الخطوبة ضوابط شرعية وآداب مرعية
المبحث الأول: الخطوبة ومعناها وما يقدم فيها / المبحث الثاني: رؤية للمخطوبة / المبحث الثالث: أحكام وآداب متعلقة أثناء الرؤية.
الخطوبة سوف نتحدث عنها في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الخطوبة ومعناها وما يقدم فيها:
تعريف الخِطبة: (الخطبة: بالكسر طلبُ المرأة للزواج)[1]، وهي مقدمة للنكاح، ولذا يراعى في المقدمة حسن الطالع لأن البداية هي كاشفة لما بعدها، والشرع جعل هذه المقدمة لتكون البنود الأساسية وصياغة العقد بالصورة الصحيحة خاصة إن كان هناك شروط من طرفي العقد، وفيها تمهيد وتنبيه للطرفين أن التعامل يجب أن يكون على أعلى مستوى من الأدب والفضل والاحترام، ولذا فضلت أن أضع مع هذا التعريف مسألة وهي ما يقدم فيها من أموال وهدايا قبل العقد في فترة الخطبة وهذا له أوجه وأحوال:
1- أن تكون هذه الهدايا ضمن المهر فهي تعود للخاطب عند فسخ الخطوبة لأن المهر لا يستحق إلا بالعقد.
2- أن تكون الهدايا ليست من المهر فإن حدث الفسخ ففيه خلاف:
أ- (ذهب الحنفية والمالكية في القول الآخر، والشافعية، إلى أن للخاطب أن يسترد هديته، إذا كانت باقية بعينها، سواء كان الفسخ من جهة الخاطب أو من جهة المخطوبة، واختلفوا فيما إذا هلكت أو تلفت) [2].
ب- وعند الحنابلة قال البهوتي: (وَهَدِيَّةُ زَوْجٍ لَيْسَتْ مِنْ الْمَهْرِ فَمَا قَبْلَ عَقْدٍ إنْ وَعَدُوهُ وَلَمْ يَفُوا رَجَعَ بِهَا) [3].
♦ قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وقد كتبت عن الإمام أحمد فيما إذا أهدى لها هدية بعد العقد، فإنها ترد ذلك إليه إذا زال العقد الفاسد؛ فهذا يقتضي أن ما وهبه لها، سببه النكاح؛ فإنه يبطل إذا زال النكاح، وهو خلاف ما ذكره أبو محمد وغيره. وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أهدي، أو وهب له شيء بسبب: يثبت بثبوته ويزول بزواله... ولو كانت الهدية قبل العقد، وقد وعدوه بالنكاح، فزوجوا غيره: رجع بها. والنقد المقدم محسوب من الصداق، وإن لم يكتب في الصداق، إذا تواطئوا عليه، ويطالب بنصفه عند الفرقة قبل الدخول؛ لأنه كالشرط المقدم، إلا أن يُفتَوا بخلاف ذلك " انتهى من)) [4].
♦ إذن مسألة ما يقدم من أموال على صورة هدايا من قبل الزوج يراعى فيه المقصد والدافع وراء تقديم تلك الهدايا وهو تحقق القبول ولذا عند عدم تحقق المقصد فالرجوع جائز ويكون هذا مستثنى من حديث ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» [5]، فإن الهبة يريد بها الخاطب عوضًا وليست هبة محضة، ولكن إن كان الفسخ من قبله فيقوى القول أنه لا يرجع بما أعطى ولو من باب المرؤة فيترك ما أعطى مقابل حسن الاستقبال والضيافة والكلفة في ذلك، وقد أقحمت هذه المسألة لما لها من آثار ربما سلبية فيما بعد على سمعة الطرفين.
المبحث الثاني: رؤية للمخطوبة:
الرؤية للمخطوبة نتطرق إليها في فصلين:
الفصل الأول: مشروعيتها:
♦ الأصل تحريم رؤية الأجنبية قال تعالى: {قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [6]، فحرم النظر تحريم وسائل وما حرم تحريم وسائل أبيح عند الحاجة، والخاطب بحاجة إلى رؤية المخطوبة بما يرغبه فيها وقد (اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ خِلاَفٌ فِي تَحْدِيدِ الْحَاجَاتِ الْمُبِيحَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحِل النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَشُرُوطِ الإْبَاحَةِ)[7] ودل على المشروعية حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أنه خطبَ امرأةً فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «انظرْ إليها فإِنَّه أحرى أنْ يؤْدَمَ بينكُما» [8]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «هلْ نَظَرْتَ إلَيْهَا؟ فإنَّ في عُيُونِ الأنْصَارِ شيئًا» قالَ: قدْ نَظَرْتُ إلَيْهَا) [9]، وحديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطبَ أحدُكمُ المرأةَ فإنِ استطاعَ أن يَنظرَ إلى ما يدعوهُ إلى نكاحِها فليفعلْ» [10] ": قال جابر: (فخطبت جارية من بني سلمة فكنت أختبئ لها تحت الكَرَب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها " وقد حكي الإجماع على الإباحة قال ابن قدامة: (لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا )[11]، وهذه المشروعية معللة قال ابن الأثير في معنى (أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) أَيْ تكونَ بَيْنَكُمَا المحبَّة والاتْفَاقُ. يُقَالُ أَدَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَأْدِمُ أَدْمًا بالسُّكونِ: أى ألّف ووفّق) [12]، وفي حديث جابر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فعلى هذا يمكن كخلاصة في هذا المبحث أن يقال: (النظر إلى الأجنبية لا يجوز لما قد يؤدي من محاذير ارتكاب الكبائر فيحرم تحريم وسائل والقصد منه منع الوقوع في الفاحشة أو الاقتراب منها، لكن إن تغير القصد واصبح وسيلة لوقوع الحلال وهو النكاح أبيح بقدر الحاجة وفي تقدير هذه الحاجة أقوال للفقهاء ولكن يمكن تحديدها بحديث جابر (يَنظرَ إلى ما يدعوهُ إلى نكاحِها فليفعلْ) فالقضية متعلقة بالناظر فإذا رأى ما يدعوه إلى نكاحها أو عدم الرغبة فيها لم يجز له بعد ذلك النظر فالحاجة تقدر بقدرها، وهذا النظرة لها ضوابط سوف أذكرها في المبحث الثالث).
الفصل الثاني: ما تبديه المخطوبة:
ما يحل للمخطوبة ابداءه للخاطب أورد هنا أقول الفقهاء في هذه المسألة:
1- الوجه هذا محل اتفاق قال ابن قدامة (وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ)[13]، وهي رواية في المذهب أنه لا يرى إلا الوجه قال المرداوي: (قَوْلُهُ (النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا). يَعْنِي فَقَطْ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا.. هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ) [14].
2- (اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلْخَاطِبِ نَظَرُهُ مِنْ مَخْطُوبَتِهِ الْحُرَّةِ هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا إِلَى كُوعَيْهِمَا لِدَلاَلَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَال، وَدَلاَلَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ حَتَّى فِي غَيْرِ الْخِطْبَةِ) [15] وعند الحنابلة: (وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ) [16].
3- (الوجه والكفين والقدمين وهذا عند الأحناف) [17].
4- (قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَعَنْ أَحْمَد ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ يَنْظُر إِلَى وَجْههَا وَيَدَيْهَا وَالثَّانِيَة يَنْظُر مَا يَظْهَر غَالِبًا كَالرَّقَبَةِ وَالسَّاقَيْنِ وَنَحْوهمَا) [18].
5- (وَقَالَ دَاوُدُ يَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا) [19] وهي رواية عن الإمام أحمد: قال ابن القيم (وَالثَّالِثَة يَنْظُر إِلَيْهَا كُلّهَا عَوْرَة وَغَيْرهَا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا مُتَجَرِّدَة) [20]، قال النووي معلقًا على هذا القول: (وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِأُصُولِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ) [21].
♦ من خلال ما سبق نجد أن الفقهاء يختلفون في مكان النظر بناء على أمرين حدود عورة النظر والمحافظة على الستر من الأجنبي، ولذا يقال ما لا يظهر غالبًا لا يجوز إظهاره للخاطب، فما يظهر غالبًا للمحارم كالوجه والكفين والقدمين والرقبة والرأس فلا بأس والاقتصار على الوجه والكفين أفضل فالخاطب في الحكم يقع بين الأجنبي والمحرم فنأخذ جانب الاحتياط، ولكن ننبه على المسألة وضع الزينة على الوجه ومن ذلك المكياج ففيه خلاف:
القول الأول عدم الجواز للأدلة:
أ- قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [22] والمكياج والكحل من الزينة.
ب- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: " الزِّينَةُ زِينَتَانِ: زِينَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَزِينَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَرَاهَا إِلَّا الزَّوْجُ، وَأَمَّا الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ: فَالثِّيَابُ، وَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ: فَالْكُحْلُ، وَالسِّوَارُ، وَالْخَاتَمُ "[23]
ج- فتوى اللجنة الدائمة: (استعمال الكحل مشروع، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها، لقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ... " انتهى. )[24].
القول الثاني: الجواز فعند الأحناف: (وَتَحْلِيَةُ الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيُرَغِّبَ فِيهِنَّ الرِّجَالَ سُنَّةٌ )[25] وقال المالكية عن المرأة الخالية من الأزواج (قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ لِلنَّاظِرِينَ، بَلْ لَوْ قِيلَ: بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَا كَانَ بَعِيدًا وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّعَرُّضُ لِمَنْ يَخْطُبُهَا إذَا سَلِمَتْ نِيَّتُهَا فِي قَصْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَبْعُدْ انْتَهَى) [26]
♦ والقول الراجح والذي يعطي لكلا القولين نصيبه من النظر أن يقال الأصل من مقصد الرؤية النظر إليها بوضعها الطبيعي قال النووي في شرح مسلم: (ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ هَذَا النَّظَرِ رِضَاهَا بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتِهَا وَمِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِعْلَامٍ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ نَظَرَهُ فِي غَفْلَتِهَا مَخَافَةً مِنْ وُقُوعِ نَظَرِهِ عَلَى عَوْرَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ لَا ينظر اليها إلا بإذنها وهذا ضعيف لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطِ اسْتِئْذَانَهَا ولأنها تستحي غَالِبًا مِنَ الْإِذْنِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا فربما رآها فَلَمْ تُعْجِبْهُ فَيَتْرُكَهَا فَتَنْكَسِرَ وَتَتَأَذَّى وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ إِلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ حَتَّى إِنْ كَرِهَهَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ إِيذَاءٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَرَكَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) [27]، وهذا الكلام يدل أن التزين غير مرغوب فيه والأولى تركه.
أما إن كان التزين خاصة بالمكياج وأدوات الزينة التي تغير من شكل المرأة بحيث يحدث التدليس والغش فلا شك أن مثل هذه الزينة غير جائزة، وعليه فالتزين بما لا يدخل في التدليس لا بأس وتركه أولى.
♦ وهنا نضيف مسألة لتكتمل الفائدة: وهي جواز نظر المخطوبة للخاطب: عند المالكية قال الحطاب: (هَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُ الرَّجُلِ]لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالُوا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَنْظُرَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ) [28]، وقال ابنى عابدين: (وَهَلْ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ لِلْخَاطِبِ مَعَ خَوْفِ الشَّهْوَةِ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ: نَعَمْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُفَارَقَةُ مَنْ لَا يَرْضَاهَا) [29]، ومن هنا نعلم جواز مثل هذا لأنها تريد من الرجل ما يرغبها فيه أو تترك.
المبحث الثالث: أحكام وآداب متعلقة أثناء الرؤية:
هناك عدة ضوابط أثناء رؤية الخاطب يجب الالتزام بها وأيضًا مسائل متعلقة بها ولتسهيل تناولها أضعها في النقاط التالية:
1- (الخطبة على خطبة أخيه):
إذا خُطبت المرأة وعلم بذلك الخاطب الثاني وقد أجيب الأول حرم على الثاني أن يتقدم للخطبة إلا أن يدع الأول أو يأذن له وعلى هذا جمهور الفقهاء[30] لحديث ابن عمر: (نَهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، ولا يَخْطُبَ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يَأْذَنَ له الخاطِبُ) [31] وقد (وَحَكَى النَّوَوِيُّ الإْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ لِلتَّحْرِيمِ) [32]، وهذا المنع من باب توطيد المحبة بين المسلمين وقطع شر التنازع فيما بينهم، وفيه سلوك طريق المرؤة والحشمة وحفظ أعراض الناس من التعدي عليها.
2- (الخلوة بالمخطوبة):
♦ المخطوبة أجنبية من الخاطب ومن الأمور المقررة في الشريعة تحريم الزنا، وتحريم دواعيه، ومن ذلك تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، ونُقل الإجماع على ذلك.. قال النووي: (وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما، فحرام باتفاق العلماء") وقال ابن حجر: (منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع) [33]. واستند هذا الإجماع على أدلة منها:
أ- حديث ابن عباس: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ، ولا تُسافِرَنَّ امْرَأَةٌ إلَّا ومعها مَحْرَمٌ)[34] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فأما مؤاخاة الرجال النساء الأجانب، وخلوهم بهن، ونظرهم إلى الزينة الباطنة منهن: فهذا حرام باتفاق المسلمين)[35].
ب- حديث جابر: (من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يَخْلُوَنَّ بامرأةٍ ليس معها ذُو مَحْرَمٍ منها فإن ثالثَهما الشيطانُ) [36].
♦ من هنا يجب على الخاطب أن يبدأ في حياته الأسرية بتقوى الله ودخول الأمر من بابه الذي شرعه الله فلا يخلو ولا تخرج مع خاطب امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر بأغراض فاسدة كالتعرف على الطبع ونحوه، وهذا بداية رسم حياة أسرية صحيحة ألا يرتكب في الخطبة ما حرم الله، ثم أن الخلوة قد يحدث فيها ما لا يحمد عقباه من أصحاب النفوس الضعيفة الذين ليس لهم إلا انتهاك الأعراض فحري بأصحاب الولاية أن يحرصوا كل الحرص أن لا يخلو أحد بموليته فهي أمانة في عنقه ويلزم أن يحمل مسألة زواجها محمل الشرع.
3- اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) لِمَشْرُوعِيَّةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ النَّاظِرُ إِلَى الْمَرْأَةِ مُرِيدًا نِكَاحَهَا، وَأَنْ يَرْجُوَ الإْجَابَةَ رَجَاءً ظَاهِرًا، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُجَابُ إِلَى نِكَاحِهَا، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الإجَابَةُ. وَاكْتَفَى الْحَنَفِيَّةُ بِاشْتِرَاطِ إِرَادَةِ نِكَاحِهَا فَقَطْ) [37].
فلا يجوز للخاطب النظر للمخطوبة إلا وقد غلب على ظنه موافقتهم عليه، ولا يجوز للمخطوبة أن تخرج لينظر إليها إذا لم يكن لها رغبة أصلًا في الخطبة، لأن مسألة النظر هذه مرتبطة بقضية غلبة الظن حدوث مقصدها وهو النكاح فإذا لم يكن هناك عزم من كلا الطرفين أو أحدهما لم يكن لهذا النظر مشروعية.
4- لا يجوز النظر نظرة تلذذ وشهوة أثناء النظر إلى المخطوبة قال الإمام أحمد – رحمه الله – في رواية صالح: ((ينظر إلى الوجه ولا يكون عن طريق اللذة)[38]، وعند المالكية: قالوا: (مَنْ أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَصْدُ اللَّذَّةِ) [39]. فالنظر قصد منه تلبية حاجة النفس لقبول هذه المخطوبة وما تجاوز هذا القصد فلا يجوز لأن هذه المخطوبة ليست موضع شهوة مباحة له فيلزمه أن يكتفي بما أبيح له، ولذا النظرة التي تبدأ تحرك الغرائز والشهوة قد تجاوزت الحد المطلوب فعلى الخاطب أن يكفها فقدر الحاجة قد تجاوز، وهذه صيانة داخلية للقلب يعالجها إيمان الشخص وتقواه، ولذا اشترط الحنابلة لإباحة النظر أمن الفتنة وخالفهم في ذلك المذاهب الثلاثة، ولعل أن يقال الشيء الذي لا يستطيع الإنسان دفعه كمن نظر فثارت شهوته دون رغبة منه وعزم فلا بأس ٌلمطلق أحاديث النظر دون شرط، ويقطعها حتى لا يدخل في الحرام بصرف النظر ولذا قال الحنابلة (وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ النَّظَرَ (وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ مِنْ الْمَرْأَةِ)[40].
5- (مقدار النظر وتكراره):
♦ يجوز تكرار النظر قال الرملي: ((وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ) وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ هَيْئَتُهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اكْتَفَى بِنَظْرَةٍ حَرُمَ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ نَظَرٌ أُبِيحَ لِضَرُورَةٍ فَلْيَتَقَيَّدْ بِهَا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَخَافَ الْفِتْنَةِ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ) [41]، وقال في كشاف القناع: (وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ النَّظَرَ (وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ مِنْ الْمَرْأَةِ)[42] وعند الأحناف: (وَتَقْيِيدُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا كَانَ لِحَاجَةٍ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِالنَّظَرِ إلَيْهَا بِمَرَّةٍ حَرُمَ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِضَرُورَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا) [43]، وعليه (" يَجُوزُ تَكْرَارُ النَّظَرِ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لِيَتَبَيَّنَ هيئتها، فَلاَ يَنْدَمُ بَعْدَ النِّكَاحِ، إِذْ لاَ يَحْصُل الْغَرَضُ غَالِبًا بِأَوَّل نَظْرَةٍ ") [44] واستدل من قال بجواز تكرار النظر بحديث سهل بن سعد: (أنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، جِئْتُ لأهَبَ لكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إلَيْهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إلَيْهَا وصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ... )[45]، من هنا نقول النظر إلى المخطوبة يحتاج أحيانًا لتكرار من أجل حصول المقصد وهو ما يرغب الخاطب فيها، وهذا حاصل بالتكرار فلا بأس، لكن إذا اكتفى بحيث وجد الرغبة أو عدمها فقد طأطأ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ولم يعد النظر، ولذا يحذر من هذا الباب حذرًا شديدًا فلا يعني إباحة النظر وتكراره جعله وسيلة لاقتحام الأعين على المحارم بدون مسوغ شرعي.
6- (الرؤية عن طريق الصور):
♦ هذا المسألة عرضت على المشايخ ومنهم الشيخ ابن عثيمين فأجاب رحمه الله: (لا أرى هذا: أولا: لأنه قد يشاركه غيره في النظر إليها. ثانيا: لأن الصورة لا تحكي الحقيقة تماما، فكم من صورة رآها الإنسان فإذا شاهد المصوَّر وجده مختلف تماما. ثالثا: أنه ربما تبقى هذه الصورة عند الخاطب ويعدل عن الخطبة ولكن تبقى عنده يلعب بها كما شاء. والله أعلم) [46]، ومن أجاز وضع الشروط التالية:
1- أن تكون الصورة محتشمة وبالحجاب الشرعي.
2- أن تكون مطابقة للواقع بدون تبييض أو تلوين وغاير للواقع.
3- إعادة الصورة بعد انتهاء الغرض منها.
4- أن يكون الخاطب صادق في طلبه.
5- أن يكون الخاطب ذو أخلاق فاضلة.
6- أن لا ينظر إليها نظرة استمتاع وتلذذ بل لمجرد معرفة المخطوبة) [47].
♦ وعند النظر والتأمل يجب أن نحافظ على الأصل وهي النظرة الشرعية المباشرة كما ورد عند الفقهاء، ولا يذهب إلى البديل وهو الصور أو الماسنجر أو أي وسيلة تواصل عن طريق الصور إلا في الحدود الضيقة والضوابط والمحترزات وهذا من باب سد الذرائع، وعليه لا يفتى بالجواز على اطلاقه ولا المنع على اطلاقه فالفتوى فتوى حال يحتاج في كل نازلة إلى تأمل ونظر من أهل الفتوى ويحكم فيها بالجواز أو المنع فتطبيق شروط الجواز ليست لكل أحد بل لمجتهد عارف بالحال، وهذا أسلم للناس وصيانة لأعراضهم، والخلاصة أن الصور إذا اقتربت من حال النظرة الشرعية المباشرة وأمن فيها الفتنة واستغلالها لأهداف دنيئة فالقول بالجواز عند الحاجة الملحة فقط له وجه والله أعلم.
7- (التوكيل في الرؤية):
♦ (اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يُرْسِل امْرَأَةً لِتَنْظُرَ الْمَخْطُوبَةَ ثُمَّ تَصِفَهَا لَهُ وَلَوْ بِمَا لاَ يَحِل لَهُ نَظَرُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَيَسْتَفِيدَ بِالْبَعْثِ مَا لاَ يَسْتَفِيدُ بِنَظَرِهِ، وَهَذَا لِمَزِيدِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مُسْتَثْنًى مِنْ حُرْمَةِ وَصْفِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْسَل أُمَّ سُلَيْمٍ تَنْظُرُ إِلَى جَارِيَةٍ فَقَال: شُمِّي عَوَارِضَهَا وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبِهَا) [48]. وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ يُرْسَل لِلنَّظَرِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهَا مِمَّنْ يَحِل لَهُ نَظَرُهَا رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً كَأَخِيهَا، أَوْ مَسْمُوحٌ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ. وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يُرْسِل رَجُلًا. قَال الْحَطَّابُ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ عَلَى حَسَبِ مَا لِلْخَاطِبِ، وَيُنَزَّل مَنْزِلَتَهُ مَا لَمْ يَخَفْ مَفْسَدَةً مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا) [49]، فالتوكيل في النظر من وجه قد لا يكفي لأن لكل إنسان نظرته الخاصة وقد يعجب الناظر أمرًا يكون سببًا للنكاح لا يخطر على بال الوكيل فالأصل أن ينظر بنفسه حتى لا يشنع على الوكيل بعد ذلك لو ظهر سوء فهم أو تلبيس، كما أن التوكيل جائز من جهة أخرى وأنفع خاصة عندما تكون امرأة ذات خبرة بالنساء أمينة فيما تقول وقد دخلت للبيت دون علم المخطوبة بذلك فإنها قد ترى أمورًا ليس للخاطب الوصول إليها، وهنا إشارة أطرحها وقد أكون معارض فيها يستحسن الوكيل أن يكون من غير قرابة الزوج لما قد يكون بينهم من الضغائن أو الحسد أو الغيرة فتنقل الصورة على غير المرغوب فيه، أمر آخر وهو تقديم الوكيل قبل النظرة وهذا أمر مستحسن حتى لا ندخل في حرج الرفض من الطرفين وهذا ألطف بالناس ومشاعرهم.
8- (الإخبار بالعيوب):
♦ العيوب تنقسم إلى عدة أوجه وهو قَوْل الْبَارِزِيِّ - مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قال:
1- لَوِ اسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهِ وَجَبَ ذِكْرُهُ،
2- وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّل الرَّغْبَةَ فِيهِ وَلاَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ، اسْتُحِبَّ،
3- وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَال وَسَتْرُ نَفْسِهِ )[50]. فهذا أمانة متعلقة بالشخص فيفعل فيها ما يجعل الأمر على الصدق والوضوح.
♦ وهنا مسألة: (مَنِ اسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ شَرْعِيَّةٍ أَوْ عُرْفِيَّةٍ وَلاَ يَكُونُ غِيبَةً مُحَرَّمَةً إِذَا قَصَدَ بِهِ النَّصِيحَةَ وَالتَّحْذِيرَ لاَ الإْيذَاءَ) [51] والأدلة على هذا:
1- (سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بنْتَ قَيْسٍ، تَقُولُ: إنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً، قالَتْ: قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، فَآذَنْتُهُ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَهْمٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ، لا مَالَ له، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ فَقالَتْ بيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ، أُسَامَةُ، فَقالَ لَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: طَاعَةُ اللهِ، وَطَاعَةُ رَسولِهِ خَيْرٌ لَكِ، قالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ، فَاغْتَبَطْتُ) [52].
2- حديث أبي السائب: (دَعُوا الناسَ يُصيبُ بعضُهمْ من بعضٍ، فإذا استَنْصحَ أحدُكمْ أخَاهُ فلْينصحْهُ) [53].
3- حديث أبي هريرة: (المُستشارُ مُؤتمنٌ) [54].
4- قَدْ رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ أَخًا لِبِلاَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالُوا: إِنْ يَحْضُرْ بِلاَلٌ زَوَّجْنَاكَ، فَحَضَرَ، فَقَال: أَنَا بِلاَلٌ وَهَذَا أَخِي، وَهُوَ امْرُؤٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالدِّينِ. قَال الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الإْسْنَادِ.
♦ من خلال ما سبق فالتدليس في مثل هذا الأمر له أثره العميق في العلاقات الأسرية على المدى القريب بسرعة الطلاق أو نحوه، وعلى المدى البعيد بسوء العشرة، فالوضوح وعدم التغرير في هذه العلاقة يجعلها تجري في مسالك النصح والصواب فيكتب لها بإذن الله التوفيق والنجاح، والإنسان على نفسه بصيرة فما لا ترضاه لنفسك يجب ألا ترضاه لغيرك من باب المعنى الحقيقي للأخوة الإسلامية.
في الختام أضع مختصرًا الضوابط للخطوبة بصورة عامة في نقاط:
1- يجب حسن القصد والعزم في هذا الأمر لأن التلاعب فيه يفسد أشرف علاقة بين اثنين وهما الزوجان.
2- المخطوبة أجنبية من المخطوب حتى يتم كتابة العقد فلا يكون التعامل بينهما إلا بقدر الحاجة الشرعية.
3- يجب على الطرفين صيانة نظرة من الوقوع في الحرام والخروج به عن الحاجة.
4- مقصد الخطبة حدوث الرغبة في النكاح فهي وسيلة حاجة فيلزم أن تراعي المقصد.
5- النكاح عقد وميثاق غليظ بدايته الخطوبة والبداية إذا لم تكن صحيحة وقوية وواضحة فإن الميثاق مهدد بالانفصال في أي لحظة أزمة.
6- الاستشارة منهج والاستخارة وسيلة للوصول إلى الأفضل في عقد النكاح فهي حظ المؤمن التقي.
[1] التعريفات الفقهية (87).
[2] ( الشرح الصغير لدردري(2/348) الدر المختار (3/153) تحفة المحتاج (7/421) الإسلام سؤال وجواب:
https://islamqa.info/ar/answers/149744/
[3] منتهى الإيرادات (4/157).
[4] الاختيارات الفقهية" ضمن الفتاوى الكبرى (5/ 472).
[5] أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) وصححه الألباني.
[6] سورة النور / 30.
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية (40/366).
[8] أخرجه الترمذي (1087) وحسنه، وصححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح.
[9] مسلم(1424).
[10] أخرجه أبو داود (2082)، وأحمد (14626) قال ابن حجر في الفتح إسناده حسن، وله شاهد، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة والأرناؤوط في تخريج سنن أبي داود
[11] المغني (7 /96).
[12] النهاية في غريب الحديث (1 /32).
[13] المغني (7 /97).
[14] الإنصاف (8 /17).
[15] الدرديري وحاشية الدسوقي (2 /215)، مغنى المحتاج (4 /208).
[16] الانصاف (8 /18).
[17] الدر المختار كع حاشية ابن عابدين (6 /369).
[18] عون المعبود وحاشية ابن القيم (6 /68).
[19] عون المعبود وحاشية ابن القيم(6 /69).
[20] عون المعبود وحاشية ابن القيم (6 /68).
[21] شرح النووي لمسلم (المنهاج) (9 /210)
[22] النور/31.
[23] مصنف بن أبي شيبة (3 /547).
[24] "فتاوى اللجنة الدائمة" المملكة العربية السعودية (17 /128)
[25] البحر الرائق (3/ 87).
[26] مواهب الجليل(3 /405).
[27] شرح مسلم للنووي (9 /211).
[28] مواهب الجليل (3 /405).
[29] الدر المختار وحاشية ابن عابدين رد المحتار (6 /370).
[30] الدر المختار (3 /533)، عقد الجواهر الثمينة ( 2 /410)، روضة الطالبين (7 /31).
[31] البخاري (5142).
[32] الموسوعة الكويتية (19 /195).
[33] موسوعة الإجماع (3 /119).
[34] البخاري (3006).
[35] مجموع الفتاوى (11 /505).
[36] أخرجه أحمد في المسند (14651)، وصححه الألباني في الإرواء.
[37] نهاية المحتاج ( 6 /185). كشاف القناع (5 /10)، مواهب الجليل (3 /405).
[38] المغني لابن قدامة (7 /97).
[39] مواهب الجليل (3 /405)
[40] كشاف القناع (5 /10)
[41] نهاية المحتاج (6 /186)،
[42] كشاف القناع ( 5 /10).
[43] الدر المختار (6 /370).
[44] الموسوعة الكويتية (19 /200).
[45] البخاري ( 5030).
[46] موقع الإسلام سؤال وجواب:
http://islamqa.com/ar/ref/4027
[47] فقه النظرة في مسألة النظر (النظرة الشرعية للمخطوبة ) محمد فنخور العبدلي.
[48] أخرجه أحمد (13424)، وعبد بن حميد في ((المسند)) (1386)، والبزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (4/279)، قال ابن الملقن في البدر المنير: غريب وقال ابن حجر في تلخيص الحبير استنكره أحمد، والمشهور فيه طريق عمارة عن ثابت عنه، ورواه أبو داود في المراسيل ووصله الحاكم، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة منكر (1273). وأخرجه الحاكم (2/166 ) وقال: " صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وعن البيهقي ( 7 /87 ) وقال في مجمع الزوائد ( 4/507 ): " رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد ثقات "
[49] الموسوعة الكويتية (رد المحتار 5 / 237، مواهب الجليل 3 / 405، نهاية المحتاج 6 / 183، أسنى المطالب 3 / 109، كشاف القناع 5 / 10، حاشية الدسوقي 2 / 215. ) (19/202).
[50] نهاية المحتاج (6 /205).
[51] الموسوعة الفقهية الكويتية (19 /202).
[52] مسلم (1480).
[53] قال السيوطي في الجامع الصغير صحيح، أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (2157) مختصرًا، وأخرجه موصولًا الطبراني (19 /303) (676).
[54] أخرجه أبو داود (5128)، والترمذي (2822) وحسنه، وابن ماجه (3745).وحسنه ابن العربي في عارضة الأحوذي، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح.
_______________________________
د. عطية بن عبدالله الباحوث
- التصنيف:
- المصدر: