أربعون النصر والتمكين من كلام سيد المرسلين
فيه أن الدين غالب منتصر، وسيتمه الله، ولن تحول قوة دونه وتمكينه، وسيعم الأمن من خلاله، وما ذاك إلا لصدق مبادئه، وتوقير الناس له، وانشراحهم بأحكامه .
المقدمة
الحمد لله نصير المؤمنين، ولي المتقين، وقاهر المجرمين ، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وصاحب الحجة واليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فلما كانت هذه الأمة ممكّنة منصورة، وخيراتها مرفوعة مشهورة، -وقد تعاظم أمرها، واشتعل شأنها، وتوهج نجمها- ناسب جمع هذه الدلائل، ونشر تلكم الفضائل، لئلا يدب اليأس، أو يضوع الخمول، ونحن في فترة من عمرها بئيسة، جراء تفرقها ، وتباعدها عن دينها ومجدها...
ولا حفز لها أو مخرج، إلا بالجد وأخذ العدة، وشحذ الإيمان والهمة، متوكلة على ربها، قائمة بدينها، ساعية إلى سعادتها.
وكان من الفقه ديناً وحضارةً ودعوة نشر تلك الأدلة، وبسط براهين التمكين المؤذنة بالنصر والعاقبة الحسنة، لنزيل الوهن الضارب ، وندفع الذل الجاثم، فتحيا القلوب، وتشتد بيارق الأمل، وترفرف معالم العز والشرف، وأن هذه الأمة ستعود إلى سابق مجدها، مهما كان من معوقات، أو داهمت من رزايا ومزلزلات..! لأن أولى الخطوات على الطريق، تهذيب القلب وتغيير عقيدته من الانهزام إلى الظفر واستشعار الانتصار ، ولعل ذلك يكون بمراجعة النصوص النبوية، واستذكار الفصوص الذهبية، فاستخلصنا ( أربعين في النصر والتمكين) لتزيد من تمكين الأمل في قلوبنا، وترسيخ اليقين في نفوسنا، وأن النصر قادم، والمجد حاضر، والعاقبة للتقوى.
ويُستحسن تعليمها مَن ضعُف دينه، أو وهَنت استقامته، فاغتر بالمدنية الغربية، وشاهد من تطورها التكنولوجي، مما جعله يشك في الموعد، ويتردد في غلبة أهل الحق وتمكينهم .( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) سورة الروم.
مشينا فيها على طريقة المصنفين في الأربعينات، قاصدين فضل الجمع والحفظ المتظافر في النصوص الثابتة، وليس النص الضعيف المشهور.
وهي تأتي بمثابة الحصن الحصين، والملاذ الأمين، في زمن اتسعت فيه الغربة، وقلت الدعوة، وتراجع الناس في عقائدهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومثلها إذا امتُثلت وتدبرت كانت سائقاً نافعا للعمل، تصبغ القلب بيقينها، والجسد بحلواها، والعقل بحكمتها ودرسها، والله الموفق، نعم المولى ونعم النصير .
محايل عسير
١/ الحديث الأول: اتساع الإسلام:
عَنْ ثوبان قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « إِنَّ اللَّهَ زَوى- أي قرّب وصغر- لي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأحمر والأبيض» ..) رواه مسلم (٢٨٨٩).
في الحديث: بيان قدرة الله البالغة، وأن الإسلام غالب وسيملأ الآفاق، ويصل للشرق والغرب، وتناله الكنوز والخزائن، قال تعالى:( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) سورة التوبة والصف .
٢/ الحديث الثاني: دوام الطائفة الظاهرة:
عَنْ ثوبان رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» ). مسلم (١٩٢٠).
فيه فضل الطائفة المنصورة القائمة بأمر الله ودينه، ومقارعتها الباطل وأهله، وأن الله يقذف في قلوبهم من الايمان والصبر، ما يجعلهم لا يبالون بمخالف ولا متخاذل. وقد اختلف فيهم من هم؟ فقال الإمام البخاري رحمه الله : هم أهل العلم .
وذكر الكثير من العلماء أنهم : ( أهل الحديث )
وقال النووي رحمه الله : ( ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين : منهم شجعان مقاتلون ، ومنهم فـقـهـاء ، ومنهم محدّثون ، ومنهم زهّاد ، وآمرون بالمعروف وناهـون عن المنكر ومنهم أنواع أخرى من الخير )
وقال أيضا : ( يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ، ما بين
شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسّر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ) وكلامه سديد في غاية الجودة والوجاهة .
٣/ الحديث الثالث: أمان الأرض بالإسلام:
عن خباب رضي الله عنه في حديث شكواه لرسول الله، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ( «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وإلى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تستعجلون» ) . رواه البخاري (٣٦١٢).
فيه أن الدين غالب منتصر، وسيتمه الله، ولن تحول قوة دونه وتمكينه، وسيعم الأمن من خلاله، وما ذاك إلا لصدق مبادئه، وتوقير الناس له، وانشراحهم بأحكامه .
٤/ الحديث الرابع: بلوغ النور الإسلامي:
عَنْ تميم الداري رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مدر ولَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ). وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ : قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَفَ وَالْعِزَّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلَّ وَالصَّغَارَ وَالْجِزْيَةَ» . رواه أحمد( ١٦٩٥٧).
في الحديث بلوغ الإسلام مبالغ الليل والنهار وعمومه للكرة الأرضية، لأنه ما من بلد إلا وتغشاه هذه الآيات، ولو في شكل مساجد أو مدارس أو أفراد وجماعات، حتى يذعن الأكثر ويدركون أنه الحق، قال تعالى:( سنريهم آياتنا في الآفاق وفِي أنفسهم ) سورة فصلت. ومع وسائل الاتصال الحديثة دخل كل بيت بعيد طوعا أو كرها، ولله الحمد والمنة .
٥/ الحديث الخامس: الدين الممكّن:
عَنْ أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بالسَّناء والرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ» ) .رواه أحمد( ٢١٢٢٠ ).
في الحديث: تصريح أكيد بنصر هذه الأمة وتمكينها، وظهورها على أعدائها المختلفين، وأنها في محل عال من الرفعة والسناء الذي هو علو القدر والمكانة، وحسن العاقبة .
٦/ الحديث السادس: القوة الهجومية:
عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الْأَحْزَابَ عَنْهُ : ( «الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ» ) . البخاري( ٤١١٠ ).
فيه تحول المؤمنين المستضعفين من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، واندحار القوى المتحزبة، وامتنان الله على عبادة بالمغانم والفتوح، وأن العاقبة للمتقين، ولكنها لا تأتي دون عناء وجلد ومصابرة .( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم )سورة محمد .
٧/ الحديث السابع: يقين الخصوم :
عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث أبي سفيان مع هرقل وأسئلته العجيبة، قال :( سَأَلْتُكَ : كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سجال ودُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ ..
وفيه ( « إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أخلُصُ إلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ» ..)
وفيه قال أبو سفيان :( لَقَدْ أمِر-عظُم- أمرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ ).البخاري( ٧ )(٢٩٤١ ).
في الحديث معلَم ودليل على نبوته صلى الله عليه وسلم، وأن دعوته ظاهرة، ودينه منتصر، وتيقن الكبار والوجهاء بذلك، وخوفهم من تمكينه وغلبته، ولو بعد ابتلاء ومصابرة .
٨/ الحديث الثامن : رُعب الأعداء:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» ).البخاري ( ٣٣٥ ) ومسلم ( ٥٢١ ).
فيه قوة الدين وانتشاره، وخوف الأعداء من مواجهته، وأن الرعب يغتالهم قبل وصول رسول الله وأهل الإيمان، وسيكون ذلك في أمته ما استعصموا بدينه، وحافظوا على منهاجه .
٩/ الحديث التاسع: تسخير الريح لهم:
عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( « نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبور » ).
فيه تأييد الله لأوليائه بالمخلوقات والآيات كالريح، كما حصل وأن هزمت قوم عاد( بريحٍ صرصر عاتية ) وشُتت بها الأحزاب سنة خمس من الهجرة ( فأرسلنا عليهم ريحاً وجنودا لم تروها ) سورة الأحزاب . فكف الله شرهم، ورد كيدهم، قال تعالى:( ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما ) سورة الفتح . قال النووي رحمه الله : (نصرت بالصبا ) هي بفتح الصاد ومقصورة . وهي الريح الشرقية ، وأهلكت عاد بالدبور ، وهي بفتح الدال وهي الريح الغربية .
١٠/ الحديث العاشر: خلافة على منهاج النبوة:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ). رواه أحمد بسند حسن( ١٨٤٠٦ ).
فيه أن الأيام دول، وأن الأمة المنصورة مُبتلاة، تمحيصا وتهذيبا، وأن وعد الله لها بالخلافة والتمكين حق واقع، ولن يرث الله الأرض حتى يبلّغها مبلغها، ويعليها سؤددها .
١١/ الحديث الحادي عشر: مجدّد الزمان المئوي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها » ) رواه أبو داود ( ٤٢٩١ ). وصححه الأئمة .
فيه رسوخ الإسلام بالأعلام المجددين له ظاهرا وباطنا، فيُحيون ما اندرس، ويبعثون ما طُوي، ويبلغون رسالات الله، ويأمرون وينهون ، ويقيمون الشرائع، حتى تزولَ غربتُه، وتُمحى وحشته، والله المستعان .
١٢/ الحديث الثاني عشر: الغِراس المستديمة:
عن أبي عِنبةَ الخولاني رضي الله عنه، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته، إلى يوم القيامة» ) رواه ابن ماجة بسند حسن (٨).
فيه خلود هذا الدين، ودوام رسالته، وأن غراسه ثابتة، وينابيعه متدفقة، تتمثل في علماء عاملين، أو مجاهدين باذلين، أو مصلحين مضحين، أو دعاة مثابرين.
١٣/ الحديث الثالث عشر: الخزائن والبشائر :
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، قَالَ : وَعَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنَ الْخَنْدَقِ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، قَالَ : فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووَضَعَ ثَوْبَهُ، ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ - فَأَخَذ المِعول فقال : ( بِاسْمِ اللَّهِ ) . فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ". ثُمَّ قَالَ : " بِاسْمِ اللَّهِ ". وَضَرَبَ أُخْرَى، فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ". ثُمَّ قَالَ : " بِاسْمِ اللَّهِ ". وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا » ). أحمد ( ١٨٦٩٤ ).
فيه بيان ما سيؤول إليه حال المؤمنين المحاصرين في الأحزاب، وأن الله مظهر هذا الدين، وستصبح تلك الأمم الكبيرة منقادة لدين الله بأهلها وثرواتها ، واستحباب التبشير والتثبيت أيّام المحن والشدائد، ومشاركة القائد أصحابه العمل والمهام .
١٤/ الحديث الرابع عشر: اختراق الرومان :
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكْتُبُ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَىُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً ). يَعْنِى قُسْطَنْطِينِيَّةَ» . رواه أحمد ( ٦٦٤٥ ) وهو حديث صحيح .
فيه دليل على صدق نبوته فقد فتحت القسطنطينية في عهد العثمانيين سنة(857)هـ، ولها فتح ثان في آخر الزمان فقد صح حديث : ( فتح القسطنطينية مع قيام الساعة ) رواه الترمذي في السنن (٢٢٣٩) ، وصححه الألباني . ورومية عاصمة (إيطاليا، وفيها الفاتيكان) ستفتح نصاً مؤكدا، ووعدا مبرما، وكلها دلائل على اتساع رقعة الإسلام وهيمنته الوجودية .
١٥/ الحديث الخامس عشر: سقوط العظماء:
عَنْ أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( « إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ » ) . رواه البخاري( ٣٠٢٧ ). مسلم ( ٢٩١٨ ).
فيه إثبات هزيمة العظماء الأكابر ممن نابذوا الإسلام، وذهاب عروشهم وثرواتهم وصيرورتها غنيمة للمسلمين، وأن لا قوة تقف أمام جند الله الموحدين .
١٦/ الحديث السادس عشر: غنى الإسلام :
عَنْ أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( « بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي ). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنتثِلونها- أي تستخرجونها» -.رواه البخاري ( ٢٩٧٧ ) مسلم ( ٥٢٣ ).
فيه عظمة هذا الدين، وغناه بعد فقر أهله، وانتهاء تلك الخزائن إلى دولته، وقد حصل ذلك أيام الفتوحات، ولا يزال يحصل ما عزّت الأمة ، واستعصمت بمنهاج ربها تعالى .
١٧/ الحديث السابع عشر: تزايد الإسلام ونقصان الشرك:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( « ولا يزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جوراً، والذي نفسي بيده، لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبلغ هذا الدين مبلغَ هذا النجم» ).أخرجه الطبراني في الكبير (٨/١٤٥) .
فيه دليل توهج الإسلام وارتفاعه كالنجم، وانه يزداد قوة وانتشاراً وشموخا، ويقيّض الله له صنوف البشر والطاقات والآلات، بحيث تسود كلمته، ويشتد أمانه ورخاؤه .
١٨/ الحديث الثامن عشر: علو هذا الدين:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «الإسلام يعلو ولا يُعلى» ) أخرجه الدارقطني وغيره بسند حسن، واختُلف فيه رفعاً ووقفاً (٣/٢٥٢) .
فيه تأكيد للمعاني السابقة، وأن الإسلام يعلو معنى وحسا، وقدراً ومكانة، فلا يطاوله دين، ولا يزاحمه طريقة..! وما ذاك إلا لصدق مبادئه، وعظمة شرائعه، فهو كلمة الله في الأرض، ودينه المهيمن على كل الأديان والملل.
وعلوه يعني انتصاره وظهوره في كل المشاهد والمحافل، قال تعالى :( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) سورة آل عمران.
١٩/ الحديث التاسع عشر: فضل جزيرة العرب :
عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ : ( « لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» ). رواه أحمد ( ٢٦٣٥٢ ) مالك ( ٢٦٠٦ ) وهو صحيح .
فيه دليل على مكانة جزيرة العرب وأنها مركز الإسلام، ومهوى الأفئدة ، حيث الحرمان الشريفان، ومهبط الوحي وبزوغ النور والآيات ، والواجب حمايتها من كل مبدل وعابث، وحدودها كما قال في القاموس : ( وجزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولاً، ومن جدة إلى أطراف ريف العراق عرضاً ).
٢٠/ الحديث العشرون: حفظ الشام :
عن عبدالله بن حَوالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ، وَأَهْلِهِ » ) .رواه أحمد( ٢٠٣٥٦ ). وهو حديث صحيح.
فيه فضل بلاد الشام، وأنها تعظم أيام الفتن وفِي آخر الزمان، وأن الله يرعاها ويحفظها كما قال: ( {فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين} ) سورة يوسف .
٢١/ الحديث الواحد والعشرون : تأييدات خارجية عجيبة:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( «وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ). البخاري( ٣٠٦٠ ) ( ١١١ ) .
فيه دليل على تسخير كل الإمكانات لنصرة هذا الدين، بما في ذلك الكفار والجبابرة، فينصرون دين الله وهم لا يشعرون ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) سورة المدثر .
٢٢/ الحديث الثاني والعشرون: شروط النصر:
عن ابن عباس رضي الله عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» ) . الترمذي( ٢٥١٦ ) أحمد( ٢٨٠٣ ).
فيه بيان لشروط النصر، وأنه لا يُرتجى بلا صبر، ولا يُبتغى بلا احتمال، كما قال تعالى:( {فما وهنوا لنا أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} ) سورة آل عمران . وهذا الصبر يعني الثبات والاحتمال ومواصلة الطريق، والقيام بالدعوة، وتحمل كل صنوف الأذى والمتاعب، وفي التعريفات للجرجاني رحمه الله، الصبر هو (ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله، لا إلى الله) .
٢٣/الحديث الثالث والعشرون : هيبة المؤمنين:
عَنْ أنس رضي الله عنه قال: إن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بغلَس..
وفيه: قَالَ : ( «اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» ). قَالَهَا ثَلَاثًا . البخاري( ٣٧١ ) ( ١٣٦٥ ).
فيه بيان هيبة أهل الإيمان، وأن لهم سطوة في الحروب تأتي على عدوهم، ومشروعية الذكر والدعاء على العدو، وقد بانت هزيمتهم. قال النووي وحمه الله:( فيه دليل لاستحباب الذكر والتكبير عند الحرب ، وهو موافق لقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا } ولهذا قالها ثلاث مرات ، ويؤخذ منه أن الثلاث كثير ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( خربت خيبر ) فذكروا فيه وجهين : أحدهما : أنه دعاء تقديره : أسأل الله خرابها ، والثاني : أنه إخبار بخرابها على الكفار وفتحها للمسلمين ) .
٢٤/ الحديث الرابع والعشرون: فتوحات الله لهذه الأمة :
عن نافع بن عتبة رضي الله عنه قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ، فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ» ) . مسلم ( ٢٩٠٠ ).
فيه فتح الله لهذه الأمة وتوفيقهم في صولاتهم، وهزيمة الأمم المتفاخرة عدة وعتادا، وقد تم ذلك في الشام والعراق، ودُحرت أقوى امبراطوريتين ، وأن الدجال يُكسر على يد شباب هذه الأمة في آخر الزمان .
٢٥/ الحديث الخامس والعشرون: من علامات النصر :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ. فَقَالَ : إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ، فَقَالَ : أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ. قَالَ : مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ» .
رواه البخاري ( ٣٦٢٧ ).
فيه اكتمال نصر هذه الأمة، وأن وفاته عليه الصلاة والسلام إشارة الى تمام النعمة، وتوطيد الملة، واندحار المناوئين له ولرسالته ، فهو في أمان من الله وتمكين من حفظه وتأييده ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) سورة المجادلة .
٢٦/ الحديث السادس والعشرون : الدعاء بالنصر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو : ( «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ» ..). الترمذي ( ٣٥٥١ ).
فيه: أن الدعاء باستنزال النصر من دأب الأنبياء والصالحين، فلا يعتمد فقط على الأسلحة المادية والاستعداد البشري، بل ثمة أسباب إيمانية ومعنوية لابد من استنهاضها واستعمالها قال تعالى: ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) سورة آل عمران .
٢٧/ الحديث السابع والعشرون: الدعاء على المتحزبين، واستنزال النصر :
عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: قَالَ رسول الله صلوا لله عليه وسلم ( « أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ . ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» ). البخاري( ٢٩٦٦ ) ( ١٧٤٢ ).
فيه استحباب الدعاء على المحاربين، وأن الإسلام مقصود بالتحزب والاجتماع من الأعداء، واستعمال الصبر والدعاء والثبات في مواجهتهم ، والله مع الصابرين.
وقال العلماء: إنما قال منزل الكتاب إشارة إلى قوله تعالى: (( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويُخزِهم)) سورة التوبة . وبالكتاب تمت النعمة الأخروية وهي الإسلام وحيا به الناس.
وبقوله: مُجري السحاب، قدرته الظاهرة في تسخير السحاب وانتقاله من جهة إلى أخرى، وكأن في حركته إعانة للمجاهدين في قتالهم،،،! وقيل بل السحاب إشارة إلى النعمة الدنيوية وحفظ الأرزاق.
وهازم الأحزاب أراد بها تحقيق التوكل واعتقاد أن الله هو الواحد النصير والمنفرد بالفعل، والنصر منه وإليه تبارك وتعالى، وبه يحصل حفظ النعمتين.
٢٨/ الحديث الثامن والعشرون: الإلحاح في الدعاء:
عن عمر بن الخطاب رضي اله عنه قال : «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : ( اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ ". فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ» ،...) البخاري ( ٢٩١٥ ) مسلم ( ١٧٦٣ ).
فيه تأكيد وعد الله للمؤمنين بالنصر، والإلحاح في الدعاء، وأن النصر بيد الله، لا يملكه بشر ولا تدعيه قوة مهما كبرت وتعاظمت، والغياث وقت المعركة .
٢٩/ الحديث التاسع والعشرون: نزول المسيح مقررا للإسلام:
عن أبي هريرة اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ). ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }»
وفِي رواية: أَن أبا هريرة : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ» ).( ٣٥٥٨ ) ومسلم ( ١٥٥ ).
فيه إثبات نزول المسيح عليه السلام وأنه تواترت به الأحاديث، وهو شكل من التمكين لهذه الأمة، فينزل مقررا للإسلام ويرفض الجزية، وإمام المؤمنين منهم. ونقل الحافظ في الفتح عن بعضهم: قال: معنى قوله: " وإمامكم منكم " يعني: أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل. وقال ابن التين رحمه الله : معنى قوله: " وإمامكم منكم " أن الشريعة المحمدية متصلة إلى يوم القيامة، وأن في كل قرن طائفة من أهل العلم. وهذا والذي قبله لا يبين كون عيسى إذا نزل يكون إماما أو مأموما، وعلى تقدير أن يكون عيسى إماما، فمعناه أنه يصير معكم بالجماعة من هذه الأمة.
٣٠/ الحديث الثلاثون: العبادة في آخر الزمان:
عَنْ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ » ). البخاري( ١٥٩٣ ).
فيه دليل على بقاء المؤمنين، وأن الإسلام لا يهلك بعد هذه الفتنة، فهي مبشرة ببقاء طائفة مؤمنة، إلى أن يرثَ الله ومن عليها . ويأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من بني آدم موجودتان، بدليل الكتاب والسنة، قال الله تعالى ( {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا *. قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} ) سورة الكهف.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله يوم القيامة : «يا آدم، قم فابعث بعثَ النار من ذريتك - إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، فإن منكم واحداً، ومن يأجوج ومأجوج ألفاً» . أخرجاه في الصحيحين. وهم من أشراط الساعة، .
٣١/ الحديث الواحد والثلاثون: هزيمة اليهود والملحمة الكبرى:
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ, إِلَّا الغرقد فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» ).
البخاري ( ٢٩٢٦ ) ومسلم ( ٢٩٢٢ ) .
فيه إثبات الملحمة الكبرى بين المسلمين واليهود، وتأييد الله لنا بالجمادات، وأن هذه الأمة غالبة مهما عظم التآمر، واشتد العداء، وإنهم ليعرفون هذا الحديث ويؤمنون بمحتواه، حتى إنهم ليكثرون من زراعة (الغَرقد) - شجر معروف- تفاديا من الخطر القادم عليهم..!
٣٢/ الحديث الثاني والثلاثون: مَناعة هذا الدين وعزته :
عَنْ جابر بن سمرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزًا مَنِيعًا يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نوأهم علَيْهِ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ). ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً أصَمّنيها الناس فَقُلْتُ لأبي مَا قَالَ ؟ قَالَ : " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ » ). مسلم (1821) أحمد ( ٢٠٩٢٦ ) بسند صحيح.
فيه: استمرار عزة هذا الدين وبقائه مع خلفاء يجتمع عليهم الناس.
يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - : ( ويحتمل أن المراد مَن يعز الإسلام في زمنه ، ويجتمع المسلمون عليه ، كما جاء في سنن أبي داود : ( كلهم تجتمع عليه الأمة ).
٣٣/ الحديث الثالث والثلاثون: حفظ الله لبلاد الحرمين:
عن أنس رضي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( « لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نقابها نقبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» ) البخاري (١٨٨١)ومسلم(٢٩٤٣) .
في الحديث حفظ الله لدينه ولحرمه وللمؤمنين فيها، ونبذ المنافقين والكفار منها ، وأن الملائكة على أنقابها يحرسونها بحراسة الله وعنايته، وأن مكة والمدينة معصومتان من الفتن، وأن الإيمان يجتمع ويأرز إليها .
٣٤/ الحديث الرابع والعشرون: الأمن الإسلامي:
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( « فَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السرَقُ» ).رواه الترمذي (٢٩٥٣).
فيه بيان أن النصر والعطاء إنما يرتجى من الله، وحصول الأمان بتمدد الدعوة الإسلامية، حتى إن الظعائن -وهي المرأة على الهودج- ليسِرن بلا رعب ولا مخافة..!
٣٥/ الحديث الخامس والثلاثون: توسع الملك لهذه الأمة :
عَن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ» ) رواه أحمد بسند صحيح (٢١٧٣٣) .
فيه دليل على عظمة الإسلام واتساع دعوته وقيام حملته به، وأنه لا يخلو زمان من حملة أتقياء، ودعاة أشداء، يضحون له، ويؤذون بسببه، وفضل بلاد الشام وصلاح أهلها.
٣٥/ الحديث الخامس والثلاثون: جهاد البحر وسرور رسول الله :
عن أم حرام بنت مِلحان رضي الله عنها «أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام عندها، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَج-ظهره- هذا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ ". أَوْ " مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ". قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ : وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ : " أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ» ). البخاري( ٢٧٨٩) ومسلم( ١٩١٢).
فيه استمرار جهاد هذه الأمة ومخاطرتها بركوب البحر، وقد تحقق ما ذكره لأم سليم، وهو دليل على صحة نبوته وصدقه ، وانشراح النبي بذلك ، واتساع خيراتهم حتى يظهروا كأنهم الملوك ، قال النووي رحمه الله: ( والأصح أنه صفة لهم في الدنيا ، أي : يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم ، واستقامة أمرهم وكثرة عددهم ).
٣٦/ الحديث السادس والثلاثون: قيام الدين ودفاع أهله عنه:
عَنْ جابر بن سمرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ : ( « لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ). مسلم(١٩٢٢).
فيه دليل على استمرارية هذا الدين، وقيام طائفة جليلة به، تنشره وتذب عنه، محتملة كل صنوف الأذى، إلى أن يظهرها الله حتى قيام الساعة ، وهي الطائفة الناجية المنصورة.
٣٧/ الحديث السابع والثلاثون: ظهور أهل القوة والشوكة:
عَنْ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ).
مسلم( ١٩٢٥ ).
فيه دليل البقاء والتمكين الإسلامي ، وأنه مهما حلّ من ضعف، أو داهمت من ذلة وفرقة، فتبقى طائفة عزيزة، وفرقة منيعة، تقوم بالدِّين وهي ظاهرة منصورة، وهو وإن كان داخلا فيما سبق إلا إن ذكره بسبب ( أهل الغرب) واختلاف الشراح فيها فقيل العرب وقيل أهل الجلد أو الشام..!
قال النووي رحمه الله: ( قال علي بن المديني : المراد بأهل الغرب : العرب ، والمراد بالغرب الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالبا ، وقال آخرون : المراد به الغرب من الأرض ، وقال معاذ : هم بالشام ، وجاء في حديث آخر : " هم ببيت المقدس " ، وقيل : هم أهل الشام وما وراء ذلك ، قال القاضي : وقيل : المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلٍد ، وغرب كل شيء حدّه )اهـ. واختاره المعلّمي اليماني رحمه الله الجميع .
٣٨/ الحديث الثامن والثلاثون: أمة الإسلام خير الأمم :
عن بَهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : ( « إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّه» ) رواه الترمذي بسند حسن ( ٣٠٠١). وفِي رواية لأحمد: ( وجُعلت أمتي خير الأممِ ) (٧٦٣)
فيه بيان خيرية هذه الأمة وكرامتها على الله، ومن ثم يكون عزها وتمكينها في الأرض ، قال تعالى : ( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ) سورة آل عمران . وقال: ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) سورة العنكبوت .
قال بعضهم : إنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله عليه وسلامه ، فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله ، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله، ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه..!
ولما جعله الله فيهم من قوة الإيمان وروائع الخصال، والتصدي للفتن والأشراط الضخام، واستمرار الجهاد إصلاحاً ودعوة ومنافع كثيرة .
٣٩/ الحديث التاسع والثلاثون: كثرة الأتباع:
عَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ » ) رواه مسلم(١٩٦) .
فيه دليل على اتساع دعوته وغشيانها المعمورة، بحيث يكثر الأتباع، وتتغازر الأحباب ، وهو موحٍ بالنصرة والتمكين لدينه، وكثرة الطرق إليه، وما ذلك على الله بعزيز، والحديث علم من علامات النبوة، والواقع شاهد عليه، ولا يتم ذلك إلا بفعل الدعاة وجهادهم الفكري والأخلاقي قال تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله..)سورة فصلت .
٤٠/ الحديث الأربعون: اختصاصها بفضل الله:
عن عبد اللَّهُ بن عمر رضي الله عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( «إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قيراط قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قيراط، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قيراطين فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا : نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً. قَالَ : هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا ؟ قَالُوا : لَا. فَقَالَ : فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» ).
البخاري( ٢٢٦٩).
فيه فضل هذه الأمة واختصاصها بالله تعالى، وأن ربنا تعالى متفضلٌ بإحسانه على من يشاء من عباده، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ، قال بعض الشراح: في الحديث دليل على أن الثواب للأعمال ليس على قدر التعب ، ولا على جهة الاستحقاق، لأن العبد لا يستحق على مولاه لخدمته أجرة، بل المولى يعطيه من فضله ، وله أن يتفضل على من يشاء من العبيد على وجه المزيد ، فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
********
تمّت أربعون النصر والتمكين بحمد الله وتوفيقه، نسأل الله أن يمن علينا بحفظها ووعيها والتخلق بمعانيها، إنه جواد كريم .
حمزة بن فايع الفتحي
رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير
- التصنيف: