شرح صحيح البخاري - (34) الصبر على جفوة الشيخ والتماس العذر له
عندنا حسن القصد واللين، وعندنا الصبر على جفوة الشيخ، وعندنا أن توطئ أكنافك لرفيقك، فهذه ثلاثة آداب من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم.
أنت عندما تطلب العلم يجب أن تصبر على جفوة شيخك؛ لأنك أنت ربما تأتيه وهو مكدر الخاطر.
ذات مرة أتى إلي شخص وقال لي: انظر! أنا تركت مجلسك وصار لي سنتان، أظن أنه من حقي أن تعطيني من صبرك ومن وقتك.
قلت له: أنت تركتني منذ سنتين لكن غيرك لم يتركني، يعني أنا مشغول بصفة مستمرة، وأنت ممن انقطع.
فقد يكون الإنسان مكدر الخاطر، بالذات إذا كان رجلاً يحمل هم الدعوة، ونشر الدين، ومشاكل الناس؛ لأن مشاكل الناس تترك نكتة سوداء على القلب.
يعني تخيل مثلاً لما يأتيك أن شخصاً زنى بابنته! رجل متهتك، سافل، وآخر تزوج عشر نساء، هذا الذي زنى بابنته هرب واختفى، لا يعرفون أين هو، فكبرت البنت والتزمت، وتقدم لها خطاب كثيرون وكانت ترفض، وبعد رفضها لكل خاطب تنطلق في نوبة من البكاء، وكان أخوها أيضاً ملتزم وهو لا يعلم بما حصل، فسألها، لماذا ترفضين كل من يتقدم لخطبتك فلم تفصح عن السبب، وبعد حوالي سنة من هذه المسألة صارحت أخاها بما حصل لها وقالت: ماذا يقال عني لو أني قبلت أن أتزوج بهذا الإنسان؟ فيأتي هذا الأخ ويسأل: هل يجوز ترقيع غشاء البكارة؛ لكي ننقذ هذه البنت، ولا يساء الظن بها؟ فقيل له: لا، لا يجوز؛ لأنه إن صح أنك تريد أن تستر بنتاً، لكنك خدعت رجلاً يريد بكراً، وهما متقاسمان في الحقوق، لا يجوز لك لكي تنقذها أنك تأخذ حق الرجل المتقدم.
فأنت كداعية وعالم لما تعرض عليك مثل هذه المسائل يحصل عندك نوع من الاكتئاب، فعندما تكون مكتئباً ويرد عليك عشرات أمثال هذا، وهذا أكل حق هذا، وهذا كذا، مع مخططات أعدائنا الخارجية، كل هذا يجعل الإنسان مكتئباً أو شبه مكتئب، فأنت لما تأتي للشيخ وهو مكتئب، وأنت تظن أنه متفرغ لك؛ فصدك أو ردك، كان من الواجب عليك أن تعذره.
قبل أن أغادر هذه المسألة، أيضاً نذكر الفتوى في مسألة البنت هذه، فكان الجواب وقتها أني قلت: ممكن أن تكذب في طريقة إزالته، كأن تقول مثلاً: قفزت من على جدار، وهي تعمل ألعاب كذا، ممكن تأتي بشهادة على ذلك، صحيح أن هذا كذب، ولكنه أهون بكثير من أن ترقع غشاء البكارة؛ لأنه قلما تعرض هذه المسألة على إنسان فيستريح، سيرتاب دائماً.
فالقصد أن الإنسان قد يكون مهموماً، فأنت إذا جئت فرأيت جفوة من شيخك فينبغي عليك أن تصبر، إذا ردك مرة وثانية وثالثة ورابعة، فينبغي عليك أن تصبر أيضاً، ولا تعتقد أن الشيخ يقصد إذلالك، لا، يعني احمل فعله على الخير.
إذاً: عندنا حسن القصد واللين، وعندنا الصبر على جفوة الشيخ، وعندنا أن توطئ أكنافك لرفيقك، فهذه ثلاثة آداب من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم.
أبو إسحاق الحويني
أحد الدعاة المتميزين ومن علماء الحديث وقد طلب العلم على الشيخ الألباني رحمه الله
- التصنيف:
- المصدر: