نموذج مثير للغثيان
وإذا رأى ملتحيا ، أو منتقبة ، أو سائلا عن السنن ، أو مهتما بالهدي الظاهر ، انتفخت أوداجه ، وألقى خطبا عصماء ، مستنكرا الاهتمام بتلك الأمور التافهة ، وصارخا : أما آن لكم أن تفهموا الدين فهما صحيحا
نموذج مثير للغثيان ، وموجود بكثرة !!
لحيته محلوقة تماما ، وذقنه ليس بها شعرة واحدة ، وثيابه مسبلة ، ويده مزينة بخاتم ذهب ، وامرأته وبناته يخرجن بالضيق من الثياب واضعات المكياج ، ولا يحرص على صلاة الجماعة في المسجد ، ولا يهتم بالسنن معرفة ولا تطبيقا ، ولم يضبط مرة واحدة متلبسا بالدعوة لتطبيق الشريعة المغيبة ، ولا إنكار المظالم المتفشية .
وإذا رأى ملتحيا ، أو منتقبة ، أو سائلا عن السنن ، أو مهتما بالهدي الظاهر ، انتفخت أوداجه ، وألقى خطبا عصماء ، مستنكرا الاهتمام بتلك الأمور التافهة ، وصارخا : أما آن لكم أن تفهموا الدين فهما صحيحا ، دعكم من هذه الشكليات والمظهريات ، الدين الحقيقي أكبر من هذه الأمور الصغيرة التي تشغلون بها أنفسكم ، افهموا مقاصد الشريعة ، ودعكم من تلك العقليات الجامدة المتحجرة ، والفهم الحرفي الظاهري للدين ، والفقه البدوي ، وتعلموا الإسلام الوسطي الجميل والسهل ، البعيد عن التعقيد والتشدد ، وفرقوا بين سنن العادات وسنن العبادات ، واعلموا أن الحب الحقيقي للرسول ليس في إعفاء اللحية أو تقصير الثياب أو الأكل باليمين وإنما الدين معاملة وأخلاق وسلوك ، وقد صعد العالم القمر وأنتم مشغولون بهذه الأمور التافهة وتلك الشكليات التي لا تقدم ولا تؤخر ، الأمة تواجه تحديات عظيمة ولابد من الترفع عن تلك الصغائر وترسيخ قيم الحرية والإتقان والعمل ، وإعمال العقل والقضاء على الفقر والفساد ، وكل من يشغل الأمة بتلك الشكليات فهو جاهل أو أحمق !!أين ما قدمتموه من اختراعات أو أفدتم به العالم من مبتكرات !
وهذا الشخص نفسه إذا ما جاء شهر ربيع ، أو حلت ذكرى مولد من موالد الصوفية ، وجدته رجلا آخر ، ممسكا بمسبحته الطويلة ، ومغرما بترديد بردة البوصيري ، منتقلا من هذا المولد لذاك ، كثير التردد على مسجد الحسين والسيدة ، وأضرحة الأولياء ، وطائفا حولها بخشوع وحب، ومرددا الأوراد ، وآخذا العهد على الشيخ - الذي ربما لا يعرف من العلم شيئا وكل مؤهلاته أنه ابن الشيخ السابق - ، ولابسا الخرقة ، ومشاركا في الحضرة ، ومتطوحا ذات اليمين وذات الشمال ، ومستحضرا لكرامات الولي الخرافية ، وهائما مع كلام ابن عربي ، وابن الرومي ، وأشعار الحلاج ، وابن الفارض ،ورباعيات الخيام ، ومستمعا لتواشيح النقشبندي وطوبار وياسين التهامي .
وإن سألته : أين كلامك السابق عن الشكليات ، وأن الحب الحقيقي ليس بالمظاهر ، وأن الناس صعدوا القمر، وأنه لا يصح الانشغال بالسفاسف ، وو....... ؟؟
اتهمك بالجمود ، وجفاف المشاعر ، وجلافة الطبع ، وثقل الروح ، وعدم حب الرسول وأولياء الله الصالحين .
وفي الحقيقة لا أجد ما يقال لمثل هذا إلا :
( اتنيل على عينك واسكت )
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: