دعوة إلى تصحيح مفهوم الدعوة (المقال الأول)

منذ 2018-07-23

القرآن يرفع عالياً قَدْر الدعوة والدعاة..إذا صح نهجهم.. واستقاموا عليها بسلوكهم.. وكانوا مستبصرين بما يدعون..ولا يقولون مالا يفعلون..{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت/33]

علَّقَ بعض المتابعين على مقالي السابق (العودة للدعوة) بتعليقات تُشعِر بأنهم أسِفوا لهذه الدعوة...حيث ظنوها من قبيل التراجع والنكوص لسبيل السلبية المجردة و الوعظ البارد.. وإيثار منهج السلامة على سلامة المنهج..!

 

والأمر ليس كذلك.. إلا عند من لم يستوعب المعنى الواسع والمغزى العميق لمفهوم الدعوة بمجالاتها المتعددة، على المستويات الفردية والجماعية والمجتمعية..والظاهر ان مفهوم (الدعوة) قد لحِق به ماحاق بمفهوم (الشريعة) من قصور وضمور في أذهان كثير من الناس، فلا يكاد يُطلق الكلام عن الدعوة حتى يعدُّها البعض إرشاد للانزواء والهروب للوراء.. مع أن الدعوة من واجبات الوقت مع كل واجبات الوقت..

 

أمتنا - يا إخوتنا - أمة دعوة، في منشطها ومكرهها، وفي قوتها وضعفها، وهذا سر خيريَّتها على سائر الأمم، كما قال سبحانه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. وهذه الخيرية تنبع من أمرين شريفين..أحدهما أن أمة الخير هي الباقية على التوحيد، والثاني أنها المكلفة بشرف الدعوة لهذا التوحيد، باعتباره أعرف المعروفات، المنافي لأنكر المنكرات وهو الشرك. وعلى هذا فعقيدة كل مسلم (دعوة) لتحقيق التوحيد، وشريعته (دعوة) للاستقامة على هذا التوحيد، وأخلاقه (دعوة) للحياة بأثاره وثماره، و عندما يحتسب المسلم آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر؛فهو يمارس(دعوة) للصلاح والإصلاح على قاعدة التوحيد، وحتى الجهاد في سبيل الله؛ فهو نوع من (الدعوة) لحفظ جناب ذلك التوحيد من كيد مخالفيه.. ولإدخال الناس أفواجا فيه..

 

وقد قام سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة والبلاغ بجميع سبله ووسائله لتعبيد الناس لله..بدءًا من إعطاء الأسوة على مستوى العائلة والأسرة...مرورًا بدعوة الأقربين والقبائل والشعوب.. مع إيصال البلاغ لملوك الأرض وحكامها.. ووصولا إلى الارتقاء بالدعوة بالجهاد والفتوح التي تزيل العوائق من طريقها وتفتح السُبل أمامها، لإدخال أصناف الناس لطريق النجاة والخير، حتى وإن كانت بداية بعضهم إلى ذلك الاسترقاق والأسْر.. كما جاء في البخاري عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ) فهناك من البشر من لا تنفع فيهم كلمات المواعظ، بل لايفيقون إلا تحت القوارع و الزواجر..ولهذا فَسَرَ ابو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] فقال: "خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام "..رواه البخاري.

 

القرآن يرفع عالياً قَدْر الدعوة والدعاة..إذا صح نهجهم.. واستقاموا عليها بسلوكهم.. وكانوا مستبصرين بما يدعون..ولا يقولون مالا يفعلون..{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت/33]  وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف /108] قال الطبري في تفسيرها: " قل يامحمد: هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريق التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له...والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته، هي (سبيلي) وطريقتي ودعوتي... ويدعو على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي ".. انتهى كلامه.

 

الحديث يطول ويتشعب في أمر هذه الشُعبة الجامعة من شُعَب الإيمان..ولكن؛ نحن بلاشك...في حاجة للدعوة، أكثر من حاجة الدعوة إلينا..