وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭

منذ 2019-02-19

‭ ‬ويتراخى‭ ‬الرباط‭ ‬بالتوسع‭ ‬في‭ ‬المباحات‭ ‬وأصدقاء‭ ‬المرح‭ ‬الذين‭ ‬يثمرون‭ ‬الغفلة،‭ ‬ويجرون‭ ‬للقسوة‭ ‬والجفوة‭ ‬والله‭ ‬المستعان‭ .‬

 

•‭ ‬قصة‭ ‬أهل‭ ‬الكهف‭ ‬نتلوها‭ ‬كل‭ ‬جمعة‭ ‬وفيها‭ ‬عبر‭ ‬مختلفة‭ ‬ودروس‭ ‬متنوعة،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬الثبات‭ ‬الذي‭ ‬قذفه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭ ‬وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭..‬

•‭ ‬رباط‭ ‬وثبات‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬رجوعهم‭ ‬،‭ ‬وربط‭ ‬أسعدهم‭ ‬بإيمانهم‭ ‬وطريقهم‭ ‬المختار‭.‬

•‭ ‬وثبات‭ ‬جعلهم‭ ‬يتنازلون‭ ‬عن‭ ‬دنياهم‭ ‬وزينتهم‭ ‬ {إذ‭ ‬قاموا‭ ‬فقالوا‭ ‬ربنا‭ ‬رب‭ ‬السموات‭ ‬والأرض} ‭ .‬

•‭ ‬وربطٌ‭ ‬وثبات‭ ‬حملهم‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬وامتطاء‭ ‬الصبر{لن‭ ‬ندعوا‭ ‬من‭ ‬دونه‭ ‬إلها‭ ‬لقد‭ ‬قلنا‭ ‬إذاً‭ ‬شططا} ‭.‬

•‭ ‬ {وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم} ..‭ ‬برغم‭ ‬القلة‭ ‬والضعف‭ ‬والوحشة،‭ ‬فذهب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬من‭ ‬الوجل‭ ‬والتوجس‭ ‬وبذلوا‭ ‬بكل‭ ‬بأس‭ ‬وشجاعة‭ .‬

•‭ ‬ {وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم} ‭ .. ‬برغم‭ ‬المكر‭ ‬الوثني،‭ ‬ومحاولات‭ ‬التعرض‭ ‬لهم‭ ‬بكل‭ ‬صنوف‭ ‬الأذى‭..!‬

•‭ ‬وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭ ‬بالثبات‭ ‬والصبر‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يخافوا‭ ‬ولا‭ ‬يحزنوا،‭ ‬ويصدعون‭ ‬بما‭ ‬ألهمهم‭ ‬المولى‭ ‬تعالى‭..‬نظير‭ ‬الصحابة‭ ‬في‭ ‬بدر ‭‬  {وليربط‭ ‬على‭ ‬قلوبكم‭ ‬ويثبت‭ ‬به‭ ‬الأقدام} ‭  ‬ [سورة‭ ‬الأنفال] ‭ . ‬ورباط‭ ‬قلبي‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬لأم‭ ‬موسى‭ ‬عليهما‭ ‬السلام‭( ‬ {لولا‭ ‬أن‭ ‬ربطنا‭ ‬على‭ ‬قلبها} ‭ ‬ [سورة‭ ‬القصص] ‭ .‬

•‭ ‬ويكتمل‭ ‬الرباط‭ ‬الإيماني‭ ‬بسبب‭ ‬صدق‭ ‬أهله،‭ ‬وإيثارهم‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬اللهِ،‭ ‬ولهجهم‭ ‬بالذكر‭ ‬والتوحيد‭ . ‬وسئل‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد‭ ‬عن‭ ‬الصدق‭ ‬فقال‭ ‬  بهذا‭ ‬ارتفع‭ ‬القوم‭     .‬

•‭ ‬وانتهى‭ ‬رباط‭ ‬أهل‭ ‬الكهف‭ ‬بأن‭ ‬حماهم‭ ‬الله‭ ‬وجعلهم‭ ‬آية‭ ‬للعالمين‭ ‬  {ولبثوا‭ ‬في‭ ‬كهفهم‭ ‬ثلاث‭ ‬مائة‭ ‬سنين‭ ‬وازدادوا‭ ‬تسعا} ‭  ‬ [سورة‭ ‬الكهف] ‭ .‬

•‭ ‬وينحل‭ ‬الرباط‭ ‬بالمعاصي‭ ‬والتعلق‭ ‬بغير‭ ‬الله،‭ ‬والتطلع‭ ‬للدنيا‭ ‬وشهواتها‭ ‬ومبالغاتها‭ ‬الزائغة‭ ‬الزائفة‭  ( ‬ «ولكن‭ ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬تُفتح‭ ‬عليكم‭ ‬كما‭ ‬فُتحت‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬قبلكم»    

•‭ ‬ويزعزع‭ ‬الأعداء‭ ‬ثبات‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالدنيا‭ ‬والمناصب‭ ‬والأنوال‭ ‬والأموال‭ ‬وعند‭ ‬الترمذي‭ ‬وهو‭ ‬صحيح‭:( ‬  «لكل‭ ‬أمة‭ ‬فتنة‭ ‬وفتنة‭ ‬أمتي‭ ‬المال»  ‭ ‬

•‭ ‬رهط‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكهف‭ ‬الشباب‭ ‬ضربوا‭ ‬أروع‭ ‬الأمثال‭ ‬في‭ ‬الثبات‭ ‬والصبر،‭ ‬واختيار‭ ‬الباقية‭ ‬على‭ ‬العاجلة،‭ ‬والثواب‭ ‬على‭ ‬التباب‭( ‬  {ما‭ ‬عندكم‭ ‬ينفد‭ ‬وما‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬باق} ‭ )‬سورة‭ ‬النحل)‭ .‬

•‭ ‬وإذا‭ ‬تعجبت‭ ‬من‭ ‬ثبات‭ ‬الأعلام‭ ‬كابن‭ ‬حَنْبَل‭ ‬ومالك‭ ‬وابن‭ ‬تيمية‭ ‬والعز،‭ ‬فتذكر‭ ‬ما‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬قدم‭ ‬صدق‭ ‬في‭ ‬الأمة،‭ ‬ومحاسن‭ ‬باهرة‭ ‬كانت‭ ‬كالرباط‭ ‬الراسخ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬تلكم‭ ‬المحن‭  ‬ {ولينصرن‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬ينصره} ‭ ) ‬سورة‭ ‬الحج)‭ .‬

•‭ ‬وإنما‭ ‬يربط‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬أهل‭ ‬الإيمان‭ ‬الصادقين،‭ ‬الذين‭ ‬اعتقدوا‭ ‬فضحّوا،‭ ‬وابتُلوا‭ ‬فصبروا،‭ ‬وجاهدوا‭ ‬فما‭ ‬تقاعسوا‭ .‬

•‭ ‬ويشتد‭ ‬الرباط‭ ‬بالصدق‭ ‬والإخلاص‭ ‬وحسن‭ ‬التبتل‭ ‬والضراعة‭ ‬الدائمة‭ ‬للواحد‭ ‬الأحد‭ .‬

•‭ ‬والرباط‭ ‬عادةً،‭ ‬دائر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العقد‭ ‬والحل،‭ ‬والشدة‭ ‬والرخاوة،‭ ‬والحزم‭ ‬والضعف،‭ ‬فتشده‭ ‬الطاعات،‭ ‬وتوهنه‭ ‬المعاصي‭ ‬والخطيئات‭

•‭ ‬ولذلك‭ ‬يحتاج‭ ‬لدوام‭ ‬الرعاية‭ ‬الإيمانية،‭ ‬والتعاهد‭ ‬العبادي،‭ ‬والتجدد‭ ‬الروحاني‭  ‬  {قد‭ ‬أفلح‭ ‬من‭ ‬زَكَّاهَا} ‭ .‬

•‭ ‬وقيامهم‭ ‬الدعوي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ثباتهم‭ ‬والرباط‭ ‬المنال‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فالعلم‭ ‬العمل،‭ ‬والدعوة‭ ‬النشر،‭ ‬والتعلم‭ ‬التعليم،‭ ‬والتفهم‭ ‬البلاغ‭  ( ‬ {والذين‭ ‬اهتدوا‭ ‬زادهم‭ ‬هدى‭ ‬وآتاهم‭ ‬تقواهم} ‭ ) ‬سورة‭ ‬محمد)‭ .‬

•‭ ‬ولجمال‭ ‬هذا‭ ‬الرباط‭ ‬جعلهم‭ ‬يقدمون‭ ‬مرضاة‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ويؤثرونه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الملاذ‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬مبالين‭ ‬بزينة‭ ‬فاخرة،‭ ‬أو‭ ‬نفائس‭ ‬فاتنة‭ ‬   «وكذلك‭ ‬الإيمان‭ ‬إذا‭ ‬خالطت‭ ‬بشاشته‭ ‬القلوب» ‭  ‬كما‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬هرقل‭ ‬المشهور‭.‬

•‭ ‬ويتولد‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرضا‭ ‬وتلكم‭ ‬القناعة‭ ‬بصحة‭ ‬الطريق‭ ‬حب‭ ‬العمل‭ ‬والتضحية،‭ ‬وعدم‭ ‬الانجراف‭ ‬إلى‭ ‬مراتع‭ ‬الهوى‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬السحرة‭ ‬التائبون‭  ‬ {لن‭ ‬نؤثرك‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جاءنا‭ ‬من‭ ‬البينات‭ ‬والذي‭ ‬فطرنا‭ ‬فاقضِ‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬قاضٍ} ‭) ‬سورة‭ ‬طه)‭ .‬

•‭ ‬انحلال‭ ‬الرباط‭ ‬ويبوسة‭ ‬شعيراته‭ ‬وخيوطه‭ ‬راجع‭ ‬إلى‭ ‬سبل‭ ‬التقصير‭ ‬والهوان،‭ ‬والضعف‭ ‬في‭ ‬مجاهدة‭ ‬الهوى‭ .( ‬ {وجاهدوا‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬حق‭ ‬جهاده} ‭ )  ‬سورة‭ ‬الحج)‭ .‬

•‭ ‬ويمتلك‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬مؤهلات‭ ‬هذا‭ ‬الرباط‭ ‬فلا‭ ‬يستعملها‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬والنفع‭ ‬والبلاغ‭ ‬،‭ ‬فيطول‭ ‬عليها‭ ‬الأمد،‭ ‬وتصاب‭ ‬بالذبول‭ ‬والتلوث‭.‬

•‭ ‬وتمتحن‭ ‬أربطة‭ ‬اهل‭ ‬الإيمان‭ ‬بالدنيا‭ ‬ومفاتنها،‭ ‬والأزمات‭ ‬وشدائدها،‭ ‬والمناصب‭ ‬وابتزازاتها،‭ ‬والشهوات‭ ‬وغوائلها‭( ‬ «حُفت‭ ‬الجنة‭ ‬بالمكاره‭ ‬وحفت‭ ‬النار‭ ‬بالشهوات» ‭       .‬

•‭ ‬ويتراخى‭ ‬الرباط‭ ‬بالتوسع‭ ‬في‭ ‬المباحات‭ ‬وأصدقاء‭ ‬المرح‭ ‬الذين‭ ‬يثمرون‭ ‬الغفلة،‭ ‬ويجرون‭ ‬للقسوة‭ ‬والجفوة‭ ‬والله‭ ‬المستعان‭ .‬

•‭ ‬اللهم‭ ‬اربط‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ ‬وثبتنا‭ ‬على‭ ‬دينك‭ ‬حتى‭ ‬نلقاك،‭ ‬يا‭ ‬سميع‭ ‬الدعاء‭.... ‬

حمزة بن فايع الفتحي

رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير