مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - رفيع الدرجات ذو العرش

منذ 2018-06-13

{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . [غافر15-17]

رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ:
سبحانه في علوه و ارتفاعه في ذاته و صفاته , ارتفع على عرشه و سما فوق خلقه , يلقي الوحي لتحيا به القلوب و يخرج الخلق من ظلمات الشرك و الجاهلية إلى نور الرسالة و التوحيد.
ينزل الوحي على رسله لينذروا العباد و يخبروهم عن يوم التناد, يوم يقوم الجميع بارزون لله لا يخفى عليه منهم شيء .
الكل تحت قهره و سلطانه لا مشيئة لأحد غيره سبحانه , انتهى وقت العمل و حل وقت الجزاء , كل بما قدمت يداه, بلا ظلم أو جور , فالعدل سيد الموقف و سرعة الحساب تدل على قدرة الملك سبحانه.
قال تعالى:
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . [الزمر 15-17]
قال السعدي في تفسيره:
ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال: { {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} } أي: العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قدره، وجلت أوصافه، وتعالت ذاته، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر، وهو الإخلاص، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه، ثم ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي، فقال: { { يُلْقِي الرُّوحَ } } أي: الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح، فهو تعالى { { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } } الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم.
{ {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} } وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله لوحيه ودعوة عباده.
والفائدة في إرسال الرسل، هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ولهذا قال: { {لِيُنْذِرَ } } من ألقى الله إليه الوحي { {يَوْمَ التَّلَاقِ} } أي: يخوف العباد بذلك، ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية مما يكون فيه.
وسماه { {يوم التلاق} } لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق والمخلوقون بعضهم مع بعض، والعاملون وأعمالهم وجزاؤهم.
{ {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } } أي: ظاهرون على الأرض، قد اجتمعوا في صعيد واحد لا عوج ولا أمت فيه، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر.
{ { لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} } لا من ذواتهم ولا من أعمالهم، ولا من جزاء تلك الأعمال.
{ {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} } أي: من هو المالك لذلك اليوم العظيم الجامع للأولين والآخرين، أهل السماوات وأهل الأرض، الذي انقطعت فيه الشركة في الملك، وتقطعت الأسباب، ولم يبق إلا الأعمال الصالحة أو السيئة؟ الملك { {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } } أي: المنفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فلا شريك له في شيء منها بوجه من الوجوه. { {الْقَهَّارِ } } لجميع المخلوقات، الذي دانت له المخلوقات وذلت وخضعت، خصوصًا في ذلك اليوم الذي عنت فيه الوجوه للحي القيوم، يومئذ لا تَكَلَّمُ نفس إلا بإذنه.
{ {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} } في الدنيا، من خير وشر، قليل وكثير. { {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} } على أحد، بزيادة في سيئاته، أو نقص من حسناته. { {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} } أي: لا تستبطئوا ذلك اليوم فإنه آت، وكل آت قريب. وهو أيضا سريع المحاسبة لعباده يوم القيامة، لإحاطة علمه وكمال قدرته.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن 

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
هو الذي يريكم آياته و ينزل لكم من السماء رزقاً
المقال التالي
وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين