الشخصية في ميزان القوة والضعف
قد نرى بعض مدعي قوة النفوذ أو المنصب من هؤلاء، وهم أذل ما يكونون مع من هو أرفع منهم منصبا وأقوى نفوذا! وقد نجدهم أضعف ما يكونون مع امرأة لعوب تسوق أحدهم كما يسوق الراعي الشياه
من المفاهيم التي يسيء كثير من الناس فهمها: قوة أو ضعف الشخصية! فيرون أن قوي الشخصية هو ذلك الذي يتسلط على غيره، أو يُخشى جانبه. فتراهم يجتنبون ويخافون المتسلط أو الظالم أو بذيء اللسان. بل يكون احترام هؤلاء لهذا الساقط على قدر سقوطه وفحشه وبذاءته! فيجمع هؤلاء جبنهم إلى ضعف رأيهم!
إن لقوة الشخصية أو ضعفها مقومات تخالف ما درجت عليه أفهام هؤلاء. فليس قوي الشخصية هو الذي يقهر غيره ويخيفه، حتى إذا بدا خوف ذلك الغير، شعر ذلك الواهم أنه قد نال ما يهفو إليه من احترام، ورضي عن أناه.
قوة الشخصية هي احترامك لذاتك.. هي مثابرتك.. هي مروءتك! هي العزيمة على تحقيق سميق الأهداف. هي الصبر على ما تكره، أملا في الخير! وهي تجشم الأذى لغاية سامية وهدف نبيل. هي كظم غيظك وأنت قادر على أن تنفذه! هي عفوك عمن ظلمك وأنت قادر على أن تعاقبه.
هي ما جاء في الحديث الشريف " «إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» " فالقوي ليس قوي الجسم أو صاحب المنصب. ولكن القوي من يراغم شهوته. وليس أدل على ذلك من أننا قد نرى بعض مدعي قوة النفوذ أو المنصب من هؤلاء، وهم أذل ما يكونون مع من هو أرفع منهم منصبا وأقوى نفوذا! وقد نجدهم أضعف ما يكونون مع امرأة لعوب تسوق أحدهم كما يسوق الراعي الشياه، أو تقذف بأحدهم كما يقذف الأطفال الكرة. وقد نجدهم أسرى شراب أو إدمان أو أكل للحرام! وغير ذلك كثير من صور ضعفهم!
وصاحب الشخصية القوية هو ذلك الذي يستطيع أن يواجه الأزمات والنكبات بعقل واع وجنان ثابت. وهو الذي يدرك خبيئة الخبيث وطمع الطامع وكيد الكائد. ولهذا قال نبينا عليه السلام لأبي ذر عندما سأله الإمارة: "إني أراك ضعيفا..." فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا ذر – مع ما له من فضل وسبق في الإسلام – لا يتمتع بمؤهلات القيادة التي تتوافر في غيره من الصحابة رضي الله عنهم.
وضعيف الشخصية ليس ذلك المستكين بادي الهدوء! وليس ذلك الخاضع قليل الكلام! فقد نرى الرجل كلما قل قوله زاد فعله، وكم رأينا من العلماء من يحسبهم الجاهل من البسطاء أول الرأي! بل قال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، للصحابة عندما تعجبوا من دقة ساقي ابن مسعود رضي الله عنه: "لهما أثقل في الميزان من أحد."
ويبقى ضعف الشخصية وقوتها أمرا نسبيا. وقد يكون الإنسان قويا في آن وضعيفا في آن، وقد يكون قويا وضعيفا في آن.
ومهما استمددنا فهمنا على خلاف ما جاء في ديننا، فلن تصح أفهامنا، ولن تستقيم حالنا!
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: