مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - لا أقسم بهذا البلد

منذ 2020-02-16

{لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)} [البلد]

{لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ} :

يقسم تعالى بمكة وعظيم شأنها ومكانتها عند الله , سواء وهي حرام أبد الدهر أم في تلك الساعة التي أحلها الله لنبيه صلى الله علي وسلم يوم فتح مكة وهذا من دلائل النبوة فالسورة مكية وفيها البشرى بالفتح وبعض أحداثه.

ثم يقسم تعالى بالوالد وما ولد وهو آدم عليه السلام وذريته.

أما المقسم عليه فهو أن الإنسان في كبد: خلقه الله فسواه فعدله ثم هو في احتبار دائم عليه أن يتخير فيه ما يرضي الله تعالى وإن تعثر فعليه أن يبادر بالتوبة , وسيظل ديدنه هكذا إلى أن يلقى الله عز وجل ويبدأ الجزاء الأخروي.

قال تعالى:

{لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)} [البلد]

قال ابن كثير في تفسيره:

هذا قسم من الله - عز وجل - بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالا ; لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها .

 {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } أي: آدم وذريته.

قال القرطبي :

السورة باتفاق مكية قبل الفتح . فروى منصور عن مجاهد : وأنت حل قال : ما صنعت فيه من شيء فأنت في حل . وكذا قال ابن عباس : أحل له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ، فقتل ابن خطل ومقيس بن صبابة وغيرهما . ولم يحل لأحد من الناس أن يقتل بها أحدا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى السدي قال : أنت في حل ممن قاتلك أن تقتله . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : أحلت له ساعة من نهار ، ثم أطبقت وحرمت إلى يوم القيامة ، وذلك يوم فتح مكة . وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، فلم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار " الحديث.

قال السعدي:

والمقسم عليه قوله: { {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } } يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم.
وإن لم يفعل، فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد.
ويحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وأقوم خلقة، مقدر على التصرف والأعمال الشديدة، ومع ذلك، [فإنه] لم يشكر الله على هذه النعمة [العظيمة]، بل بطر بالعافية وتجبر على خالقه، فحسب بجهله وظلمه أن هذه الحال ستدوم له، وأن سلطان تصرفه لا ينعزل.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

 

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
يا أيتها النفس المطمئنة
المقال التالي
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد