الصدق صفة المؤمن
وبدون الصدق نحن علي خطر عظيم إذا كنا نكذب في بيعنا وشراءنا إذا كنا نكذب علي آبائنا وأمهاتنا إذا كنا نكذب ونستحل الكذب لنأكل أموال الناس بالباطل فنحن علي خطر عظيم
ورد في صحيح الجامع من حديث عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « «اضْمَنُوا لِى سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» »
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل أسبوع من يومنا هذا كنا نتحدث عن أنه ما خلا نبي من الأنبياء من مكارم الأخلاق فالأنبياء أمناء الأنبياء حكماء الأنبياء رحماء الأنبياء رؤفاء ..
ما خلا نبي من مكارم الأخلاق لأنه قدوة ما خلا رسول من الفضائل والمعالي لأنه معلم ومربي ولأن النبي في قومه قدوة وفي أمته أسوة..
وفي سورة الأنعام ذكر طويل لعدد كبير من الأنبياء والرسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسي وهارون وزكريا ويحي وعيسي وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا ..
وصف أولئك الرسل في سورة الأنعام ببعض صفاتهم .. وصفوا بالصلاح وصفوا بالإحسان ووصفوا بأنهم أهل للخيرات أجمعها...
ثم قال الله لرسوله وللذين آمنوا معه:
( {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} )
لملم الأنبياء خصال الخير كلها:
فلم يتركوا منها شاردة ولا واردة نظروا في الفضائل فجمعوها ولم يفرطوا فيها فكان لهم عليهم صلوات الله وسلامه باع في كل خصلة من خصال الخير..
فإذا ذكر الشكر ذكروا وإذا ذكر الصبر حضروا وإذا ذكر الإخلاص كانوا وإذا كان الحلم سادوا وإذا ذكرت الشجاعة قادوا وإذا ذكر الصدق والعفاف والأدب والتواضع والحلم فهم أهل لكل المحامد وهم أصل لكل المكارم ذلك أنهم عليهم صلوات الله عليهم وسلامه قدوة ذلك أنهم عليهم صلوات الله عليهم وسلامه أسوة
{( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) } وإذا كان من سنة الله تعالي في خلقه:
أن يفضل بعضهم علي بعض فإن الصدق في القول والعمل والصدق في السرائر والنوايا يأتي كأول ما اتصف به الأنبياء والرسل..
{(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) }
{(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا)}
{(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) }
وفي شأن يوسف عليه السلام قالت امرأة العزيز{الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ }
إذا كان هذا ما قيل عن الخليل وعن إسماعيل وعن إدريس وعن يوسف فماذا عن محمد صلي الله عليه وسلم ؟!
قالت قريش عن النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم ما جرَّبنا عليكَ إلا صِدقا..
وسأل الأخنس بن شريق أبا جهل فقال يا أبا الحكم ! نحن لوحدنا لا أحد يسمعنا، أستحلفك بالله: أمحمد صادق أم كاذب؟ و أبي جهل في ذلك الوقت هو أشد أعداء النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال أبو جهل للأخنس بن شريف : ويحك يا أخنس ! والله إن محمداً لصادق لكنها الدنيا يعني يمنعنا من الإيمان به الدنيا والكبر والرئاسة والزعامة..
فنزل قول الله جل وعلا { {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } }
هذا الذي سمعتموه أيها المؤمنون ما معناه ؟؟
معناه أن علاقة قوية بين الصدق وبين الإيمان بالله عز وجل , ومعناه أن صلة وثيقة بين الصدق وبين العمل الصالح .. فالصدق أمان الصدق سلام الصدق راحة للنفس وانشراح للصدر الصدق طمأنينة وهو في البيع والشراء بركة بالصدق تصان الحقوق وبه تحفظ العهود وبه تراعي مصالح العباد
الخير كل الخير أن تكون صادقا..
مع الصدق أن في الدنيا سعيدا ومع الصدق أنت في الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم:
{(مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ) } قال النبي عليه الصلاة والسلام « « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وأَنَا زَعِيمٌ َبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وأَنَا زَعِيمٌ َبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ» »
قبل غزوة أحد بأيام:
عزم عبد الله بن عمرو بن الجموح علي الخروج مجاهدا في سبيل الله تعالي وكان رجلا معاقا قد عذره الله بصريح الآية ( {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } )
لكنه رضي الله عنه أصر علي الخروج في سبيل الله .. أما أولاده فقالوا يا أبانا أما نحن فمع رسول الله نجاهد أما أنت فقد عذرك الله فلا تخرج ..
فلما رأي عزمهم أن يمنعوه من الخروج في سبيل الله شكاهم إلي النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول إني أرجوا أن أقاتل في سبيل الله ولعل الله أن يرزقني الشهادة في سبيله فأطأ بعرجتي هذه في الجنة ..
فلما رأي رسول الله صدقه وهمته قال لهم دعوه يخرج ولعل الله أن يرزقه الشهادة وبالفعل ما أن بدأت المعركة والتقي الجمعان حتي سقط شهيدا قد حقق الله له ما كان يأمل ..
هذا ما كان من شيوخ الأنصار يوم أحد...
أما شباب الأنصار:
فلم يكونوا أقل صدقا من شيوخهم إنه حنظلة .. وما حنظلة؟؟
إنه حنظلة بن عامر الراهب صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل غزوة أحد بأيام كان حنظلة قد عقد علي جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ولم تكن منافقة كأبيها وإنما كانت من الصحابيات الصادقات ما أن زفت إلي حنظلة إلي ورأت فيما يري النائم أن السماء فتحت ثم دخل فيها زوجها حنظلة فلما دخل أطبقت عليه ..
فأولتها لنفسها أن حنظلة سيخرج إلي أحد ولن يرجع سيقتل شهيدا مع من ينال الشهادة من أصحاب النبي محمد صلي الله عليه وسلم فلما رأت ذلك أصرت أن يدخل عليها زوجها فدخل بها ثم خرجت فأشهدت ناسا من قومها أنه دخل بها ثم أخبرتهم بخبر رؤياها وبينما هم علي هذا الحال إذا بالمنادي ينادي أن اخرجوا مجاهدين مع النبي عليه الصلاة والسلام
فلملم حنظلة متاعه ولحق بالناس مع النبي عليه الصلاة والسلام فلما تراء الجمعان ووضعت الحرب أوزارها ذهب النبي يتفقد أحوال أصحابه فإذا منهم المجروح ومنهم المكلوم ومنهم المقتول وإذا بين القتلي حنظلة .. نظر النبي إليه فإذا روحه قد فاضت وإذا رأسه يقطر ماء !!
من أين جاءه الماء ؟ ..
هذا ماء من السماء نزلت به الملائكة فغسلت به حنظلة ذلك أنه خرج إلي الجهاد مع رسول الله وهو علي جنابة فلما رأي النبي عليه الصلاة والسلام رأس حنظلة يقطر ماء قال ( « إن صاحبكم غسلته الملائكة » )
في يوم أحد كان حنظلة بطلا وكان عبدالله بن عمرو مقداما وكان مصعب بن عمير شجاعا وكان سعد بن الربيع رجلا وكان أنس بن النضر مغوارا .. تم بهم للمسلمين سبعين شهيدا ..
الله سبحانه وتعالي لما امتدح صنيع هؤلاء الشجعان ولما وصفهم وصفهم بالصادقين ( {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} )
وهنا سؤال لماذا وصف الله أبطال أحد بالصدق ولم يوصفوا بالبطولة رغم أنهم أبطال ولم يوصفوا بالشجاعة رغم أنهم شجعان لماذا وصفوا بالصدق ؟؟
لأن الصدق هو عمدة الأخلاق لأن الصدق هو أصل المحامد لأن الصدق هو رأس المكارم لأن الصدق هو غذاء الإسلام وحياة الإيمان
ومن هذا نفهم أن أفضل وأميز ما نتصف به كمسلمين صدقنا .. فالمسلم صادق لا يكذب أبدا حتي قال بعض السلف لو نزل من السماء أن الكذب حلال ما كذبت ..
لماذ ؟؟
لأن المؤمن لم يطبع علي الكذب والفطرة السليمة السوية تتأفف من الكذب . لو نزل من السماء أن الكذب حلال ما كذبت . فأفضل وأميز ما نتصف به كمسلمين صدقنا .. صدقنا في كلامنا فالمؤمن صدوق اللسان لا يقول إلا خيرا وصدق لسان المؤمن دليل إيمانه , أفضل وأميز ما نتصف به كمسلمين صدقنا ..
صدقنا في كلامنا وفي أفعالنا وفي نوايانا , وبدون الصدق نحن علي خطر عظيم إذا كنا نكذب في بيعنا وشراءنا إذا كنا نكذب علي آبائنا وأمهاتنا إذا كنا نكذب ونستحل الكذب لنأكل أموال الناس بالباطل فنحن علي خطر عظيم:
فالإيمان والصدق أخوان شقيقان كما النفاق والكذب أخوان شقيقان قال النبي عليه الصلاة والسلام « «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا » » نسأل الله تعالي أن يعصم قلوبنا من النفاق وأن يعصم أعيننا من الخيانة وأن يعصم ألسنتنا من الكذب .
الخطبة الثانية
إذا كنا في يومنا هذا نتحدث عن الصدق وعن الصادقين من المؤمنين ومن الأنبياء ومن المرسلين فإن في الحديث عن صدق الأنبياء إشكال .. إشكال قد يلتبس فهمه علي بعض الناس ..
تري ما هذا الإشكال ؟؟
منا من قرأ ومنا من سمع أن سيدنا ابراهيم عليه السلام كذب ثلاث مرات حتي أن من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ما يقول:
« «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ قَطُّ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ فِى ذَاتِ اللَّهِ قَوْلُهُ إِنِّى سَقِيمٌ وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَوَاحِدَةٌ فِى شَأْنِ سَارَةَ » )
هذا الحديث في فهمه إشكال فظاهر الحديث يقول إن ابراهيم كذب بدل المرة ثلاث مرات ..
وساحة الأنبياء بريئة من الكذب وإذا كان المؤمن لا يكذب ولا يطبع علي كذب فما بالنا بنبي وليس ابراهيم أي نبي إنه أبو الأنبياء إنه الخليل إنه أمة .. أمة الفضائل أمة المكارم أمة الأخلاق فكيف يكذب ؟!
وإذا كان الخليل لا يكذب وحاشاه أن يكذب فكيف نوفق بين هذا وبين حديث رسول الله
« «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ قَطُّ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ » في التوفيق بينهما ورد أن ابراهيم كان كلامه صادقا وقول النبي ( كذب ابراهيم )
معناه أن ابراهيم قال قولا في ظاهره يشبه الكذب وليس كذبا حقيقيا وإنما هو من المعاريض والمعاريض لا تذم وقد لجأ إليها ابراهيم حتي لا يكذب..
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام " إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ " والمعني أن يقول الإنسان كلاما له أكثر من معني خير له من أن يكذب وبصورة أوضح أن تقول كلاما تقصد به معني والمتلقي يفهم معني آخر وهذا خير من الكذب وقد لجأ إلي المعاريض أبو بكر في طريق الهجرة وأقره النبي عليها , إذ كان أبو بكر تاجر يعرف ومحمد صلي الله عليه وسلم لا يعرف فكلما قيل له من هذا الذي بين يديك يا أبا بكر فكان يقول هو هاد يهديني فيفهم الناس أنه يهديه الطريق ويقصد أبو بكر أنه هاد يهديه إلي الله ,,
وهكذا الخليل قال فعله كبيرهم هذا قالها سخرية منهم وإقامة للحجة عليهم ولما قال إني سقيم قالها لأنه كان مهموما مغموما بسبب كفرهم وضلالهم ولما قال عن سارة هي أختي قصد أخته في الإيمان .
فلم يكذب ابراهيم لأنه رسول الله ولم يكذب أبو بكر ولم يكذب رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم وما جرب الناس عليه كذبا قط .
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: