إلى أحبتي في الشام

منذ 2011-08-04

أهكذا آل الحال في أوطاننا؟ أهكذا أصبح رجال الشام الذين طردوا فرنسا المعتدية الغاشمة؛ يقفون موقف المؤيد الصامت على جرائم الأسرة الحاكمة وزبانيتها في سورية؟



يا شام كبِّري وهلِّلي

وقَرِّي عيناً واسلمي


كم امتلأت المآقي بالدموع وهي ترى أهلنا في بلاد الشام وقد عقد الخوف ألسنتهم، وحل اليأس في قلوبهم، ورضوا بعيشٍ ذليلٍ تجبرَّ فيه الطواغيت، وتفرعَن فيه البعثيون يعيثون في الأرض فساداً؛ حتى إن أحدهم ما كان ليجرؤ على أن يقول: آمين. لدعوة صدرت من قلب مغترب مجروح هجر وطنه فراراً بدينه يدعو على الطغاة الظالمين. يا الله، كم كانت تلك الصور القاتمة تقطِّع نياط قلوبنا فتنهمر الدموع حرَّى من أعيننا!


أهكذا آل الحال في أوطاننا؟ أهكذا أصبح رجال الشام الذين طردوا فرنسا المعتدية الغاشمة؛ يقفون موقف المؤيد الصامت على جرائم الأسرة الحاكمة وزبانيتها في سورية؟

أهكذا يرضى الأحرار بأن يسمعوا هم وأهلوهم وأبناؤهم ألوان الكفريات في دوائر الحكومة من السَّقَطة الذين تحكَّموا في العباد، ونشروا في البلاد الفساد؟


أحقاً أصبح هَمُّ أفراد الشعب في سورية الحبيبة تأمينَ متع الحياة ولقمة العيش؛ ولو ممزوجة بالذل والمهانة؟

وتمر السنوات العجاف، والقلوب المؤمنة واجفة؛ قد ألقي في روعها أن الأمة على أرض الشام الطاهرة قد تخدرت؛ بل ماتت.

ونعيش حيرة ممزوجة بالألم: كيف السبيل إلى عودة الحياة إلى أمة الإسلام في أرض الشام الحبيبة؟

ويسطَع فجرٌ يملأ القلوب بفرح لم يقتله الألم... يا الله ما أروع أن تعود الحياة لأمة زعموا أنها ماتت!


اسمعي يا دنيا واشهدي أن أمة الإسلام في بلاد الشام لم تمت، ولن تموت؛ فها هي تسطِّر ما لم تسطِّره أمة في الإصرار على الثورة ضد الطغاة، ألا يلوح لكم من خلال ثورتها قصة أصحاب الأخدود، وهم يعلنون التوحيد لا تخيفهم ولا تردُّهم عن عقيدتهم النارُ ذاتُ الوقود؟

وكلما عُرِضَت صور الشهداء في درعا وحماة، وفي حمص واللاذقية والرستن وتلبيسة، وفي دمشق وإدلب والمعرة وجسر الشغور، وفي دير الزور والقامشلي، وفي سائر مدن الشام وقراها، يختلج في قلبيَ الفرح؛ ها قد عاد الإيمان حيّاً في القلوب، وها هم أبناء شعبي رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، يلبُّون نداء الإيمان، ويعلنونها ثورة على الطغيان؛ يتحدون ألوان القهر والعدوان، ثقة بالله وإقبالاً عليه.


الله الله، ما أروع هتافات أهل الحق وقد صغرت الدنيا في أعينهـم! لقـد تبينـوا حقـارتها، وأعلنـوا صـدقهم مـع اللـه؛ فهـم لا يريدون إلا نصرة الحق؛ لقد ثاروا لا للسـلطة، ولا للجـاه؛ بل من أجل مرضاة الله مهما كانت التضحيات. إنه هتاف يملأ عنان السماء يجعل القلب في طمأنينة؛ فالثورة لله، قائدها حب الله ومنهجها قوله : «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله»[1].

بوركتم يا سادة الشهداء، بوركتم يا أحبتي؛ يا من يعلو صوتكم بالهتاف: «على الجنة رايحين. شهداء بالملايين»، دموع الفرح تغلبني كلما رأيتكم تتدفق صدقاً وعزماً وتصميماً هتافاتُكم. كلما رأيت البَسَمات على وجوه شهدائكم. كلما سمعت كلمات تعيد لنا ذكرى الخنساء على لسان أمهاتكم: «يا ابني! يا إما النصر يا إما الشهادة».


استمروا أحبتي فإني ألمح في قلب الدياجير خيطَ فجري.

استمروا فإني أرى من لونه الوردي رايات نصري.

استمروا فقد صَحَتْ أمة الإسلام من كبت وذعرِ.

استمروا وغداً نرى بلاد الشام كتائبها تقود الجحافل إلى كل خير.


فها قد غسلتْ دموعُ فرحي

ما كان من أَلَمي

فيا شام كبِّري وهلِّلي

النصر آتٍ واعلمي

أن الإله تكفَّل بشآمنا

فقَرِّي عيناً واسلمي

 
 
المصدر: د. وفاء إبراهيم - مجلة البيان