91 فائدة من كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لشيخ الإسلام-2

منذ 2020-09-22

صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم.

كتب / سالم محمد أحمد

  •  
  • صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم.
  • والشجاعة ليست هي قوة البدن، وقد يكون الرجل قويَّ البدن ضعيف القلب، وإنما هي قوة القلب وثباته، فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخبرته به، والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة، دون التهور الذي لا يفكر صاحبه، ولا يميز بين المحمود والمذموم.
  • الصبر صبران: صبر عند الغضب، وصبر عند المصيبة؛ كما قال الحسن: "ما تجرع عبدٌ جرعة أعظم من جرعة حِلْمٍ عند الغضب، وجرعة صبر عند المصيبة"؛ وذلك لأن أصل ذلك هو الصبر على المؤلم، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم.
  • المؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن، ولهذا يحمَّر الوجه عند الغضب؛ لثوران الدم عند استشعار القدرة، ويصفَّر عند الحزن؛ لغور الدم عند استشعار العجز.
  • الإنسان بين ما يحبه ويشتهيه، وبين ما يبغضه ويكرهه، فهو يطلب الأول بمحبته وشهوته، ويدفع الثاني ببغضه ونفرته، وإذا حصل الأول أو اندفع الثاني، أوجب له فرحًا وسرورًا، وإن حصل الثاني أو اندفع الأول، حصل له حزن، فهو محتاج عند المحبة والشهوة أن يصبر عن عدوانهما، وعند الغضب والنفرة أن يصبر عن عدوانهما، وعند الفرح أن يصبر عن عدوانه، وعند المصيبة أن يصبر عن الجزع منها.
  • والشعراء جرت عادتهم أن يمشوا مع الطبع؛ كما قال الله تعالى: ﴿ {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} ﴾ [الشعراء: 225، 226]؛ ولهذا أخبر أنهم يتبعهم الغاوون، والغاوي: هو الذي يتبع هواه بغير علم، وهذا هو الغي، وهو خلاف الرشد، كما أن الضال الذي لا يعلم مصلحته هو خلاف المهتدي؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} ﴾ [النجم: 1، 2].
  • الناس أربعة أصناف:
    • من يعمل لله بشجاعة وسماحة، فهؤلاء هم المؤمنون المستحقون للجنة.
    • ومن يعمل لغير الله بشجاعة وسماحة، فهذا ينتفع بذلك في الدنيا، وليس له في الآخرة من خلاق.
    • ومن يعمل لله لكن لا بشجاعة ولا سماحة، فهذا فيه من النفاق ونقص الإيمان بقدر ذلك.
    • ومن لا يعمل لله وليس فيه شجاعة ولا سماحة، فهذا ليس له دنيا ولا آخرة.
  • ولما كان في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يُعرَّض به المرء للفتنة - صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة؛ كما قال عن المنافقين: ﴿ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} ﴾ [التوبة: 49].
  • قال الله تعالى: ﴿ {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} ﴾ [التوبة: 49]؛ يقول: نفس إعراضه عن الجهاد الواجب، ونكوله عنه، وضعف إيمانه، ومرض قلبه الذي زين له ترك الجهاد - فتنةٌ عظيمة قد سقط فيها، فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته؟ والله يقول: ﴿ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّ} ه ﴾ [الأنفال: 39].
  • فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة، فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد.
  • قسم (من الناس) يأمرون وينهَون ويقاتلون؛ طلبًا لإزالة الفتنة التي زعموا، ويكون فعلهم ذلك أعظم فتنة؛ كالمقتتلين في الفتنة الواقعة بين الأمة، وأقوام ينكلون عن الأمر والنهي والقتال الذي يكون به الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا؛ لئلا يُفتَنوا، وهم قد سقطوا في الفتنة... وهذه حال كثير من المتدينين، يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين كله لله.
  • وإنما الواجب عليهم (المتدينون) القيام بالواجب وترك المحظور، وهما متلازمان، وإنما تركوا ذلك؛ لكون نفوسهم لا تطاوعهم إلا على فعلهما جميعًا أو تركهما جميعًا؛ مثل كثير ممن يحب الرئاسة أو المال وشهوات الغي، فإنه إذا فعل ما وُجب عليه من أمر ونهي وجهاد وإمارة ذلك، فلا بد أن يفعل شيئًا من المحظورات.
  • كل بشر على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي، ولا بد أن يأمر وينهى، حتى لو أنه وحده، لكان يأمر نفسه وينهاها؛ إما بمعروف، وإما بمنكر؛ كما قال تعالى: ﴿ {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} ﴾ [يوسف: 53].
  • وإذا كان الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم، فمَن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينهى عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، ويُؤمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، ويُنهى عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وإلا فلا بد أن يأمر وينهى، ويُؤمر ويُنهى، إما بما يضاد ذلك، وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزل الله بالباطل الذي لم ينزله الله، وإذا اتخذ ذلك دينًا، كان دينًا مبتدعًا.
  • كل بشر فإنه متحرك بإرادته همام حارث، فمن لم تكن نيته صالحة، وعمله عملًا صالحًا لوجه الله، وإلا كان عملًا فاسدًا أو لغير وجه الله، وهو الباطل؛ كما قال تعالى: ﴿ { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } ﴾ [الليل: 4].
  • أولو الأمر صنفين: العلماء، والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس.
  • وكل من كان متبوعًا، فإنه من أولي الأمر، وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به، وينهى عما نهى عنه، وعلى كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه في طاعة الله، ولا يطيعه في معصية الله؛ كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تولى أمر المسلمين وخطبهم، فقال في خطبته: "أيها الناس، القوي فيكم الضعيف عندي، حتى آخذَ منه الحق، والضعيف فيكم القوي عندي، حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعتُ الله، فإذا عصيتُ الله، فلا طاعة لي عليكم".
  • جميع الحسنات لا بد فيها من شيئين: أن يُرادَ بها وجه الله، وأن تكون موافقة للشريعة.
  • فإن هؤلاء الثلاثة (أول ثلاثة تسجر بهم جهنم) الذين يريدون الرياء والسمعة هم بإزاء الثلاثة الذين بعد النبيين من الصديقين والشهداء والصالحين، فإن من تعلَّم العلم الذي بعث الله به رسله وعلمه لوجه الله، كان صِدِّيقًا، ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وقُتل، كان شهيدًا، ومن تصدق يبتغي بذلك وجه الله، كان صالحًا.
  • العبادات التي يتعبد العباد بها، إذا كانت مما شرعه الله وأمر الله به ورسوله، كانت حقًّا صوابًا، موافقًا لما بعث الله به رسله، وما لم يكن كذلك من القسمين، كان من الباطل والبدع المضلة والجهل، وإن كان يسميه مَن يسميه علومًا ومعقولاتٍ، وعبادات ومجاهدات، وأذواقًا ومقامات.
  • تحتاج العبادة أن يُقصَدَ بها وجه الله، فإذا قيل ذلك (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لاتباع الهوى والحمية، أو لإظهار العلم والفضيلة، أو لطلب السمعة والرياء - كان بمنزلة المقاتل شجاعة وحمية ورياء.
  • الأقسام الثلاثة: المأمور، والمحظور، والمشتمل على الأمرين قد يكون لصاحبه نية حسنة، وقد يكون متبعًا لهواه، وقد يجتمع له هذا وهذا.
  • وخَلْطُ عمل صالح وآخر سيئ، والسيئ من ذلك قد يكون صاحبه مخطئًا أو ناسيًا مغفورًا له كالمجتهد المخطئ الذي له أجر، وخطؤه مغفورٌ له، وقد يكون صغيرًا مكفَّرًا باجتناب الكبائر، وقد يكون مغفورًا بتوبة أو بحسنات تمحو السيئات، أو مكفَّرًا بمصائب الدنيا ونحو ذلك.
  • الإسلام يجمع معنيين: أحدهما: الاستسلام والانقياد، فلا يكون متكبرًا، والثاني: الإخلاص... فلا يكون مشركًا؛ وهو: أن يسلم العبد لله رب العالمين... قال تعالى: ﴿ {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ﴾ [البقرة: 131].
  • وهذان الوصفان - وهما إسلام الوجه لله، والإحسان - هما الأصلان المتقدمان؛ وهما: كون العمل خالصًا لله، صوابًا موافقًا للسنة والشريعة، وذلك أن إسلام الوجه لله هو متضمن للقصد والنية لله.
  • فإذا توجه قلبه (العبد) إلى شيء، تبِعَهُ وجهه الظاهر، فإذا كان العبد قصده ومراده وتوجهه إلى الله، فهذا صلاح إرادته وقصده، فإذا كان مع ذلك محسنًا، فقد اجتمع أن يكون عمله صالحًا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا.
  • وقد روى ابن شاهين واللالكائي عن سعيد بن جبير، قال: "لا يُقبَلُ قول وعمل إلا بنية، ولا يُقبَل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة".
  • مجرد تصديق القلب واللسان مع البغض والاستكبار لا يكون إيمانًا - باتفاق المؤمنين - حتى يقترن بالتصديق عملٌ.
  • وأصل العمل عمل القلب، وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار.
  • القول والعمل والنية الذي لا يكون مسنونًا مشروعًا قد أمر الله به - يكون بدعة ليس مما يحبه الله، فلا يقبله الله، ولا يصلح؛ مثل: أعمال المشركين، وأهل الكتاب.
  • لفظ "السنة" في كلام السلف يتناول السنة في العبادات، وفي الاعتقادات، وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات؛ وهذا كقول ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي الدرداء رضي الله عنهم: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة".

والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد، وآله الطاهرين وأصحابه أجمعين.

 

سالم محمد أحمد