تستطيع ولو كنت وحدك
لو انتظرت الدهرَ لن تبلغ ما أردت إلا بعزيمة صادقة ورغبة حقيقية في السير على درْب الهدى، ولو مُدَّت لك مئات الأيدي
كم سمعنا من يقول: أتمنى أن أتغيَّر، لكني لا أجد من يأخذ بيدي ويعينني على الطاعة، أو اخترت زوجي بمواصفات معينة؛ حتى يأخذ بيدي، وفوجئت بغير ما توقَّعت فسقطت في الطريق، وتظل النفس حائرةً هائمة تقرأ ولا تعمل، تعلَم ولا تُقدم، تتحسَّر ولا تستفيق من غفلتها.
إلى متى هذا الانتظار؟
لو انتظرت الدهرَ لن تبلغ ما أردت إلا بعزيمة صادقة ورغبة حقيقية في السير على درْب الهدى، ولو مُدَّت لك مئات الأيدي؛ لتنتشلك من بحر الغفلة والتسويف والفتور، وضَعف الهمة، فلن تنتشلك من غرقك إلا لو مددتَ يدك لها، فلا تخدَع نفسك، وتعلِّق آمالك على انتظار من يأتي لإنقاذك من الضياع.
كانت آسيا امرأة فرعون عند طاغية جبار في قصره، لا تجد من يعينها على طاعة، فثبتت وحدها، حتى بلغت أعلى منازل الجنة، وكان ابن نوح وأبو إبراهيم يعيشان مع نبيين من أولي العزم من الرسل في بيت واحد، فلم ينفعهما ذلك!
كم من فتى وفتاة التزموا رغم أنهم عاشوا في بيئة كانت تدفعهم دفعًا للمعاصي، يجدون حربًا شعواء من الأهل والأصحاب، عانوا ولكنهم ثبَتوا، وكم عاش منهم في بيئة من الصلاح، ولكنهم أعرضوا وتاهوا عن طريق الحق!
أنت مفتاح السر، ومالكُ زمام نفسِك تأخذ بها حيث أردتَ، فلا تجلس في مكانك مستسلمًا يائسًا، تتمنى أن تنتظم في صلاتك وتحافظ على وِردك، وتقوم ليلك وتصوم نهارك، وأن تحفظ القرآن، وتتعلم علمًا شرعيًّا وتثبت، تنتظر مَن يدفعك دفعًا لتحقيق ذلك، بانيًا آمالًا عريضة وأحلامًا ورديَّة، تقول في نفسك: لو جاء ذلك المنقذ ليرينَّ الله ما أصنع!
اجعَل من قلبك أنت جرس التنبيه لك من غفلتك، وكن أنت مَن ينقذ نفسك، وبادِر ولا تتأخر، ولا تسوِّف ولا تنتظر، وخُذ بالأسباب، فإن رزَقك الله مَن يعينك كان خيرًا وفلاحًا، ولكنه ليس الأساس.
واعلَم أنك ما فقدتَ العزم والعزيمة إلا حين مرِض قلبُك وضعُفتْ نفسُك، فإذا فقد القلب عزمه خارت قوى الجسد مهما كان قويًّا، وما تركتَ العمل إلا لكسلك؛ قال تعالى: ﴿ {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } ﴾ [التوبة: 46].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ» ))؛ [رواه مسلم].
وفتورك وغفلتك هما رأس البلاء، فاسلُك نهج نبيك حين يتمكَّن منك الفتور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( «إِن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فَتْرَة، فمن كانت شِرَّتُهُ إلى سنتي، فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد هلك» ))؛ [صححه الألباني في صحيح الجامع].
( «إن لكل شيء شِرَّةً» )؛ أي: حرصًا على الشيء ونشاطًا ورغبة في الخير أو الشر.
( «ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً» )؛ أي: وهنًا وضَعفًا وسكونًا.
ففترات الكسل والخمول هذه يجب أن تظل في حدود السنَّة، وألا تتجاوزها لفعل المنكرات، والإسراف على نفسه بفعل المعاصي، وإلا فقد تهلك مع الهالكين المسرفين.
واترُك عنك الأعذار فإنها مهلكة، كفاك انهزامًا وضياعًا وخداعًا لنفسك، انهض فما زلتَ تستطيع أن تتدارك ما فاتك ولو كنتَ وحدَك، تسلَّح بإيمانك بالله وصدق عزيمتك، وحُسن ظنك ودعائك، وتوكُّلك على الله وحده لا على أحد غيره، فهو خير مُعين لك؛ يقول تعالى: ﴿ {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ﴾ [آل عمران: 159].
وقال ابن قدامة: (وأشدُّ حاجة الرائض لنفسه: قوة العزم، فمتى كان مترددًا بَعُدَ فلاحُه، ومتى أحسَّ من نفسه ضَعْفَ العزم تصبَّر، فإذا انقضت عزيمتها عاقَبها لئلا تعاود؛ كما قال رجل لنفسه: تتكلمين فيما لا يعنيك؟! لأعاقبنك بصوم سنة)؛ [مختصر منهاج القاصدين].
فإن من صفات المؤمن القوي قوة العزم على الأمر، فاستعنْ بالله ولا تعجِز، وتأمَّل هذه الآية فكم تعطيك من قوة لتغيير نفسك: ﴿ { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ﴾ [العنكبوت: 69].
لكن لا تستعجل التغيير واصبِر، وتذكَّر هذه الكلمات التي قالها موسى لقومه: ﴿ {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ﴾ [الأعراف: 128].
هبة حلمي الجابري
خريجة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية
- التصنيف: