مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً

منذ 2018-06-07

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [  الزمر 72-75]

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } :

في مشهد مهيب و احتفال بهيج يساق أهل الكرامة إلى دار كرامتهم , تحييهم الملائكة بالسلام , و تهنئهم بالخلود , فيردون بالثناء على الله و حمده و شكر نعمته العظيمة , و الملائكة تحف عرش الرحمن سبحانه و الكل ينطق بحمده و الثناء عليه بما هو أهله و الثناء على عدله و حكمته و حكمه بين عباده.

قال تعالى:

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [  الزمر 72-75]

قال السعدي في تفسيره:

ثم قال عن أهل الجنة: { {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} } بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز، يحشرون وفدا على النجائب. { {إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } } فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله. { { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} } أي: وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها. { {وَفُتِحَتْ} } لهم { { أَبْوَابُهَا } } فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها. { {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } } تهنئة لهم وترحيبا: { {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} } أي: سلام من كل آفة وشر حال.عليكم { {طِبْتُمْ} } أي: طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته. { {فـ } } بسبب طيبكم { { ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} } لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون.

وقال في النار { {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } } وفي الجنة { {وَفُتِحَتْ} } بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.

وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.

وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور.

{ {وَقَالُوا} } عند دخولهم فيها واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم ومنَّ عليهم وهداهم: { {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } } أي: وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفَّى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منَّانا. { {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} } أي: أرض الجنة { نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ } أي: ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده. { {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } } الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا.

وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم اللّه فيها خواص خلقه،.ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا، وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.

{ {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ } } أيها الرائي ذلك اليوم العظيم { {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} } أي: قد قاموا في خدمة ربهم، واجتمعوا حول عرشه، خاضعين لجلاله، معترفين بكماله، مستغرقين بجماله. { {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } } أي: ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله، مما نسب إليه المشركون وما لم ينسبوا.

{ {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} } أي: بين الأولين والآخرين من الخلق { {بِالْحَقِّ} } الذي لا اشتباه فيه ولا إنكار، ممن عليه الحق. { {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } لم يذكر القائل من هو، ليدل ذلك على أن جميع الخلق نطقوا بحمد ربهم وحكمته على ما قضى به على أهل الجنة وأهل النار، حمد فضل وإحسان، وحمد عدل وحكمة.

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً
المقال التالي
غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول