فائدة في الوقف والابتداء
فائدة حول الوقف على {الأدبار} من قوله – تعالى - : (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) " آل عمران 111".
فائدة: في الوقف والابتداء.
من مواضع الوقف المغفلة في كثير من المصاحف، مع أنها من الحسن والبهاء بمكان لفظا ومعنى: الوقف على {الأدبار} من قوله – تعالى - : (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) " آل عمران 111".
ذلك أن قوله – عز وجل - : {يُقَاتِلُوكُمْ} فعل الشرط مجزوم بـ "إن" الشرطية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة، وقوله: {يُوَلُّوكُم} جواب الشرط وجزاؤه، مجزوم، وعلامة جزمه – أيضا – حذف النون، و {الْأَدْبَار} مفعول به. وقوله: {ثم} حرف عطف، و{لا} حرف نفي، وقوله: {ينصرون} فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة.
فتبين أن قوله – تعالى -: {لا ينصرون} غير داخل في حيز الشرط، وأنه مستأنف؛ لغرض معنوي ستعرفه، وأن سياق الشرط والجزاء انتهى عند قوله: {الأدبار}، فينبغي الوقف عنده؛ والابتداء بقوله: {ثم لا ينصرون}؛ لإفادة ما تقدم من كون قوله: {ثم لا ينصرون} مستأنفا، غير داخل في جواب الشرط .
قال الزمخشري في الكشاف 1/ 430" : (فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله: (ثم لا ينصرون)، قلت: عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء، كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون.
فإن قلت: فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قلت: لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولية الأدبار. وحين رفع كان نفي النصر وعدا مطلقا، كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها، وأبشركم بها - بعد التولية - أنهم مخذولون، منتفٍ عنهم النصر والقوة، لا ينهضون بعدها بجناح، ولا يستقيم لهم أمر. وكان كما أخبر من حال بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع، ويهود خيبر ) أ.هـ رحمه الله.
وقال أبو حيان في البحر المحيط 3/ 32" ( {ثم لا ينصرون} : هذا استئنافُ إخبار أنّهم لا ينصرون أبداً. ولم يشرك في الجزاء فيجزم؛ لأنه ليس مرتباً على الشرط ، بل التولية مترتبة على المقاتلة. والنصر منفي عنهم أبداً، سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا؛ إذ منع النصر سببه الكفر ) أ.هـ رحمه الله.
ونص الأشموني في كتبه "منار الهدى، في بيان الوقف والابتدا" على أن الوقف على قوله: {الأدبار} "كاف" وعلل ذلك بقوله:
(لأنَّه مستأنف؛ لرفع الفعل بالنون التي هي علامة رفعه، فهو منقطع عما قبله؛ لأنَّ ما قبله مجزوم؛ لأنَّه ليس مترتباً على الشرط، بل التولية مترتبة على المقاتلة، فإذا وجد القتال وجدت التولية. والنصر منفى عنهم أبداً، سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا؛ لأنَّ مانع النصر هو الكفر، فإذا وجد الكفر منع صاحبه النصر). أ.هـ رحمه الله.
فتبين أن الوقف على {الأدبار}، والابتداء بقوله: {ثم لا ينصرون}؛ مراعاة لهذا المعنى البديع، من أرفع أنواع الوقف والابتداء.
والله - تعالى – أعلم.
أحمد بن محمد الحمزاوي
شيخ أصولي لغوي من بلاد المغرب العربي عمل لمدة 25 عاما في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ثم رجع إلى بلاد المغرب في عام 1440 من الهجرة.
- التصنيف:
- المصدر: