مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به

منذ 2019-03-14

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)

{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا } :

وعد الله تعالى من حقق الإيمان وأخلص التوحيد ثم اتقى الله بفعل أوامره والانتهاء عن نواهيه أن ينعم عليه بكفلين من الأجر لا يعلم قدرهما إلا هو سبحانه وذلك فضل الله ورحمته بعباده المؤمنين يختص بها من يشاء وينعم ويتفضل, ومن فضله على عباده المؤمنين المتقين أنه يرزقهم النور والبصيرة التي يروا بها ما لا يراه غيرهم ممن انطمست بصائرهم, فيفرقون بين الحق والباطل والظلمات النور والظل والحرور, والله تعالى واسع الرحمة والمغفرة, إن أذنب العبد أو نسي ثم أسرع العودة تاب الله عليه وغفر ولو أتبع التوبة بالأعمال الصالحة بدل سيئاته حسنات, سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك.

وهذا الوعد وهذا الفضل فيه رد قاطع على أهل الكتاب الذين ادعوا أن فضل الله مقتصر عليهم وأن الجنة مغلقة على دائرتهم لا يدخلها سواهم, فأعلمهم سبحانه أنهم ليسوا على شيء وأن الفضل كله بيد الله يؤتيه من يشاء ويتفضل وينعم على من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} [الحديد]  

قال السعدي في تفسيره: 

وهذا الخطاب، يحتمل أنه لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه، ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي: نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين، ونصيب على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم، وهذا الظاهر، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين، ظاهره وباطنه، أصوله وفروعه، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم، أعطاهم الله { { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } } لا يعلم وصفهما وقدرهما إلا الله تعالى أجر على الإيمان، وأجر على التقوى، أو أجر على امتثال الأوامر، وأجر على اجتناب النواهي، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى.
{ {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} } أي: يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل، ويغفر لكم السيئات.
{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فلا يستكثر هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك.

{ {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } } أي: بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما، واتقى الله، وآمن برسوله، لأجل أن أهل الكتاب يكون لديهم علم بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله أي: لا يحجرون على الله بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة، فيقولون: { { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } } ويتمنون على الله الأماني الفاسدة، فأخبر الله تعالى أن المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المتقين لله، لهم كفلان من رحمته، ونور، ومغفرة، رغما على أنوف أهل الكتاب، وليعلموا { {أن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } } ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله، { {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} } الذي لا يقادر قدره.

#أبو_الهيثم 

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم
المقال التالي
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله