فوائد من كتاب الكلام على مسألة السماع لابن القيم:2

منذ 2019-09-26

تجد وجه المطيع لله قد كُسي من الجمال والحسن والملاحة ما لم يُكسه وجهُ العاصي, فإن كان جميل الوجه ازداد جمالاً إلى جماله الخلقي, وأُلقيت عليه من المحبة والجلالة والحلاوة ما لم يُلق على غيره, وإن حُرِمَ جمال الوجه وحُسنه أُلبس من جمال الطاعة وبهجتها ونورها وحلاوتها أحسن مما فاته من الجمال الظاهر, وكلما كبر وطعن في السن ازداد حسناً وحلاوة وملاحة.


الصلاة قرة عين المحبين ولذة أرواح الموحدين

لا ريب أن الصلاة قرة عين المحبين ولذة أرواح الموحدين ومحكُّ أحوال الصادقين, وميزان أحوال السالكين, وهي رحمته المهداة إلى عبيده, هداهم إليها وعرفهم بها رحمة بهم وإكراماً لهم, لينالوا بها شرف كرامته والفوز بقربه, لا حاجة منه إليهم, بل منَّة منه وفضلاً منه عليهم, وتعبد بها القلب والجوارح جميعاً, وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما, وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه, وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه.

وجه المطيع يكسى جمالاً وحسناً وملاحةً

تجد وجه المطيع لله قد كُسي من الجمال والحسن والملاحة ما لم يُكسه وجهُ العاصي, فإن كان جميل الوجه ازداد جمالاً إلى جماله الخلقي, وأُلقيت عليه من المحبة والجلالة والحلاوة ما لم يُلق على غيره, وإن حُرِمَ جمال الوجه وحُسنه أُلبس من جمال الطاعة وبهجتها ونورها وحلاوتها أحسن مما فاته من الجمال الظاهر, وكلما كبر وطعن في السن ازداد حسناً وحلاوة وملاحة.

جميل الوجه إذا لم يصن جماله بطاعة الله فإنه كلما كبر ازداد وحشة وظلماً وقبحاً

وأما جميل الوجه إذا لم يصن جماله وحسنه, وبذله وتبذل به, فإنه كلما كبر وطعن في السن ازداد وحشةً وظلمة وقبحاً, وكلما ازداد من الفواحش والمعاصي ازداد حتى تكسف ظلمة المعصية شمس حسنه, وتخسف قمرها, ويعلو قبحها وسوادها الجمال الصوري, فتراه في السن لا يزاد إلا قبحاً ووحشةً ونفرةً عنده. 

أظهر..السمات على الوجوه سمة الصدق والكذب:

أظهر..السمات على الوجوه سمة الصدق والكذب, فإن الكذاب يُكسى وجهه من السواد بحسب كذبه, والصادق يُكسى وجهه من البياض بحسب صدقه.

 وهذا أمر محسوس لمن له قلب, فإن ما في القلب من النور والظلمة والخير والشر يسري كثيراً إلى الوجه والعين, وهما أعظم الأعضاء ارتباطاً بالقلب.

وتأمل قوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحنِ القول}  فهذا قسم محقق لا شرط فيه, وذلك أن ظهور ما في قلب الإنسان على لسانه أعظمُ من ظهوره على وجهه, لكنه يبدو بُدواً خفياً يراه الله, ثم يقوى حتى تصير صفةً في الوجه يراها أصحاب الفراسة, ثم يقوى حتى يظهر لجمهور الناس.

أقسام الناس في عبودية الجوارح:

في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخصُّه, وطاعة مطلوبة منها, خُلقت لأجلها وهُيئت لها. والناس بعد ذلك ثلاثة أقسام:

أحدها: من استعمل تلك الجوارح فيما خُلقت له وأٌريد منها, فهذا هو الذي تأجر الله بأربح التجارة, وباع نفسه لله بأربح البيع.

الثاني: من استعملها في لم تُخلق له, ولم يُخلق لها, فهذا هو الذي خاب سعيه وخسرت تجارته وفاته رضي ربه عنه وجزيلُ ثوابه وحصل على سخطه وأليم عقابه

الثالث: من عطل جوارحه وأماتها بالبطالة, فهذا أيضاً خاسر أعظم خسارة, فإن العبد خُلق للعبادة والطاعة لا للبطالة, وأبغض الخلق إلى الله البطال الذي لا في شغل الدنيا ولا في سعى الآخرة, فهذا كلّ على الدنيا والدين.

غالب القول يكُبُّ قائله في النار على منخره:

قال سبحانه:  { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر:18] فمدحهم باستماع القول واتباع أحسنه ومن المعلوم أن كثيراً من القول بل أكثره ليس فيه حسن فضلاً عن أن يكون أحسن, بل غالب القول يكُبُّ قائله في النار على منخره.....والأقوال التي ذمها الله في كتابه أكثر من أن تُعدَّ, كالكلام الخبيث, والقول الباطل, والقول عليه بما لا يعلم القائل, والكذب, والافتراء, والغيبة, والتنابز بالألقاب, والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول, وتبييت ما لا يرضى من القول, وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه, وقوله ما لا يفعله, وقول اللغو, وقول ما لم يُنزل به سلطاناً, والقول المتضمن للشفاعة السيئة, والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان, وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للرب تعالى, التي كلها قبيحة لا حسن فيها ولا أحسن.

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة استماع القرآن:

كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم, إذا اجتمعوا واشتاقوا إلى حادٍ يحدُو بهم ليطيب لهم السيرُ, ومُحركٍ يحرك قلوبهم إلى محبوبهم, أمروا واحداً منهم يقرأ والباقون يستمعون, فتطمئن قلوبهم, وتفيض عيونهم, يجدون من حلاوة الإيمان أضعاف ما يجده السماعاتيه من حلاوة السماع, وكان عمر بن الخطاب إذا جلس عنده أبو موسى يقول: يا أبا موسى ذكِّرنا ربنا, فيأخذ أبو موسى في القراءة, وتعمل تلك الأقوال في قلوب القوم عملها, وكان عثمان بن عفان يقول: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله. و إي والله! كيف تشبع من كلام محبوبهم وفيه نهاية مطلوبهم ؟ وكيف تشبع من القرآن وإنما فتحت به لا بالغناء والألحان ؟

إذا مرضنا تداوينا بذكـركم       فإن تركناه زاد السُّقم والمرضُ

غذاء القلوب بسماع القرآن:

السماع الشرعي..أصلح الأغذية وأطيبها وأنفعها...كما قال إمام أهل هذا السماع عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله" وفي صفة القرآن: " لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء " فهو قوت القلب وغذاؤه, ودواؤه من أسقامه وشفاؤه, وأما السماع الشعري الشيطاني فهو سُحت, وقلب تغذي بالسُّحت بعيد من الله, غير الله أولى به.

صوت القرآن وصوت الغناء:

صوت القرآن يُسكِّن النفوس ويُطمئنها ويُوقرها, وصوت الغناء يستفزها ويُزعجها ويُهيجها,...فتبارك من جعل كلامه شفاء لصدور المؤمنين, وحياةً لقلوبهم, ونوراً لبصائرهم, وغذاءً لقلوبهم, ودواءً لأسقامهم, وقرةً لعيونهم, وفتح به منهم أعيناً عُمياً, وآذاناً صُماً وقلوباً غلفاً,..فأشرقت به الوجوه, واستنارت به القلوب.

صوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله:

قال تعالى للشيطان:  {واستفزز من استطعت منهم بصوتك } [الإسراء:64] فالصوت الشيطاني يستفز بني آدم, وصوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله, نُسِبَ إلى الشيطان لأمره به ورضاه به, وإلا فليس هو الصوت نفسه, فصوت الغناء وصوت النوح وصوت المعازف...كلها من أصوات الشيطان, التي يستفز بها بني آدم فيستخفهم ويُزعجهم, ولهذا قال السلف في هذه الآية: " إنه الغناء"

الرقص سببه ركوب الشيطان على كتفي الراقص ودقّه برجليه على صدره

حركة الرقص...سببها استخفاف الشيطان لأحدهم, وركوبه على كتفيه, ودقُّه برجليه على صدره, وكلما دقّه برجليه ورقص على صدره رقص هو كرقص الشيطان عليه.       

             كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ