أهمية علو الهمّة في حياة المسلم - (7) البعد عن سفاسف الأمور ودناياها

منذ 2019-08-06

إن الإسلام - وهو الدين الشامل الخاتم - قد أبيح فيه الترويح والتنفيس، ولكن أن يُخطأ في تقدير هذا الترويح فيُجعل هو الأصل، فهذا من الدنايا التي تُنزه عنها الأديان وترتفع عنها همة الإنسان

صاحب الهمّة العالية لا يرضى لنفسه دنايا الأمور بل يطمح دائماً إلى ماهو أفضل وأحسن، فتجده يترفع عن مجالس اللغو وإضاعة الوقت، وينأى بنفسه عنها.
يقول الإمام ابن الجوزيّ متألماً من حال من يقطع يومه وليلته في سفاسف الأمور:
(قد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الزمان وتهيأوا للرحيل، فالله الله في مواسم العمر، والبدارَ البدارَ قبل الفوات، ونافسوا الزمان) .
ولما فرّ عبد الرحمن الداخل  - صقر قريش - من العباسين وتوجه تلقاء الأندلس أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال:
((إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن، وردّها على صاحبها).


ويروي الأستاذ عبد الستّار نوير قصة طريفة فيها عبرة فيقول:
(قرأت للأستاذ أحمد أمين طريفة معبرة، قال:
حُدثت أن جندياً ظريفاً رأى في مقهى رجلين يلعبان النرد، وكانت الساعة السابعة مساءً، فتقدم إليهما بكل أدب واحترام وحيّاهما ثُمّ سألهما:
-? من أي وقت بدأتما اللعب؟
- من الساعة الرابعة.
- وإلى متى؟
- إلى الثامنة أو التاسعة.
- وما عملكما؟
- مدرسان.
فانهال عليهما ضرباً ولكماً وقال: أما لكما عمل تعملانه، أو رياضة تقومان بها، أو خدمة اجتماعية تؤديانها؟.

ذكر الأستاذ القصة ثم قال معلقاً:
(ليت لنا مشرفين من هذا القبيل يعزرون من أضاع وقته على هذا النمط، إذا ما نجا من الضرب واللكم إلا القليل).


إن الإسلام - وهو الدين الشامل الخاتم - قد أبيح فيه الترويح والتنفيس، ولكن أن يُخطأ في تقدير هذا الترويح فيُجعل هو الأصل، فهذا من الدنايا التي تُنزه عنها الأديان وترتفع عنها همة الإنسان.



 

محمد بن موسى الشريف

دكتوراه في علوم القرآن الكريم ويعمل قائد طائرة في الخطوط الجوية السعودية سابقا

المقال السابق
(6) الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد
المقال التالي
(9) صاحب الهمّة العالية