الولي للمرأة.. نظرة شرعية

منذ 2019-02-02

فتبين بهذا أن السؤال الصحيح هو: لماذا كُلّف الرجل بالنفقة، والحماية، والأمر بطاعة الله، والمنع مما يضر في دين أو دنيا، في حين أن المرأة مكتملة الأهلية؟

إبراهيم بن محمد العبيكي

من أكثر الأسئلة حضوراً عند مناقشة قضية «الولي للمرأة» هو السؤال الآتي: كيف تجعلون لشخص سلطة على شخص آخر في سفره، وعمله، ونكاحه، وكل منهما مكتمل الأهلية.

وقبل محاولة الجواب عن هذا السؤال، لابد من التنبيه إلى الفرق بين أمرين يخلط بينهما بعض المتكلمين في هذه القضية، وهما: التسليط المطلق، والتكليف.

فالتسليط المطلق: هو إعطاء طرف من الأطراف سلطةً على طرف آخر، في ماله، وبدنه، ووقته، وعمله، فيحق له منعه من التصرف فيها حتى في المباحات.

وأما التكليف: فهو أمر لطرفٍ بأداء حقوق للطرف الآخر، سواء رضيها الطرف الآخر أو كرهها، لما يترتب عليها من حصول مصالح دينية أو دنيوية.

فبعضهم يفسر الولاية بالتسليط المطلق، ثم ينتقدها وفق هذا المفهوم، وهو غلط.

فتبين بهذا أن السؤال الصحيح هو: لماذا كُلّف الرجل بالنفقة، والحماية، والأمر بطاعة الله، والمنع مما يضر في دين أو دنيا، في حين أن المرأة مكتملة الأهلية؟

ويمكن الجواب عن هذا السؤال في النقاط الأربع التالية:

أولا: أن تكليف الله تعالى للمسلم بحقوق يجعلها على إخوانه المسلمين - سواء كانوا من قرابته أو لا، وسواء طلبوا هذه الحقوق أو لم يطلبوها -، أمر معروف في الشرع، وله صور متنوعة، كلها مستحسنة في العقول، ومن ذلك: الأمر بعيادة المريض، ورد السلام، وتشميت العاطس، ونصح المسلم، ونصرته إذا ظُلِم، وغيرها من الحقوق.

فهذه الحقوق ليس الشأن فيها راجعاً للأشخاص، ومفوضاً إليهم، إن أحبوا استوفوه، وإن أحبوا أسقطوه، بل هو فرض من الله، أوجب على أهل الإسلام أداءه في ما بينهم.

بل إن بعض الحقوق قد يكره المسلم أن تُؤدى إليه، ويَعتبر أداءها إليه نقصاً عليه، وتفويتاً لِـحَــظّـه، ومع ذلك لا ينظر الشرع لكراهته هذه، ويأمر المسلمين بأدائها إليه، وإلزامه بها، ثم يعتبر الشرع ذلك نصرةً له، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقالوا: يا رسول الله، ننصره إذا كان مظلوماً، فكيف إذا كان ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم» ».

فالشرع حين يأمر بالتكافل، والتناصح، والتناصر، والتناهي عن الظلم، وعما يضر في الدين والدنيا، لا يعتبر ذلك نقصاً في أهلية المسلمين، بل يعتبر ذلك صورة من صور تكاملهم وموالاة بعضهم لبعض؛ { {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} } [التوبة: 71].

 إنما يخدش الأهلية شيء آخر، وهو المنع من المباحات التي لا ضرر فيها.

ثانيا: إذا تبين أن الحقوق التي جعلها الشرع بين المسلمين هي صورة من التكامل والموالاة بينهم، فإن هؤلاء المسلمين إذا كانت تربطهم رابطة أخرى غير الإسلام، مثل كونهم من بيت واحد، فإن الحقوق بينهم أكثر وأعمق، والدافع لأدائها حينئذ ليس الدين فقط، بل الفطرة، والأخلاق، والشهامة.

وبهذا يفهم سبب تكليف الله تعالى الرجل بالقوامة في بيته، فأُمر بالإنفاق، والكفاية، والحماية - بل جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم  من مات في سبيل حماية أهله شهيداً -، وأُمر بإقامة أمر الله في بيته، ونَـهْيِ أهلِه عن المعصية، وكان مسؤولاً عن التقصير في ذلك، كما أنه مسؤول عن التقصير في النفقة والكفاية.

ومسؤولية الرجل هذه - بإبعاد أهله عما يضر في الدين والدنيا، أو عما يعرضهن للأذى - هي مسؤولية حقيقية، قد رتب الشرع عليها الثواب والعقاب، كما سيتبين في النقطة التالية:

ثالثا: الناظر في أدلة الكتاب والسنة، يجد أن الشرع يُكَلّف الرجل بامتثال الأوامر وترك المناهي، ويكلفه أيضاً بأمر أهله بذلك، فهو مسؤولٌ عن نفسه، ومسؤول عنهم، مؤاخذٌ بتركهم لأمر الله، وارتكاب معصيته، إذا كان مفرطاً في منعهم.

وأدلة تكليف الرجال بهذه المسؤولية كثيرة، ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته».

ويدل عليه أيضاً: أن الله تعالى في القرآن يوجه الخطاب للرجال، ويأمرهم فيه بمنع النساء من المعصية، فلاحظ أن الـمَنْهي هو المرأة، والمخاطب هو الولي، مما يدل على ثبوت مسؤولية الولي عن مخالفة أهله.

فانظر إلى قوله تعالى: { {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} } [التحريم: ٦]، فخاطب الرجال؛ لأن قدرتهم على المنع مما يضر في الآخرة، وعلى الأمر بما ينفع فيها، أكمل، قال الراغب الأصفهاني: «النساء لما كُنّ تابعات للرجال، وتحت أمرهم، صار الجناح - وهو الإثم - في كثير مما يفعلن راجعاً إليهم إذا لم ينهوهن، ولهذا قال: { {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} } [التحريم: ٦]»[1].

ولما ذكر الله تعالى خروج المرأة - المتوفى عنها زوجها - من بيتها بعد انقضاء عدتها، وما يباح لها في هذا الخروج وما يحرم، خاطب الرجال، فقال: { {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْـمَعْروفِ} } [البقرة: 234]، فنَفَى الجناح عن الرجال، مع أن الحكم لا يتعلق بهم، بل بذات المرأة، فيفهم من الآية أن على الرجال إثماً في ترك المرأة تفعل ما يخالف المعروف، قال الواحدي: «خاطب الله الأولياء، لأن الرجال قوامون على النساء، مأمورون بزجرهن عن مجاوزة حدود الله»[2].

ومن الأمثلة أيضاً في تكليف الولي بما يجب على المرأة، ما جاء في حديث الغامدية التي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم  وهي حُبلى - أي حامل - من الزنا، قال: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم  وليها، وقال: « «أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها» »، فأشرك الولي في التكليف، وهو حضورها إذا ولدت.

لذا صرح العلماء أنه يجب على المرأة قبول أمر الولي في الطاعات، قال ابن العربي عند قوله تعالى: { {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} } [البقرة: 228]، قال: لفضل القوامة؛ فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة، ويحجبها، ويأمرها بطاعة الله، وعليها الالتزام بأمره في الـحجبَة - أي عدم الخروج - وغيرها إلا بإذنه، وقبول قوله في الطاعات»[3].

وخلاصة هذه النقطة: أن المعصية الظاهرة التي تفعلها المرأة يشترك وليها معها في إثمها، لتفريطه في ما ائتمن عليه، ومن ذلك: تبرجها، وسفرها بلا محرم، واختلاطها بالرجال في العمل، ونكاحها دون ولي، وغير ذلك.

رابعاً: بقي سؤال بزغ في الآونة الأخيرة، وهو مع وضوحه إلا إنني أجد نفسي مضطراً للوقوف عنده، وهو: لماذا كلف الرجل بهذه الحقوق (النفقة، والحماية، واختيار الزوج الكفء، والإلزام بامتثال أوامر الله) ولم يُسنَد هذا التكليف للمرأة؟!

والجواب عن هذا هو تفضيل الرجال بالقدرة، وقد أشار الله تعالى لهذا في قوله: { {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} } [النساء: 34].

وهذا الموافق للحكمة، أنه كلما كانت القدرة أكمل كان التكليف أكثر، وقد أشار الرازي في تفسيره لهذه القضية، فقال: «لأجل ما جعل الله للرجال من الدرجة على النساء في الاقتدار، كانوا مندوبين إلى أن يوفوا من حقوقهن أكثر»[4].

فلما كان الرجال أقدر على الكفاية والنفقة والحماية، كانت هذه الأمور من حقوق النساء عليهم، فإن كثيراً من المكاسب لا تطيقها المرأة إلا مع مشقة شديدة، أو مع التكشف، أو الابتذال عند الرجال.

وقد عبّر السمرقندي عن هذا بقوله: «للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلبت عليهن الرطوبة والبرودة، فيكون فيها معنى اللين والضعف، فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك»[5].

ولما كان الرجل أقدر على فحص الرجال، ومخالطتهم، ومعرفة حقائقهم، كُلّف باختيار الزوج الكفء لأهله، لاسيما والمرأة مأمورة بالاحتجاب عن الأجانب، ومباعدتهم.  

وقد انتزع المفسرون من آية القوامة هذه المناسبة والعلاقة بين وجود هذه الوصف - وهو زيادة القدرة - وبين القوامة، قال الشوكاني: «{ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} } [النساء: 34] هذه الجملة مشتملة على بيان العِلّة التي استحق بها الرجال القوامة، وهي أنهم يقومون بالذب عنهن، كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية، وهم أيضاً: يقومون بما يحتجن إليه من النفقة، والكسوة، والمسكن»[6]. وذكر مثله الشنقيطي في تفسيره[7].

والمقصود من هذا المقال:

- أن أمر الشرع للرجال بأداء حقوقٍ للنساء هو كمال في حقهم وحقهن، وهو صورة من صور التكافل والموالاة بين المسلمين، وأنه لا علاقة له بكمال الأهلية بوجه من الوجوه.

- أن الولي مسؤول مسؤولية حقيقية عن أهله (أخته، وابنته، وزوجته) فهو كما أنه مكلف بالنفقة والكفاية والحماية من الأذى، فهو مكلف بمنع السفر بلا محرم، ومنع تبرجها ومخالطتها للأجانب، وغيره.

فعلى هذا فالرجل تطيعه المرأة في حدود ما كلفه الشرع به، إلا من كانت طاعته واجبة بالأصالة، كالأب، والزوج في المعاشرة وترك الخروج[8]

ويتضح بهذا أنه لا يجوز أن يحال بين الرجل وبين حقه في القوامة على أهله، بأن تُمكّن مما نهى الشرع عنه، وأن ذلك نزع لولاية ولاه الله إياها، وتضييع لحقوق أوجب الشرع أداءها بين أهل البيت.

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


[1] تفسير الراغب الأصفهاني 1/497.

[2] التفسير البسيط 4/268.

[3] أحكام القرآن 1/530.

[4] تفسير الرازي 6/441.

[5] تفسير السمرقندي 1/ 325.

[6] فتح القدير 1/460.

[7] قال الشنقيطي: «كمال الرجال بذكورتهم وقوتهم الطبيعية جعلتهم يقومون على النساء لضعفهن الخلقي الجبلي، ليدفعوا عنهن ما لا يقدرن على دفعه من أنواع الضر، ويجلبوا لهن ما لا يقدرن على جلبه من أنواع النفع، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]» العذب النمير 4/398.

[8] ينظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/85.