مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون

منذ 2018-09-13

وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ

{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} :

لما اكتملت حجة الله على المصريين وانقادوا لفرعون الذي عاند وأصر على محاربة الله وأوليائه , أمر الله تعالى موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً مستخفياً , وتبعهم جيش فرعون حتى أتوا البحر ففلقه الله لهم وجعل فيه ممرات آمنة لموسى ومن معه وأمر الله تعالى موسى أن يبقي البحر على حاله حتى إذا اكتمل خروج موسى ومن معه واكتمل دخول جيش فرعون أمر الله البحر أن يلتقم عليهم فأغرقهم عن آخرهم , وقد تركوا آثارهم وبقايا مجدهم و ما كانوا فيه من نعيم , فما كان لهم بواكي في أرض ولا في سماء , وأتم الله نجاة موسى و من معه حيث كانوا أفضل أهل زمانهم إيماناً فرفعهم الله وأعلى من شأنهم وأيدهم بآياته.

  {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ (33)} [الدخان]

قال السعدي في تفسيره:

أمر الله موسى أن يسري بعباده ليلا وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه. { وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا } أي: بحاله وذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره الله ثم تبعهم فرعون فأمر الله موسى أن يضرب البحر فضربه فصار اثنى عشر طريقا وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة فسلكه موسى وقومه.

فلما خرجوا منه أمره الله أن يتركه رهوا أي: بحاله ليسلكه فرعون وجنوده { {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} } فلما تكامل قوم موسى خارجين منه وقوم فرعون داخلين فيه أمره الله تعالى أن يلتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا وأورثه الله بني إسرائيل الذين كانوا مستعبدين لهم ولهذا قال: { {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا} } أي: هذة النعمة المذكورة { {قَوْمًا آخَرِينَ} } وفي الآية الأخرى: { { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} }

{ {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} } أي: لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي: لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين.

{ { وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } } أي: ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال. ثم امتن تعالى على بني إسرائيل فقال: { {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ} } الذي كانوا فيه { {مِنْ فِرْعَوْنَ} } إذ يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم. { {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا} } أي: مستكبرا في الأرض بغير الحق { مِنَ الْمُسْرِفِينَ } المتجاوزين لحدود الله المتجرئين على محارمه.

{ {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ } } أي: اصطفيناهم وانتقيناهم { {عَلَى عِلْمٍ } } منا بهم وباستحقاقهم لذلك الفضل { {عَلَى الْعَالَمِينَ} } أي: عالمي زمانهم ومن قبلهم وبعدهم حتى أتى الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ففضلوا العالمين كلهم وجعلهم الله خير أمة أخرجت للناس وامتن عليهم بما لم يمتن به على غيرهم.

{ {وَآتَيْنَاهُمْ } } أي: بني إسرائيل { {مِنَ الْآيَاتِ } } الباهرة والمعجزات الظاهرة. { {مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} } أي: إحسان كثير ظاهر منا عليهم وحجة عليهم على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون
المقال التالي
أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم اهلكناهم