مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - والأرض وضعها للأنام
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ } :
من رحمة الله بعباده سبحانه أن خلق لهم الأرض ليستقروا عليها ومهدها لطرقهم ووضع فيها من الخيرات ما يصلح لطعامهم وشرابهم ووقودهم وبناء مساكنهم وفرشهم وأودع فيها من كل ما تدعوا إليه حاجة العباد ما ييسر عليهم معايشهم ولازال الإنسان يكتشف من عجائب خلق الله فيها وفي السماء حتى يومنا.
فيها من أصناف الفاكهة مختلفة الطعوم والألوان وفيها نخل يجني الإنسان منه تمراً يصلح طعاماً يكفيه وحده مع الماء لقيام حياته , وفيها من أصناف الحبوب والزهور ما ينعش الطاعم ويفيد ويزيد.
فيا معشر الإنس والجان بأي آلاء الله ونعمه التي أغدقها عليكم في أنفسكم وفيما حولكم تكذبون , وأي عمى بصائر هذا الذي أصاب كل معاند لله كافر بنعمائه مبارز له بما أنعم ؟
قال تعالى :
{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن 10-13]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا} } الله على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار واختلاف أوصافها و أحوالها { {لِلْأَنَامِ} } أي: للخلق، لكي يستقروا عليها، وتكون لهم مهادا وفراشا يبنون بها، ويحرثون ويغرسون ويحفرون ويسلكون سبلها فجاجا، وينتفعون بمعادنها وجميع ما فيها، مما تدعو إليه حاجتهم، بل ضرورتهم.
ثم ذكر ما فيها من الأقوات الضرورية، فقال: { {فِيهَا فَاكِهَةٌ } } وهي جميع الأشجار التي تثمر الثمرات التي يتفكه بها العباد، من العنب والتين والرمان والتفاح، وغير ذلك، { {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} } أي: ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان التي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم، فتكون قوتا يؤكل ويدخر، يتزود منه المقيم والمسافر، وفاكهة لذيذة من أحسن الفواكه.
{ {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} } أي: ذو الساق الذي يداس، فينتفع بتبنه للأنعام وغيرها، ويدخل في ذلك حب البر والشعير والذرة والأرز والدخن، وغير ذلك، { {وَالرَّيْحَانُ } } يحتمل أن المراد بذلك جميع الأرزاق التي يأكلها الآدميون، فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص، ويكون الله قد امتن على عباده بالقوت والرزق، عموما وخصوصا، ويحتمل أن المراد بالريحان، الريحان المعروف، وأن الله امتن على عباده بما يسره في الأرض من أنواع الروائح الطيبة، والمشام الفاخرة، التي تسر الأرواح، وتنشرح لها النفوس.
ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالأبصار والبصائر، وكان الخطاب للثقلين، الإنس والجن، قررهم تعالى بنعمه، فقال: { {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } } أي: فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان؟
وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة، فما مر بقوله: { {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} } إلا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد، فهذا الذي ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه، أن يقر بها ويشكر، ويحمد الله عليها.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: