سأتغير حتى تتغير الأمة
يا من أردت الحياة السعيدة يقول الله تعالى لك : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
هل أنت حزين على ما يحدث من حولنا في بلاد المسلمين من بلاء وبعد عن تعاليم الدين؟
هل بكيت من أجلهم؟ دعوت لهم ؟
ثم ماذا؟!
نسأل أنفسنا لماذا تغيرت الناس ؟ وأين أخلاق الإسلام فينا ؟ لماذا لا يرجع المسلمون إلى دينهم؟!
ثم ماذا؟!
الجميع ينتظر أن يتغير من حوله لينصلح حال الأمة دون أن يُحرك ساكنًا، لم يدرك أن سر التغيير موجود في قوله تعالى: ( {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} )، ومعنى الآية هو أن الله لا يغير حال قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وذلك شامل لتغيير حالتهم الدنيوية من خير إلى شر، أو من شر إلى خير، فبسبب معاصيهم يتغير حالهم من سعادة لشقاء، وبسبب طاعتهم واستقامتهم يتحول حالهم من شقاء لسعادة.
إذا كنت تنتظر أن يتغير من حولك ؟ فما دورك أنت؟ هل هو مجرد مراقبة مقدار التغيير الذي وصل إليه غيرك؟
بالطبع لا..
إذا باختصار لا تقل أريد أن تتغير الأمة، ولكن قل سأتغير حتى تتغير الأمة.
لن تستطيع تغيير ما حولك حتى تغير من نفسك، وعندها فقط تستطيع أن تحدث تغييرًا في مجتمعك، فابدأ بنفسك واجعل شعارك، سأكون أنا المسلم الذي وددت دوما أن أقابله.
كيف ستتغير الأمة وأنت لا تحافظ على صلاتك وفرائضك؟!
وأنتِ متبرجة، وعطرك يفوح منك ويسبقك حيث حللت، ولباسك بعيد كل البعد عن كل ما يرضي الله تعالى؟!
وأنت لا تستطيع البعد عن المعاصي، وقلبك معلق بالأغاني والممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات؟!
وأنت تتهم الناس بالباطل، وتنقل الكلام عنهم بدون بينة؟!
وأنت تؤذي جيرانك، وترمي الأذى في طريق الناس ؟!
وأنت تأخذ الرشوة وتسميها بغير مسمياتها، وتقبل الغلول؟!
ولا تجد غضاضة في أن تأكل حقوق غيرك، ولو أن تأخذ دور غيرك في الطابور؟!
وياتُرى كام مرة نام والدك أو والدتك وهما غاضبان منك، أو حزانى بسببك؟!
وغيره وغيره وغيره.
في ليلة معركة حطين التي استعاد بها المسلمون بيت المقدس وهُزم فيها الصليبيون كان القائد صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - يتفقد خيام الجنود فيسمع من هذه الخيمة قيام أهلها وهم يصلون، وهذه وأهلها يذكرون، وتلك الخيمة وأهلها يقرؤون القرآن، حتى مر بخيمة كان أهلها نائمون، فقال لمن معه: من هذه الخيمة سنؤتى !!
أي من هذه الخيمة ستأتينا الهزيمة .
الصحابة رضوان الله عليهم تغيروا فغيروا؛ بدؤا بتغيير أنفسهم لمَّا سطع نور الإيمان فيها، فاستطاعوا أن يغيروا العالم ، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا بدأت بنفسك وبدأ غيرك بنفسه وذلك وتلك وغيرهم أصبحتم قوة وعزة ومنعة تحمي الحق وتمد يدها لتنتشل غيرها من براثن المعاصي التي تورث الوهن والضعف وتنخر في عظام الأمة.
وإذا أنعم الله عليك فكنت من أهل الصلاح فلا تيأس وتفقد الأمل في تغيير الأمة، انظر كيف بدأ الإسلام غريبًا، الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بضعة أشخاص، لم يقولوا ماذا سنفعل ونحن قلة؟! لم يوقفهم كثرة الخبث عن دورهم ومهمتهم في محاولة تغيير الواقع من حولهم، ومالبثت هذه القلة القليلة بعد بضع سنوات إلا وقد قادت جزيرة العرب وخرجت إلى العراق والشام ومصر وغيرها.
فاحرص أن تعين غيرك على التغيير، ولئن يهدي الله بك رجلًا خيرٌ لك من حمر النعم.
وليس من المهم أن ترى نتيجة التغيير بعينك، بل يكفيك أن تعيش وتموت وأنت على الطريق الصحيح، أما النتائج ووقت تحقيقها فهي بيد الله تعالى الحكيم العليم.
يكفيك أن تشعر بأنك كنت جنديًا أمينًا في كتيبة الأمة، حريصًا على ثغورها فلم يُؤت الإسلام من قبلك، وكنت سببًا في رفعتها وعودتها إلى مكانها الطبيعي في مقدمة الأمم حتى ولم ترَ ذلك بعينك، يكفيك شرفًا وكرامة أنك حين وجدت الأمة قد شردت وبعدت عن الطريق سطع نور الإيمان في قلبك وقررت أن تبدأ بنفسك وتكون أول فرد يضع قدمه على الطريق الصحيح ليقتدي بك الجميع.
إذًا اتفقنا الآن أن حال الأمة لن يتغير حتى نتغير نحن، ولكن متى يكون التغيير؟
وتأتي الإجابات؛
قريبًا..
عندما أكبر..
من بداية الأسبوع أفضل ..
لنجعله من بداية الشهر ..
ويأتي أول الأسبوع وأول الشهر وأول السنة ولم يحدث أي تغيير!
ويكون التسويف هو مشكلتنا الكبرى؛ سوف أتغير !
غير مدركين أن التغيير يكون أصعب وأصعب بعد كل يوم يمر وأنت واقف مكانك بلا حراك؛ أحضر ورقة وأحرقها ثم انفخ في النار ستجدها قد انطفأت بسهولة، وأحضر ورقة ثانية وأحرقها ولكن انتظر قليلًا وحاول إطفاءها، ستجدها قد انطفأت بصعوبة وأخدت وقتًا أطول.
وهكذا كُلَّما أخرت من تغيير نفسك أصبح التغيير أصعب.
قد تقول من الصعب ترك الأغاني وقد تعودت عليها منذ عشر سنين! لو انتظرت حتى تصبح خمسة عشر سنة سيصبح الأمر أصعب.
عشرون سنة وأنا عصبي ومن الصعب أن أغير من طبعي! لو انتظرت حتى يصبحوا ثلاثين سنة سيصبح الأمر أصعب.
ابدأ فورًا في التغيير..
ولكن لابد من نية لهذا التغيير، وهمة للانطلاق، مع وضوحٍ للرؤية، وحسن التوكل على الله تعالى.
اعقد النية وابدأ وسيعينك الله ويأخذ بيدك، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال: «يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
يا من أردت الحياة السعيدة يقول الله تعالى لك : ( {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ).
وكن على يقين أن حال المسلمين في كل مكان لن ينصلح إلا إذا انصلح حالنا وبدأنا بأنفسنا، واعلم أنه ببعدك عن دينك، وحبك للدنيا، ونسيان الآخرة ، فأنت سبب مباشر في هزيمة المسلمين.
أقدم وبادر، فوالله لن يضيعك الله مادمت تبحث عن الطريق. انفض عنك غبار الماضي بما فيه من معاصٍ وبعد عن الله، وأدر بوصلة حياتك في الاتجاه الصحيح، ابحث عمن يدلك على الطريق، والتزم الصحبة الصالحة التي تعينك على التغيير، واعلم أن كتاب الله خير رفيق وأن سنة نبيه خير أنيس، وأبشر بكل خير مادمت بدأت طريق التغيير .
هبة حلمي الجابري
خريجة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية
- التصنيف: