من أبجدية السعادة الزوجية - مَكِّن لهُم
تشَاطِرك النجَاحات كما تشَاركك الإخفاقات، وكذلك أبناؤك وبناتُك عوِّدهم المسْؤولية
مِن أبجِدية السَّعادة الزَّوجيَّة: مَكِّن لهُم
أسَّس الإسْلام الأسرة على الاحترام المتبادل بين الزوجين، فلا حياةَ ناجحة سعيدة إلا إذا قدَّم كلُّ طرفٍ ما يُدلِّل على احترامه للآخر، والحياة الزوجية لم تكن -يومًا ما – قائمة على النِّديَّة أو الصِّراع أو التَّنافسِ والخصُومة، بل على المودَّة والمحبَّة، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ﴿٢١﴾ﱠ الروم: ٢١
والتعبير القرآني يؤكِّد على قُوة التَّرابط بين الزوجَين باستعمال "من" التي تفيد البعضية، فقال: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} " وحَدَّد العِلَّة والغَاية من ذلك، فقال { أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} "
وإنَّ من متطلباتِ هذا الاحترامِ والتَّقديرِ أن يُعطَي للزوجة حقها في إدارة شؤون بيتها؛ فهي شريكةٌ مع زوجها في ذلك، وليسَ للزوج – وإن كانت له القَوامة – أن يتفرَّد بإدارة شؤونِ البيتِ بمفْردِه، بل إنَّ من مقومَات البيتِ السَّعيدِ النَّاجح أن يزاول فيه الزوجَان المهَام والمسؤولياتِ في جوٍّ من الانسِجام والتَّفاهُم، ومن دواعي هذا الاحْترام والتقْدير أن تمكن لها فيما يتعلق بحرية التصرُّفِ فيمَا يخصها كالجوانب المالية أو نحْوها، ومن دواعي ذلك أيضًا أن تخَوِّلها في العديد من الأمورِ التي لابد أن تشَاركك فيها، فالقيامُ على رعَاية الأبناء وتربيتهِم، وتحَمُّل المسؤوليات والأعبَاء، وإبْداء الرَّأي واتخاذِ القرارات المهَمَّة، ومعالجة المشْكلات .... هذه وغيرها الكَثيرُ والكَثيرُ لابد أن تمكن فيهَا المرأة من التَّصرف والتعَامل معَها، وليس بالضَّرورة الانفراد بها، بل لا بأسَ أن يتم تقديم الدَّعم اللازمِ من مشورةٍ ومعونةٍ ونحوه.
ولا يقتصِر التمكينُ والتفويضُ في المسؤوليات ولا يكونُ حِجرًا على الزوجة وحدها، بل يتعَدَّاه إلى الأبنَاء والبنَات، وكلما كان تدريبُ الأولاد وتعويدُهم على تحَمُّل المسؤولية، وتفويضِهم في بعضِ المهَام والأعمَال، وتزيدهم بالخِبراتِ ومتابعةِ أدائهم، وتقديم الدَّعم الكاَمل لهم، وتقييم ذلك وتقويمه فإن ذلك– لا شك – يخْلقُ منهم أفرادًا يستطيعون أن يجَابهوا الحياةَ وصُعوباتها، ويجعلَهم أكثرَ ثقةً بالنفس، وجُرأةً وقدرةً على تحمُّل المسؤولية، والتعَامل معَ الأزماتِ بشكلٍ جَيد.
والذي يتصَفَّح آيات القرآنِ الكريمِ يجد هذا التفويضَ، بل والتمكينَ واضحًا جليًا في قصة نبي اللهِ موسى - عليه السلام- مع أخيه هارون – عليه السلام- {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: ١٤٢]
فقد أعطاه – عليه السلام – المهمة كاملة(اخلفني فِي قَوْمِي) ورسَم له الأهدافَ المطلوب تحقِيقها(وَأَصْلِحْ) وبين المخاطر والعقبات التي قد تطرأ( {وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} ).
وثمَّة أمرٍ آخَر لابدَّ أن نَلفِتَ إليه الانتباه، وهو أنَّ تمكِينَ الزَّوجةِ والأبناءِ وإعْطَاءهم الفرصة للإدارة والتعبيرِ عن الرأي والمشُورة يخلق- لا شكَّ- منهُم أدواتٍ تنفعُ وقت الحاجَة، يقدِّمون الدَّعم الكامل عند افتقاده، ولعَلَّنا نذكر هنا ما حَدث مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلح الحديبية، ومَا أشارت عَليه به زوجه أُم سلَمة – رضي الله عنها- حيثُ كانت صاحبة رأي صَائب، وقد أخذ الرسول الله -صلى الله عليه وسلم بمشورتها- فقَد كَان من شروط الكفَّار ألا يدْخل المسلمون في هذه المرة لزيارة البيت الحرام على أن يعودوا العَام القَادم، وبعدما فرغوا من كتابة وثيقة الصُّلح طلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من المسلمين أن ينحَروا ويحْلقُوا، لكنَّ أحدًا منهم لم يقُم، وأعاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلبه ثلاثَ مراتٍ لكنهم لم يفعلوا، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة – رضي الله عنها- فذَكَر لها ما حدَث من المسلمين، فقالت -رضي الله عنها-:" يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرج ولا تكلم أحدًا... حتى تنْحر بُدنَك، وتَدعو حَالِقَك فيحْلقك، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفعل بمشُورتها، فما كان من المسْلمين إلا أن نحَروا، وحلق بعضُهم لبعض، وبذلك حُلَّت المشْكلة.
وقد اختارَ النَّبي – صلى الله عليه وسَلَّم - أسَامة بن زيد الشَّاب الممتلئ بالطموحِ والقدرة- رغم صغر سنِّه- لقيادة الجيش، وكأن النَّبي – صلى الله عليه وسَلَّم -يلفت نظر الأمَّة أجمعين إلى دور الشباب وضرورة تمكينهم، وهو مفهوم بالغ الأهمية، خصوصًا أن بعث أسَامة كمَا يروق للمؤرخين والكُتَّاب أن ينعتوه لم يُصَب منه أحَد بسوءٍ، وعادَ الجيشُ سالمًا غانمًا، حتى قال المسلمون عنه: "ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"
مَكِّن لزَوجتِك في ممَارسَة دَورِها؛ فهْي حَبيبَتك، ونصفُ رُوحِك، وشريكُ حيَاتك، تقَاسمُك الهمُوم كما تقَاسمُك الأفراحَ، تشَاطِرك النجَاحات كما تشَاركك الإخفاقات، وكذلك أبناؤك وبناتُك عوِّدهم المسْؤولية، ومكِّن لهم، ساعتها تجدُ السعادة في ظل بيت يحرصُ كلُّ واحدٍ فيه عَلى التَّعاون والبنَاء، وتَنعَم وينْعم آلُ بيتِك الكِرامُ.
- التصنيف: