فمع كونها يسيرة إلا أن الغفلة فيها واسعة وهذا يلفت النظر إلى التوفيق الذي يسبغه الله على خلقه الذاكرينَ الله كثيراً! 
والذي يُفهم من الآيات التي ذكرت خبرَ يونس عليه السلام:
ان التبسيح وذكر الله أحد أسباب النجاة من المحن والآلام والمصائب التي تعترض طريق الإنسان في سيره .. فالموفقُ من وُفق بأخذ أسباب النجاة في سفره الذي لا يعلم بانتهاءه إلا الله وحده . 
({وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت}

#خالد_بريه