تطييب المساجد

منذ 2019-03-21

ولا شك في استحباب تطييب المساجد بالعود ونضحها بالطيب، لمكانتها وشرفها، وذلك مما يرغب العامة في الجلوس فيه، ويسبب محبة النفوس لها، ويزيدها جمالاً.

 

الحمد لله الملك المحمود، الرحيم المعبود، الموصوف بالكرم والجود، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن ربنا سبحانه لما كلّف عباده وأمرهم ونهاهم شرع لهم الاجتماع لأداء بعض العبادات، وخصَّ بعض الأماكن والبقاع بفضيلة وشرف تميزت بها، وفاقت سواها في مضاعفة الأجر والثواب فيها.

وقد خص الله هذه الأمة المحمدية بأن شرع لهم بناء المساجد، والسعي في عمارتها، والمسابقة إليها، وتخصيصها بأنواع من العبادة لا تصح في غيرها.

أيها الإخوة:

من الشعائر الواجبة علينا تجاه بيوت الله أن نصونها من الأوساخ والقاذورات، وأن نتعهدها بالحفظ والرعاية وأن نميط عنها ما يدنسها من أقذية وأدناس ولو يسيرة، وأن نبتعد عن الوسائل الذي تزيدها أذى، وأن نوصد كل باب يؤدي إلى عدم احترامها ويوحي بالاستخفاف بها وإهمالها.

ثبت في الصحيح أن الحبيب المصطفى معلمنا وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: « «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ» »1. ومما يستحب استحباباً متأكداً كنس المساجد وتنظيفها؛ فعن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها- قالت: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» )2. وعن سمرة بن جندب قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا»3. ورواه أبو داود ولفظه: « «كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا» ».4

وكان تعظيم المسجد بالخدمة مشروعاً في الأمم الماضية، ألا ترى أن الله حكى عن أم مريم أنها لما حبلت نذرت لله تعالى أن يكون ما في بطنها محرراً، يعنى عتيقاً يخدم المسجد الأقصى ولا يكون لأحد عليه سبيل؟ ولولا أن خدمة المساجد مما يتقرب به إلى الله لما نذرت به.

وساق البخاري -رحمه الله- حديثاً عن أبى هريرة -رضي الله عنه- «أَنَّ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ قال: "وَلَا أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً" فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَا» )5.

ففي هذا الحديث فضل تنظيف المسجد وإزالة ما يقع فيه من قمامة وقذى، لأنه يشوه المنظر، ويسبب النفرة من المسجد، بخلاف الموضع النظيف، فإن النفس تألفه وترغب إطالة البقاء فيه. ومن تنظيفه تطييبه بالبخور والروائح الطيبة، فقد روى أبو يعلى عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يجمر المسجد كل جمعة"6.

ولا شك في استحباب تطييب المساجد بالعود ونضحها بالطيب، لمكانتها وشرفها، وذلك مما يرغب العامة في الجلوس فيه، ويسبب محبة النفوس لها، ويزيدها جمالاً.

 قال ابن حجر: وبه يعلم أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور خلافاً لمالك حيث كرهه ، فقد كان عبد الله بن عمر يجمر المسجد إذا قعد عمر -رضي الله عنه- على المنبر ، واستحب بعض السلف بالزعفران والطيب ، ووري عنه -عليه الصلاة والسلام- فعله ، وقال الشعبي: هو سنة.

وأخرج ابن أبي شيبة: أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك"7.

وقد اعتيد في هذه الأزمنة جعل البسط والسجاد المريح في أغلب المساجد ، وتبخيرها بالعود والطيب خاصة في مواسم اجتماع الناس كيوم الجمعة وفي شهر رمضان عند صلاة العشاء والقيام بعد أن كانوا يصلون على الحصباء والأرض الصلبة والغبار، فوجدوا بذلك راحة وانبساطاً ومحبة للعبادة ورغبة فيها ، وهذا أمر حسن ينبغي الاهتمام به ، والحرص عليه.

كما ينبغي لكل مسلم ألا يدخل المسجد إلا وهو طيب الرائحة منظف نفسه وثيابه عن كل ما من شأنه يزكم نفوس المصلين ويؤذيهم ما ينبعث منه من روائح قذرة منتنة تصدر عمن أكل طعاماً له رائحة كالثوم والكراث والبصل، أو تنم عن عدم شعور المسلم وعدم مبالاته بما يقلق إخوانه المصلين مما يزعجهم ويذهب عنهم الخشوع والارتياح في الصلاة، أو ينتج عنه سب هذا الرجل والوقوع في عرضه لإهماله النظافة في ملبسه وبدنه مما قد يتولد عنه أمراض قد تكون مزمنة، كرائحة الدخان وما شابهه لأنه مضر لشاربه وشامه طبياً، ولا يعذر في هذا أحد يستطيع التخلص من الروائح المستكرهة حتى العامل الذي يمارس عملاً شاقاً يتقاطر منه العرق بكثرة يلزمه التنظف وإزالة ما يعلق بجسمه وثيابه من أدران وقاذورات، ولا سيما عند حضوره للصلاة في المسجد ينبغي أن يكون نزيها طاهراً، نقي الثياب، طيب الرائحة، حتى لا يتضايق منه المصلون ويتأذى منه الملائكة وسواء في ذلك من يصلي ويطوف في الحرم المكي أو يصلي في غيره من المساجد.

وفق الله الجميع إلى مرضاته ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين8.


1 رواه البخاري -214- (1/370).

2 رواه أبو داود -384- (2/41) والترمذي -542- (2/469) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم(594).

3 رواه أحمد -19324- (41/154) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (278).

4 رواه أبو داود -385- (2/42) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم(456).

5 رواه البخاري -440- (2/257)

6  قال الهيثمي: (وفيه عبد الله بن عمر العمري, وثقه أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به) . وقال ابن كثير : (إسناده حسن لا بأس به والله أعلم) انظر:  الثمر المستطاب لـ(محمد ناصر الدين الألباني) (1/586).

7 المرجع السابق.

8 المراجع: وظيفة المسجد في المجتمع، صالح بن ناصر الخزيم (ج 1 / ص 42), فصول ومسائل تتعلق بالمساجد، للشيخ الجبرين (1/19)(بتصرف).