أمواج الابتلاءات تصنعك
اصنع لنفسك حياةً جديدةً من خلال هذه المحن، واستخرج ما فيها من منحٍ، وفُزْ بسعادة الدنيا وحُسْن ثواب الآخرة، واصبر، وتذكَّر وَعْدَ ربِّك: ﴿ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ﴾ [الزمر: 10.
تُرى كم محنة مررْتَ بها أو مرَّتْ بك، فجعلتك تتوارى في قوقعة اليأس والحزن والاستسلام؟
كم ابتلاء أصابك، فقيَّد خطواتك عن الانطلاق في دروب النجاح؟
كم صفعة صفعت قلبك بسبب قسوة من كنتَ لهم يومًا خير رفيق، فجعلتك تفقد ثقتَكَ بمن حولكَ، وتظُنُّ أن الجميع يُشبه في الصفات من باع وقسا وخان؟
كثيرة هي تلك المحن والابتلاءات والصفعات التي جعلت أوراق شجرة بهجتك وعزيمتك تذبل وتتساقط، أليس كذلك؟
لا عليك؛ فذبول الخريف يعقبه نضارةُ الربيع، والصفعات التي أسقطت أوراقَكَ هي نفسها التي ستجعلك أكثر ازدهارًا إن أنت أحسنتَ التعامُل معها.
تتعجَّب من كلماتي، وتظنُّها مجرد عبارات تحفيزية؛ لأنَّ أوراق بهجتك وعزيمتك لم تَعد إليها تلك النضارة التي رحلت عنها منذ أمد بعيد!
أتدري لماذا لم يصافح الربيع أشجار حياتك بعد؟ لأنك لم تتأمَّل الحكمة التي تحويها هذه المحن والآلام، ولم تُحسِن الظنَّ في ربِّك؛ فانكمشتْ إرادة التغيير داخلك بفعل برودة هذا اليأس والاستسلام.
عجبًا لك!
ألم تسمع من قبل هذه المقولة: "البحار الهادئة لا تصنع بحَّارًا ماهرًا"؟
ألم تعلم أنَّ الأمواج العاصفة هي التي تجعلنا نقاوم ونقاوم؛ مما يقوِّي عضلات إرادتنا، ويمنحها القدرة على الاستمرارية والارتقاء؟!
هذه حقيقة لا ينكرها لبيب، فكم من ملايين البشر يعيشون ثم يموتون، ولا يضيفون للحياة أية إضافة تستحقُّ أن تُذكَر، لم تزد الحياة بوجودهم شيئًا، ولم تنقص بفِقدانهم شيئًا، ربما لأنهم عاشوا حياةً هادئةً، ليس فيها حركة أمواج الابتلاءات القوية التي تدفعنا للمقاومة حتى آخر رمقٍ.
لا تحزن وتذكَّر أنَّ أمواج الابتلاءات الصعبة كثيرًا ما تصنع القادة والمتميِّزين والعباقرة والمؤثرين، وهي التي تدفعهم إلى شاطئ التألُّق، وقد ازدادوا صلابةً وقوَّةً بعد أن تحلَّوا بالرضا عن أفعال الله عز وجل، ووثقوا بحكمته، هي التي تجعلهم يكتشفون ما بداخلهم من كنوز فريدة وقدرات عديدة
الابتلاءات تصنعنا، والأمواج العاصفة تنتشلنا من القاع ونحو القمَّة ترفعنا، هذا إن أجدنا التعامُل معها؛ ولكن للأسف فالكثيرون منا لا يتقنون فن قراءة كتاب المحن والابتلاءات، فيُمزِّقون أوراقه بسخط، أو يهملونها ويعيشون حياتهم يُصارعون الحزن واليأس والقنوطعان، فتلتهمهم وحوشُ الاكتئاب، ويمرُّ بهم العمر وقد غرقوا في بحار العجز، وصاروا من سيئ إلى أسوأ، ثم إذا بهم يتفاجؤون بمن كان يعاني أضعاف ما يون قد ارتقى حتى وصل إلى القمَّة، ثم تزادد حسرتهم حينما يتفاجؤون به يوم القيامة وقد نال أجر الصابرين، وارتفع مقامه في أعلى عليِّين، وقد حلَّ رضوان الله عليه، وغمره بلطفٍ بعد أن رضي هو عن أفعال الله بكل حب.
تزداد حسرتهم كذلك حينما يتذكَّرون أنهم قد سجَّلوا أسماءهم في قائمة الساخطين، فعاشوا في الحياة الدنيا في أحضان التعاسة والحزن، ووجدوا صحفهم في الآخرة وهي خالية من جميل هذا الأجر.
فيا من تضربك أمواجُ المحن بقسوتها، لا تحزن حينما ترى نفسَكَ محاطًا بأمواج صاخبة، فتلك الأمواج ما جاءتك لتقتلك، ولا حاوطتك لتخذلك؛ بل هي محرِّك ووقود يدفعك لإخراج أجمل ما فيك؛ فقاوم واصنَع لنفسك حياةً جديدةً، واملأ قلبك حكمةً وبصيرةً، وقل: مرحبًا بأقدار ربي، فكل أفعال الحكيم خيرٌ.
اصنع لنفسك حياةً جديدةً من خلال هذه المحن، واستخرج ما فيها من منحٍ، وفُزْ بسعادة الدنيا وحُسْن ثواب الآخرة، واصبر، وتذكَّر وَعْدَ ربِّك: ﴿ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ﴾ [الزمر: 10.
رضا الجنيدي
كاتبة متخصصة في مجال الأسرة وداعية إسلامية
- التصنيف: