الخواطر والأفكار
السبيل الوحيد لمجاهدة الخواطر والأفكار أن تُشغَلَ النفس بالخير والحق دائمًا، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فالخاطر إذا وَجَد نفسًا فارغة تمكَّن منها، ووضع فيها سمومه..
إن الخطرة هي مبدأ الخير والشر، فما من خير فعلته إلا وقد خطر ببالك أولًا، وما من شر ارتكبته إلا وقد خطر ببالك أولًا؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الخطرات فشأنها أصعب؛ فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولَّد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا الهلكات...." [1].
• تنبيه وفائدة:
ومعلوم أن الإنسان لم يُعط إماتة الخواطر ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تُعينه على قبول أحسنها ورد أقبحها؛ كما قال الصحابة يومًا للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يَتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: «وقد وجدتموه»؟، قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان»، وفي لفظ: «الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» (رواه مسلم، وابن حِبَّان، وأبو داود).
وقد خلق الله النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تَطحَنه، فإن وُضِع فيها حَبٌّ طحَنته، وإن وُضع فيها تراب أو حصى طحنته، والأفكار والخواطر التي تَجول في النفس هي بمنزلة الحَبِّ الذي يُوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة أبدًا، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمِن الناس مَن تطحن رحاه حبًّا يخرج دقيقًا ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملًا وحصى وتبنًا، ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحينه[2].
كيف يجاهد الإنسان خواطره وأفكاره؟
السبيل الوحيد لمجاهدة الخواطر والأفكار أن تُشغَلَ النفس بالخير والحق دائمًا، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فالخاطر إذا وَجَد نفسًا فارغة تمكَّن منها، ووضع فيها سمومه، وصدق من قال:
أتاني هواها قبلَ أن أَعْرِفَ الهَوى ♦♦♦ فصادَف قلبًا خاليًا فتَمَكَّنَا
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالتفكير فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالتفكير فيما لا يعنيك باب كل شر، ومن فكر فيما لا يَعنيه فاته ما يعنيه، وخطرات العاقل لا تتجاوز واحدًا من خمسة أمور - كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في الداء والدواء -:
1- الفكرة في آيات الله المنزلة وتعقُّلها، وفَهم مراده منها؛ ولذلك أنزلها الله تعالى لا لمجرد تلاوتها، بل التلاوة وسيلة؛ قال بعض السلف: أنزل الله القرآن ليُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملاً.
2- الفكرة في آياته المشهودة من أرض وسماء، وبحار وأنهار، وماء وهواء....، والاستدلال بذلك على الله وحكمته وإحسانه، وبرِّه وجُوده، فالله تعالى قد حض على ذلك وذم الغافل عن ذلك: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات وقال: "ويل لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها"؛ (رواه ابن حبان، وغيره وحسَّنه الألباني في التعليقات الحِسان).
3- الفكرة في آلائه وإحسانه، وإنعامه على خلقه بأصناف النعم، وهذه الثلاث تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه.
4- الفكرة في عيوب النفس وآفاتها، وهذه الفكرة باب كل خير، وتأثيرها في كسر النفس الأمَّارة بالسوء، ومتى كُسِرت عاشت النفس المطمئنة، وانتعشت وصار الحكم لها، وسعِد الإنسان في الدنيا والآخرة.
5- الفكرة في واجب الوقت ووظيفته، فجميع المصالح إنما تَنشأ من الوقت، وإن ضاع لم يُستدرك أبدًا، والله سائلنا عنه يوم القيامة.
وما سوى هذه الأمور الخمسة، فهو أماني باطلة ووساوس شيطان وخدع كاذبة......[3].
[1] الداء والدواء ص154.
[2] إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد؛ عبدالعزيز السلمان، ص27 (بتصرف).
[3] الداء والدواء، ص357.
___________________________
الكاتب: د. شريف فوزي سلطان
- التصنيف:
- المصدر: