مفهوم المعرفة عند محمد شحرور لا يمثل القرآن
يقول ص 364: (غض النظر عن فحص المقدمات وتدقيقها وتحقيقها هو السبب في كثير من الوهم الذي وقع فيه علماء الكلام المسلمون، إذ اعتمد علم الكلام عندهم على الربط بين الحدود فقط، بغض النظر عن المسألة الكلامية أحقيقة رحمانية أم وهمية شيطانية)
ذكرنا في مقالة سابقة أن معظم أفكار محمد شحرور قائمة على التأويل. ومعاني التأويل هي:
- ما يؤول إليه الأمر.
- تفسير الكلام وبيان معناه.
- صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك.
مِن العلماء مَن فهم أن التأويل أمره الى الله، لأن الوقف في آية: {وما يعلم تأويله إلا الله} يكون عند الله، أي أنه هو وحده الذي يعلم تأويل الآيات، ولا يجوز لنا أن نشتغل بالتأويل. شحرور اختار المعنى الثالث، وأسرف فيه كثيراً في كتابه. واستخدمه كذلك في تقرير مفهومه للمعرفة، والكلام عن الفؤاد والقلب والدماغ في القرآن، والذي اعتبر أنه هو مفهوم القرآن عن المعرفة. وهو لا يعدو أن يكون مجرد رأي لا يمثل القرآن بالضرورة. في هذه المقالة نتحدث عن المعرفة بشكل عام عند شحرور، وسيكون موضوع المقالة التالية هو الفؤاد والقلب والدماغ والعقل.
المعرفة الفؤادية
أبسط أنواع المعرفة في القرآن، بحسب شحرور، هي المعرفة الفؤادية، وهي التي تعتمد على الحواس. يقول ص 362: (المعرفة الفؤادية مرتبطة مباشرة بالحواس، وهي أبسط أنواع المعرفة وأكثرها فعالية وأكثرها يقيناً). وقد قسّم المعرفة إلى فؤادية، وخبر، واستنتاج. وهذا مطابق لتقسيم المفكرين المسلمين: حس، عقل، خبر. لكنه بسط الأمور هنا، وجعل الحس أو الفؤادية كما يسميها، معرفة بسيطة يقينية، وكأنه يقصد التعرف على الأشياء من خلال حاستي السمع والبصر. وهذا غير واقعي، فتفكير البشر والتفكير العلمي كله حسي، أي متعلق بوقائع نحسها، ثم نعالجها في الدماغ، بناء على الذاكرة والخبرة والتجربة العلمية. فهذه المعرفة ليست بالبساطة التي يصورها شحرور. أما اليقين فلم يعد من مطالب المعرفة المعاصرة لا عند العلم التجريبي ولا الفلسفة، ولا حتى هو كذلك في المعرفة القديمة عند من انتقدها مثل إبن تيمية وابن خلدون.
أسماء الله
يقول ص 266: (فهنا تقسم المعرفة الإنسانية إلى قسمين: معرفة الأشياء، ومعرفة الله من خلال الأشياء. وكلما زادت معرفة الإنسان بالموجودات زادت معرفته بالله من خلال الأسماء). المعرفة الإنسانية عنده تقسم إلى: معرفة الأشياء، ومعرفة الله من خلال الأشياء، أي التوصل إلى اسمائه وصفاته. لكن أسماء الله وصفاته مفصَّلة في الكتاب، ومعرفتنا للأشياء تقوّي معرفتنا هذه، لكنها ليست هي المفتاح لتلك المعرفة. كما الأصل في الإنسان هو التشبه بالله من خلال أسمائه وصفاته ليقترب من الكمال.
مفهوم الغيب
يقول ص 266: (إن مفهوم الغيب والشهادة، كما ورد في الكتاب، هو مفهوم مادي بحت). نفهم أن الغيب، الذي غاب عن إدراكنا ثم حضر، يكون مادياً، أي خاضعاً للعقل، لكن كيف يكون غيب الآخرة مادياً، وهو يخضع لقوانين أخرى؟ فيوم القيامة، هناك إمكانية رؤية الله تعالى، ولو كان ذاك الغيب مادياً، فهذا يعني أن الله يتجسد في مادة، بحيث يمكن رؤيته. أيضاً الغيب المادي قابل للإدراك وهو محسوس، فلماذا طُلب منا الإيمان به وليس استكشافه؟
من الطبيعي، أيضاً، أن تكون الأحداث بالنسبة لله مكشوفة، سواء لغيب الدنيا أو لغيب الآخرة. ولا يعني هذا أنها مادية كلها. فما ينكشف لنا ليس كما ينكشف لله. يقول أيضاً أن الجنة والنار مادية: {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب} مريم 61. ما الدليل على أنها مادية بحتة، مع أن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. أيضاً ليس في الآخرة من الدنيا إلا الأسماء. هذا يعني أنه عالم آخر، بقوانين أخرى.
المنطق
ص 363 كلامه عن المنطق غير دقيق، يقول: (حدود المنطق ثلاث هي: الحد الأول في المقدمات، والحد الأوسط في العمليات الانتقالية، والحد الأخير في الاستنتاجات). معلوم أن حدود المنطق: الأصغر والأوسط والأكبر. الأصغر يكون في المقدمة الصغرى، والأكبر في الكبرى، والأوسط مشترك بينهما. والاصغر والأكبر يظهران في النتيجة. وهذا غير ما يقوله شحرور.
ويقول ص 266: (التصديق سابق التصور، أي أن الموجودات سبقت في وجودها وجود الإنسان. والمعرفة الإنسانية هي معرفة هذا الوجود على ما هو عليه). في المنطق التصور سابق على التصديق، وهنا عكَس الأمر، إن كان يقصد تلك المصطلحات. وعند المتكلمين: العلم هو معرفة الشيء على ما هو عليه. فهو على نفس منهج المتكلمين، مع أنه يُشنّع عليهم. وهذا هو مفهوم المطابقة أو اليقين، وقد تخلّت الفلسفة الحديثة عنه، تبعاً للعلم التجريبي، الذي لم يعد يهتم باليقين كما كان الحال في فيزياء نيوتن، بل هو الآن قائم على الاحتمال والإحصاء، وهذا سر تقدمه.
المفكرون المسلمون وقعوا في الوهم!
يقول ص 364: (غض النظر عن فحص المقدمات وتدقيقها وتحقيقها هو السبب في كثير من الوهم الذي وقع فيه علماء الكلام المسلمون، إذ اعتمد علم الكلام عندهم على الربط بين الحدود فقط، بغض النظر عن المسألة الكلامية أحقيقة رحمانية أم وهمية شيطانية). هذا اتهام صريح للمشتغلين بالمنطق في الفكر الإسلامي بعدم التحقق، مع أنهم أكثر الناس صرامة في هذا المجال، وأكثر ما يعتمدون على البرهان، وهو ما تألف من مقدمات يقينية، بأن يكون اعتقادها جازماً مطابقاً ثابتاً لا يتغير. فكيف يُقال بأنهم لا يتحققون ولا يدققون؟ أيضاً هم قد فصّلوا في المقدمات اليقينية وهي البديهيات، والمشاهدات، والمجربات، والمتواترات، والحدسيات، والمحسوسات، بشكل ينفي عنهم صفة الوهم.
المراجع
محمد شحرور، "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة"، الأهالي للنشر، دمشق.
عزيز محمد أبو خلف، نقد فكر محمد شحرور: https://ar.islamway.net/article/76214/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D9%81%D9%83%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B4%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%B1
- التصنيف: