أهمية الأمانة

منذ 2018-06-12

{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [ النساء : 46 ] . إذاً فهذه هي طبائع اليهود الخسيسة من المكر والخداع والكذب والنفاق فماذا تظن إذن مع نصوص آيات الله بالإضافة إلى افتراءاتهم العظيمة المتتالية على الله.


مقتطف من كتابي أهمية الأمانة:

وقال تعالى { {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  (78 )} آل عمران
لقد لاحظت في هذه الآيات إلى ما شاء الله من الآيات   مظاهر عظيمة من رعاية الأمانات بل كل مضمونها التكلم عن خلق الأمانة لمن يتدبًّر.
فالآية الأولى تحدَّثت عن قسمين من أهل الكتاب كالتالي:-
القسم الأول أمناء مقسطون يتَّقون ربَّهم إن تأمنهم بقنطار يؤدِّه إليك
والقسم الثاني: خونة فمبجرد إن تأمنهم بدينارٍ واحدٍ لا يُرجى منهم أن يؤدُّوا هذه الأمانة الصغيرة إلا ما دمت عليهم قائما لكونهم يسرقون ويختفون ثم ينكرون والعياذ بالله.
والآية نزلت في اليهود الذين استباحوا أموال المسلمين بالكذب والافتراء على الله  قائلين { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }
ثم أعقب الله آية يُثنى الله بها على الموفين بعهود الله ويتَّقون الله ربَّهم سواء كانوا من بني إسرائيل أو من غيرهم إذ إن الله يحب المتقين أي الموفين بالوعود المراعين للأمانات والشهادات  العادلين  الذين لا يظلمون لكونهم يهتدون بالحق كما قال تعالى { {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } } [ آل عمران: 159 ]  وطبعا’, وهذا من الإنصاف لبني إسرائيل  كما هو من عدالة الله في الكتاب العزيز المنزَّل على لسان العرب
ثم الآية التي بعدها فيه صورٌ من صور خياناتهم حيث يشترون بعهود الله وايمانه ثمناً قليلاً , فهم لا همَّ لهم إلا همَّ إشباع بطونهم بالحرام والاستمتاع بحظوظ الدنيا بأي طريقة اتفقت لهم كما وصفهم الله في الآية الأخرى { { وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } } [ المائدة: 41 – 42 ]
فقوم حالتهم الإيمانيَّه كهذه فكيف يراعون الوعود والأمانات والشهادات ويعدلون ويصدقون ويستقيمون على صراط الله المستقيم  .
لذلك استحقوا من الله أن لا يعطيهم ثواباً في اليوم الآخرة وهو المقصود من قول الله تعالى  ( الخلاق ) كما لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة بعين الرحمة والرأفة لكونهم خائنين استحقوا من الله السخط ولا ينظر إليهم يوم القيامة لكونهم حقيرين لا يستحقون من الله أن يكرمهم بالنظر إليهم كما لا يمكن أن ينظروا إليه سبحانه  كما قال تعالى { { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} } [ المطففين: 15 ]  

وأيضاً لا يزكيهم الله لكونهم ليسوا أهلا لذلك بل لهم عذاب أليم ويُساقون سوقاً كالبهائم غير مكرَّمين إلى المحشر ثم يُلقون مكبكبين في النار في مكانٍ ضيقٍ مقرَّنين وهم يدعون بالثبور أي بالويل  وقد قال تعالى { {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا  } }   [مريم: 85 - 86]  أي يساقون وهم يمشون على أقدامهم عطشى  بينما يحشر المتقين إلى الرحمن راكبين مكرَّمين معزَّزين, والله أعلم.
وقوله تعالى {  { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ } } الآية.
وهذه أيضا نوع من أنواع خياناتهم - فسبحان الله - فبنو إسرائيل قومٌ تفنَّنوا بالخداع كما يبدوا, وهو خلقٌ ذميمٌ جدا والقرآن والسنة أتى بقصص خداعهم بكثرة  .
ولكن هنا يخادعون بأسلوبٍ مريبٍ جدا حيث يلوون ألسنتهم ما ليس في كتاب الله ليحسب السامع أنه من الكتاب.
ومعنى يلوون: أي يثنون ألسنتهم بطريقة مريبة , وهذا ما يدل على خستهم حتى أنهم كانوا يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون { راعنا } يقصدون مسبَّة أي من الرعونة فنهى الله بسبب ذلك  هذا القول { {راعنا} } وأمر الله أن تقول الصحابة رضوان الله عليهم { {أنظرنا} } حتى لا يلوي اليهود ألسنتهم بتلك المسبَّة.
ومرة جاءوا إلى رسول الله فقالوا " السام عليكم :يقصدون بذلك الموت عليكم واكتفى رسول الله بأن قال لهم: " وعليكم " لكونه - بأبي هو وأمي - على خلقٍ عظيمٍ .
سبحان الله , هم قومٌ لا طاعة لهم ولا محبة للدِّين ولا إخلاص إلا أن يعصوا ويلووا ألسنتهم بهذه البلايا كما قال الله سبحانه { {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} } [ النساء : 46 ] .
إذاً فهذه هي طبائع اليهود الخسيسة من المكر والخداع والكذب والنفاق فماذا تظن إذن مع نصوص آيات الله بالإضافة إلى افتراءاتهم العظيمة المتتالية على الله.
لا شك إنهم قوم بهت , الله سبحانه وتعالى يأخذ عليهم المواثيق والعهود الأكيدة لكي يلتزموا ثم سرعان ما يُنقضون هذه المواثيق ويحملون عن الله بغضه  ولعائنه كل حينٍ فيجعل الله قلوبهم قاسية ويحرِّفون الكلم عن مواضعه حتى قال الله سبحانه {   {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} } [ المائدة: 13 ]   
يلقي عليهم الله الأوامر تلو الأوامر ثم يراوغون روغان الثعالب ويحتالون احتيالات لا حدود لها كما لا حياء لهم من ذلك أبدا ولذلك مسخهم الله قردة وخنازير وفصتهم مشهورة في يوم أن كانوا حُرِّموا اصطياد السمك يوم السبت وابتُلوا بأن تأتيهم حيتانهم أي أسماكهم هذا اليوم بكثرة ولا يرون في الأيام الأخرى ولكنهم لم يصبروا ففكَّروا في الاحتيال فألقوا شباكهم في اليوم السبت وأتوا يوم الأحد ليأخذوها بكل سهولة ليقولوا : والله ما نحن اصطدنا الأسماك إلا يوم الأحد, فسبحان الله.
إذن هذه هي عقليتهم ومعاملتهم السيِّئة مع أوامر الله وأوامر رسولهم . ففد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحذوا أمته حذوهم في التحايل والمراوغة فيضيِّعوا أمانات الله  , بلغ عمرُ أن فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل اللهُ فلانًا، ألم يعلم أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل اللهُ اليهودَ حُرِّمتْ عليهم الشحومُ ، فجَمَلُوها فباعوها» . 
[أخرجه البخاري رحه الله برقم (2223) واللفظ له، ومسلم رحمه الله برقم (1582)]
وهو كما يقول اليوم بعض من لا صبر له ولا تحمُّل لدين الله  إذا ألمَّت به ضائقة مالية أو بمصيبة أخرى : ظروف ظروف ظروف فما الحل ؟! فيتفكَّرون في الاحتيال لنصوص الكتاب والسنة وصنع التأويلات كيفما اتفقت وقد يجاهرون بالتحريف لقلة توفيقهم للهداية والحق, فمن ذى الذي بإمكانه خداع الله إذا ؟!
ولنضف هنا خلق آخر مهم جداً الذي يحمل المرء على حفاظ الأمانة ألا وهو خلق العفَّة
فعلى سبيل المثال لا الحصر يوسف - عليه السلام - يخلص الأمانة لله وهو مأسورٌ عند من اشتراه لكون العزيز الذي عنده أحسن مثواه - كما قال عليه السلام حكاية عنه الله سبحانه - فصار عفيف القلب والقالب.
قال تعالى { {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} } [ يوسف: 23}
فالعفة إذاً نوعٌ من الأمانة عظيم, ولذلك تجد موسى - عليه السلام - بعدما أتته احدا البنات وهي تمشي على استحياء { {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} } [ القصص: 25 ]

يروي بعض العلماء أنه تقدمها لئلا يرى عورة المرءة  فإن أرادت أن يتوجه إلى اليمين رمت بحجارة إلى جانب اليمين وإن كان التوجه إلى اليسار هكذا تفعله إلى إن أتيا أباها فقالت { { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } } [ القصص: 26 ]

قيل قد عرفت قوته لما حمل الحجر وحده الذي وضعوه في فم البر وعرفت أمانته من عفته العظيمة , وهذا – بالطبع - من كمال عقلها إذ فهمت من علامات أخلاقه الظاهرة أنها دليل على كمال أخلاقٍ عظيمةٍ باطنة تكمن بين جنبيه يحملها كالعفة ورعاية الأمانات  والعدالة وإنصافٌ عظيمٌ ورحمة للضعفاء وأيضاً أمانة عظيمة خاصة  ورحمة ورعاية للأسر وغير ذلك من الصفات الحميدة.
ولذلك يُشترط هذين الشرطين العظيمين للتقلُّد للمناصب العليا أو السفلى ألا وهما كمال القوة والكفاءة لأداء الأعمال المطلوبة وكمال الأمانة والعغة والعدالة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
عبد الفتاح آدم المقدشي