من أبجدية السعادة الزوجية - نَقِّ قَلْبَك

منذ 2021-06-06

وصلاح الإنسَان إنما هو في صَلاح قبله، والضِّدُ بالضِّد، ولا قيمةَ ولا عبرة بشْكل المرء ولا مسْتواه من فقرٍ أو غني، ولا لونه أحمر كان أو أصفر، ولا لجنسه من عرب ولا عَجم

 

من أبجدية السعادة الزوجية: نَقِّ قَلْبَك

    مَا من نعْمة أنعمَ الله بها على أحدٍ من عباده مثل صفاء القلب وطهارته، فالقلبُ مستودَع الأسرار ومَكمَن المشاعر والنوايا والخواطر والخطرات، وهو صُندوق مغْلق لا يفتحه إلا صَاحبه، ولا يملك ُمفتاحه إلا خَالقه، و ولا يطَّلع على أسْراره إلا واهِبه، وفي أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يؤكد على هذا المعنى، فقد ورد فيما روي عنه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ -وأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ» . [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] .

   وصلاح الإنسَان إنما هو في صَلاح قبله، والضِّدُ بالضِّد، ولا قيمةَ ولا عبرة بشْكل المرء ولا مسْتواه من فقرٍ أو غني، ولا لونه أحمر كان أو أصفر، ولا لجنسه من عرب ولا عَجم، ولا شيئًا من غير ذلك كلِّه، لا قيمة له عند الله ما لم يُقْبل عليه بقلبٍ صافٍ نقي طَاهر، وفي الحديث عَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ -رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  : « إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ »  [رواه مسلم] .

    وقد كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه - كثيرًا ما يدعو بهذه الكلمات:" يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ" أخرجه الترمذي، ومن دعاء المؤمنين فيما جاء على لسانهم: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ آل عمران: ٨] ، قال ابن كثير في تفسيرها: "ثم قال تعالى عنهم مخبرًا أنهم دعوا ربهم قائلين : " {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} ؛ أي : لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم،  وهب لنا من لدن، أي : من عندك، رحمة  تثبت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانا وإيقانا، إنك أنت الوهاب" .

   وقد حَرص الإسلامُ على أن ينقِّي قلوب أتباعه ويطهِّرها من كل دنسٍ ورجْس؛ من الغِلِّ والحقْد والحسَد وكل الأوداء والعلل الباطنة؛ التي لا يعلمه إلا الله تعالى، بل إنه – سبحانه – قد امتن على المؤمنين في جناتِ النعيم بأن طهَّر قلوبهم وزكَّاها {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} . 

قال بن كثير في تفسيرها:" وقوله ": {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} " روى القاسم، عن أبي أمامة قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشَّحناء والضَّغائن، حتى إذا توافَوا وتقَابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غِلٍ ، ثم قرأونزعنا ما في صدورهم من غل، هكذا في هذه الرواية، وقد روى سنيد في تفسيره: حدثنا ابن فُضَالة، عن لقمان، عن أبي أُمَامة قال: لا يدخِل مؤمنٌ الجنةَ حتى ينزع الله ما في صُدرهم من غِل، حتى ينزعَ منه مثل السَّبع الضَّاري.

    بل وحثَّ المسلمين على المحبةِ الصَّادقة والإيثار والتسامح، وقد اشترط الله على عباده – فيما جاء على قلبِ إبراهيم الخليل – عليه السلام- ليلقوه يوم القيامة غير خزايا، اشترط أن يأتوه بقلب بسليم، قال جل شأنه

ﯾَوْمَ ﻻَ ﯾَﻧْﻔَﻊُ ﻣَﺎلٌ وَﻻَ ﺑَﻧُونَ * إِﻻﱠ ﻣَنْ أَﺗَﻰ  َ ﺑِﻘَﻠْبٍ ﺳَﻠِﯾمٍ

     والقلب الذي يملكُ أفراده قلوبًا نقية طَاهرة زكيَّة هم أسعد الناس في الدنيا، وأقربهم إلى الله، وأحبهم بين خلقه، فالقلوب التي لا تعرف لغيرها إلا الحب، ولا تحمل داخلها إلى معاني التسامح والعفو هي – لاشك قلوب سّوية تحيا على الفطرة؛ لم تتلوث بمكائد الشيطان، ولم تسقط في حبائله، لا تعرف غلاً لأحد، ولا يمتلئ قبلها حقدًا على أحد، بل إنها تفيض صفاءً وتمتلئ حبًا، وإن أردت بيتًا سعيدًا تملأ السَّعادة أركانه، وتْسكن البهجةُ جوانبه فليكن قلبك نظيفًا نقيًّا، وليكن أهل بيتك كذلك، ازرع في نفسِك وزوجتك وأبنائك حبَّ الآخرين، ورغبهم في تمني الخير لهم، نَقِّ قبلك من كل خُلُق ذمِيم أو صفةٍ مشينة أو دَاء من أدواء القلوب، واحرص على أن تزرع في نفوسهم الوفَاء والإخلاص حرصِك على أن تربيهم على حُسن التوكل على الله والرجاء فيه والخوف منه، فإنهم إن شَبُّوا على هذه المعني الراقية وامتلأت قلوبهم بها نقَت وتطَهرت، ففَاضت على غيرها.

   احرص وأهل بيتك على أن لا تتحدثوا عن أحد في غيبته بسوء، ولا تذكروا نعمةً لأحدٍ إلا دعوتم لصَاحبها، ولا تنالوا من عِرضِ أحَد، ولا تتمنوا لأحدٍ سوءًا ولا شرًا، فما أجمل قلبًا يبيت وليس فيه شيءٌ لأحد، فعَن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه قال: كنَّا جلوسًا مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطَلع رجلٌ من الأنصَار، تَنْطِفُ لحيته من وضوئه، قد تَعَلَّق نَعْلَيه في يده الشِّمال، فلمَّا كان الغد، قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، فطلع ذلك الرَّجل مثل المرَّة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثَّالث، قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرَّجل على مثل حاله الأولى، فلمَّا قام النَّبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إنِّي لَاحَيْت أبي فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تُـؤْوِيَني إليك حتَّى تمضي، فَعلتَ. فقال: نعم. قال أنس: وكان عبد الله يحدِّث أنَّه بات معه تلك الليالي الثَّلاث، فلم يره يقوم من اللَّيل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه، ذَكَر الله عزَّ وجلَّ وكبَّر حتَّى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أنِّي لم أسمعه يقول إلَّا خيرًا. فلمَّا مضت الثَّلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنِّي لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هَجْرٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مِرَار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطلعت أنت الثَّلاث مِرَار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق» .

المقال السابق
مَكِّن لهُم
المقال التالي
زُر أقاربك وصِلْ رحمَك