الصحراء ورهان الجذب السياحي
هي دعوة لإعادة الاعتبار للصحراء، واستحضارها المتجدد كمدخل للمشروع الحضاري المرجو،واستعادة للهوية العربية المتوازنة التي ترعى بداخلها التنوع الطبيعي والبشري المثير
حميد بن خيبش
قلما تجد لبحث أكاديمي منفذا إلى القلب، لأن العادة جرت أن تُكتب البحوث والدراسات بلغة باردة، مثقلة بالأرقام والمعطيات والخلاصات، لا هم لصاحبها إلا اجتياز عتبة ما. لكن ما يدافع عنه خليف مصطفى غرايبة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة البلقاء الأردنية، في مؤلفه هو طرح يغذيه الاعتزاز بالصحراء، والغيرة على مكون جغرافي يحتل %90 من مساحة الوطن العربي، دون أن يحظى بالأهمية على مستوى خطط الإعمار ومشاريع الاستثمار ليشكل عامل تقارب وتكامل بين كافة الأقطار العربية.
الصحراء هي إقليم يخترق الحدود ولا يعترف بها،وعامل اندماج يُمَكن الدول العربية من مواجهة التحديات ومتطلبات المستقبل، لما تتوفر عليه من تنوع بيولوجي هائل،شريطة تغيير صورتها في الوعي العربي الذي يواصل تمثلها عنوانا للجفاف والندرة والتلاشي، بينما الحقيقة أنها أهم مصادر الثروة في البلاد الإسلامية !
تمتاز هذه الدراسة بمنحاها السلمي والبناء، الذي يبتعد عن إثارة أية حساسية قومية أو طائفية أو تاريخية. كما تسعى لوضع تصور لسياسات التنمية المكانية،حيث الإعمار يعادل تنمية الموارد الصحراوية في مكانها، والمبادرة لتخطيط عربي مشترك يوفر المقومات الأساسية للحياة من مياه جوفية وشبكة مواصلات،للفكاك من شرنقة الأحزمة السكانية الضيقة التي تدير قفاها للصحراء الأم ! فلدى الدول العربية كلها( باستثناء لبنان) مدن صحراوية تشكلت لاعتبارات تجارية في السابق،أو بفضل التوطين الذي انتهجته بعض الحكومات، ويسرته عوائد النفط والثروات المعدنية. وإذا أضفنا المقومات السياحية التي تتمتع بها الصحراء،فإننا سنشهد بكل تأكيد مشروعا تنمويا يتفاعل فيه الأساسان المادي والفكري بشكل مستمر ،بحيث يغذي أحدهما الآخر ويقوي حركته.
تتمتع الصحاري العربية بمقومات جذب متنوعة، تساهم بشكل كبير في إثراء المنتوج السياحي.فهناك مقومات مستمدة من البناء الجيولوجي والتكوينات الصخرية،ومقومات مرتبطة بالتضاريس كالكثبان الرملية والمغاور والواحات، وأخرى ذات صلة بالعنصر البشري، كالطبيعة الإسكانية التي تحيل على المباني التاريخية والمشاهد الأثرية.نذكر على سبيل المثال: آثار تدمر والبتراء،وقصر الحيرة،ومعبد الكرنك، والقصور الصحراوية في المغرب والجزائر. ثم هناك المقومات الثقافية وما تشتمل عليه من عادات وفلكلور ونمط عمراني،وصناعة تقليدية تستثمر خامات البيئة.هذه العناصر التي يتم اليوم تجميعها في مهرجانات ذات صيت دولي، كالجنادرية في السعودية، وجرش بالأردن وغيرها..
إن أكثر من ثلاثين نشاطا سياحيا لا يُستغل منه حاليا إلا القليل. ومنذ 2006 التي اعتبرتها منظمة الأمم المتحدة سنة الصحاري والتصحر، انتقلت الصحراء من كونها فضاء تنعدم فيه الحياة إلى وجهة طبيعية للتنمية المستقبلية،ومكان أمثل للإبداع الثقافي والحضاري، تشهد على ذلك قائمة طويلة من الممالك والامبراطوريات التي تشكلت لحظتها التأسيسية في أعماق الصحراء. وإلى مجال للسياحة المستدامة يحقق الاستخدام الأمثل للموارد مع تخفيف آثار السياحة على البيئة والثقافة،وضمان الفائدة للمجتمعات المحلية.
ومن الأمثلة التي يسوقها الباحث لتحقيق رهان الجذب السياحي نجد :
● أشكال الرياضات الصحراوية، كسباق الهجن، والسفاري،والقفز المظلي،وإقامة المخيمات..
● السياحة الدينية لكون الصحراء تضم مزارات ومساجد ومقابر الصحابة وغيرها ..
● السياحة الاجتماعية حيث توفر المجتمعات القبلية المتماسكة،والعادات الصارمة،والمعايشة اليومية لسمات هذا الفضاء الرحب عوامل جذب تستهوي السياح .
بالنظر إلى الحالة العربية العامة فإن الباحث يسطر مقترحات أولية تعزز موقع الصحراء في الخطط التنموية، لعل أهمها تطبيق نموذج محاور التنمية بين الدول العربية المتجاورة، لما لها من أهمية في ربط مدن الساحل بمدن الداخل الصحراوي. والاستفادة من الموارد الطبيعية في الصحاري التي تشكل مناطق نزاع حدودية،كما هو الشأن بالنسبة للسعودية والكويت اللتين أنهيتا الخلاف حول منطقة محايدة بينهما باقتسام الحقوق الاقتصادية لعائدات نفط حقل الخفجي وحقل وفرة.
إن التصحر الذي يجتاح البلاد العربية لا يمثل ناقوس خطر فحسب،بل هي دعوة لإعادة الاعتبار للصحراء، واستحضارها المتجدد كمدخل للمشروع الحضاري المرجو،واستعادة للهوية العربية المتوازنة التي ترعى بداخلها التنوع الطبيعي والبشري المثير . فالصحراء مظهر جغرافي واصل،يحرس الاندماج و الوحدة ولا يعترف بالحدود!
حميد بن خيبش
كاتب إسلامي
- التصنيف: