مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين

منذ 2018-11-04

لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} :

عند نزول المحن والابتلاءات الشديدة يميز الله عز وجل أهل الإيمان عن أهل النفاق والشرك :

 يمن الله تعالى على الثابتين على الحق بنعم كبرى أهمها طمئنينة القلب وسكينته والثبات على الحق دون تزعزع , وزيادة الإيمان في قلوبهم والتنعم برضوان الله ونور هدايته وتوفيقه للمؤمنين الثابتين ووعده المحقق لهم بالخلود في جنات النعيم وتكفير السيئات وما أعظمه من فوز , وهذا ما وعد الله به عباده عندما ثبتوا على أمر الله في صلح الحديبية رغم الشروط المجحفة التي أملاها المشركون.

أما المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات أهل الظن السيء بالله فليس لهم إلا دائرة السوء عليهم  مصحوبة بغضب الله ولعنته وعذابه الشديد , فهم أهل الخزي في الدارين.

ثم ذكر آثار هذا الفتح على المؤمنين فقال:


قال تعالى :

 { {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} } [ الفتح 4-6]

قال السعدي في تفسيره:

يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم، وهي السكون والطمأنينة، والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة، التي تشوش القلوب، وتزعج الألباب، وتضعف النفوس، فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه، وينزل عليه السكينة، ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة، فيستعد بذلك لإقامة أمر الله في هذه الحال، فيزداد بذلك إيمانه، ويتم إيقانه، فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم، وحط من أقدارهم، وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس، فلما صبروا عليها ووطنوا أنفسهم لها، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم. وقوله: { { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} } أي: جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره، فلا يظن المشركون أن الله لا ينصر دينه ونبيه، ولكنه تعالى عليم حكيم، فتقتضي حكمته المداولة بين الناس في الأيام، وتأخير نصر المؤمنين إلى وقت آخر.

{ {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } } فهذا أعظم ما يحصل للمؤمنين، أن يحصل لهم المرغوب المطلوب بدخول الجنات، ويزيل عنهم المحذور بتكفير السيئات. { {وَكَانَ ذَلِكَ} } الجزاء المذكور للمؤمنين { {عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} } فهذا ما يفعل بالمؤمنين في ذلك الفتح المبين.

وأما المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات، فإن الله يعذبهم بذلك، ويريهم ما يسوءهم؛ حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين، وظنوا بالله الظن السوء، أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، وأن أهل الباطل، ستكون لهم الدائرة على أهل الحق، فأدار الله عليهم ظنهم، وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا، { {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } } بما اقترفوه من المحادة لله ولرسوله، { {وَلَعَنَهُمْ} } أي: أبعدهم وأقصاهم عن رحمته { {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } }

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً
المقال التالي
ولله جنود السماوات والأرض