مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام

منذ 2018-08-14

وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ

{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} :

من آيات الله الباهرات , تلك السفن والبواخر وسائر أنواع الفلك بأحجامها المختلفة.

 من الذي أرساها على الماء وجعل من الأنهار والمحيطات طرقاً ممهدة للسفر والانتقال ونقل البضائع والأحمال؟

إنه الله بقدرته العلية ولو شاء لأوقف جريانها بإيقاف الريح, ولو شاء لأغرقها بمن فيها بما كسبت أيديهم من ذنوب وآثام و لكنه سبحانه يحلم ويصفح ويعفو عن كثير رحمة بالعباد وإمهالاً.

قال تعالى :

  {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ } [ الشورى 32-35]

قال السعدي في تفسيره:

أي: ومن أدلة رحمته وعنايته بعباده { {الْجَوَار فِي الْبَحْرِ }} من السفن، والمراكب النارية والشراعية، التي من عظمها { {كَالْأَعْلَامِ } } وهي الجبال الكبار، التي سخر لها البحر العجاج، وحفظها من التطام الأمواج، وجعلها تحملكم وتحمل أمتعتكم الكثيرة إلى البلدان والأقطار البعيدة، وسخر لها من الأسباب ما كان معونة على ذلك.

ثم نبه على هذه الأسباب بقوله: { {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ } } التي جعلها الله سببا لمشيها، { {فَيَظْلَلْنَ } } أي: الجوار { { رَوَاكِدَ} } على ظهر البحر، لا تتقدم ولا تتأخر، ولا ينتقض هذا بالمراكب النارية، فإن من شرط مشيها وجود الريح.

وإن شاء الله تعالى أوبق الجوار بما كسب أهلها، أي: أغرقها في البحر وأتلفها، ولكنه يحلم ويعفو عن كثير.

{ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } } أي: كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها، فيكرهها عليه، من مشقة طاعة، أو ردع داع إلى معصية، أو ردع نفسه عند المصائب عن التسخط، { {شَكُورٍ } } في الرخاء وعند النعم، يعترف بنعمة ربه ويخضع له، ويصرفها في مرضاته، فهذا الذي ينتفع بآيات الله.

وأما الذي لا صبر عنده، ولا شكر له على نعم الله، فإنه معرض أو معاند لا ينتفع بالآيات.

ثم قال تعالى: { {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا } } ليبطلوها بباطلهم. { {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} } أي: لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
المقال التالي
وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون