دور الآباء في غرس حب القراءة لدى الأبناء

منذ 2021-08-18

ارتبطت الإجازةُ في عقولِ كثير من الآباء باللعب والنوم والكسل والخمول، وتربَّى الأبناءُ على ذلك، فأول ما تأتي الإجازة الصيفيَّةُ تبدو بعضُ العبارات التي يكررها الآباءُ، وقد يكونُ لها دورٌ سلبي في تعزيز المفاهيم السلبيةِ، وتنميتها لدى الأبناء.

ارتبطت الإجازةُ في عقولِ كثير من الآباء باللعب والنوم والكسل والخمول، وتربَّى الأبناءُ على ذلك، فأول ما تأتي الإجازة الصيفيَّةُ تبدو بعضُ العبارات التي يكررها الآباءُ، وقد يكونُ لها دورٌ سلبي في تعزيز المفاهيم السلبيةِ، وتنميتها لدى الأبناء.

 

من هذه العبارات: (خلصت المدرسة؛ العب على كيفك)، أو (الآن تقدر تنام إلى الظهر...)، أو (انسَ كل شيء يتعلق بالمدرسة)، وهذه العباراتُ يَفهمُ منها الطفلُ شيئًا واحدًا، وهو أن أوقاتَ الإجازةِ يجبُ أن نقضيَها في النوم واللعب؛ فترى الابنَ يقضي وقتَ الفراغ الطويلَ في أمور لا تعودُ عليه بالنفع والفائدة؛ بل قد تضرُّه في حياته؛ فيتركُ الآباءُ أبناءهم من غير توجيه أو إرشاد أو رقابة، معتبرين هذه الفترةَ عبارةً عن وقت للراحة والنقاهة، بعد الجهد الكبير الذي بذله الأبناءُ خلال العامِ الدراسيِّ المنصرم، وقد يؤدي هذا الإهمالُ في النهاية إلى انحراف سلوكِ كثيرٍ من الأبناء في هذه الفترة، وسقوطِهم في وحل الفساد والضياعِ، وكان الواجبُ على الآباء في هذه المرحلة أن يجعلوا من أوقات الإجازةِ الطويلة للأبناء فرصةً لمتابعتهم، والجلوسِ معهم، واستغلالِ أوقاتهم ببرامجَ هادفةٍ تُنمِّي الفكرَ، وتنشطُ النفسَ، وتهيئ الطالبَ لاستقبال الدراسة الجديدةِ بنشاط وحيويةٍ، وتقضي على الخمول والكسلِ الذي يشعرُ به الأبناءُ، وتغرسُ فيهم أهميةَ استغلالِ وقت الفراغ بما يطوِّرُ وينمِّي من مهاراتهم العملية والعلمية.

 

ولا يُفهم من حديثنا هذا منعُ الأبناء من اللعب، أو حرمانُهم من النوم بحال من الأحوال؛ ولكن الهدف الأولَ منه تنظيمُ الأوقات، واستغلالُها بالشكل الصحيح، بحيث يكتسبُ الابنُ في الإجازة مهارةً تفيدُه، أو ينمي فكره، أو يغرس قيمةً من القيم، أو يتعلمُ صنعةً، فقضاء الأبناء أوقاتَهم بالنوم والكسل أمرٌ ممقوت، وهو وسيلةٌ لتسلُّط الشيطان، وطريقٌ خِصب لرفقاء السوء، وتنظيمُ الوقت يحميه من ذلك كلِّه، ويُشعرُه بقيمة الوقتِ وأهميته بالنسبة له؛ فقد قال عبدالله بنُ مسعود: "إني لأمقُتُ الرجلَ يبِيتُ يومه لا في عمل دنيا أو آخرة"، وهناك وسائلُ كثيرةٌ يمكن للآباء عملُها لاستغلال وقت الفراغِ لدى الأبناء، ولا تأخذُ من وقتهم وجهدهم إلا القليلَ؛ وهي غرسُ ثقافة حبِّ القراءة والمطالعةِ لدى الأبناء، فنحن أمةٌ تميَّزت رسالتها بأنها بدأت بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} [العلق: 1]؛ إشعارًا للأمة بأهمية القراءة.

 

فالقراءةُ هي مفتاحُ العلوم والمعارفِ، وهي الوسيلةُ الأولى للتطوير الشخصيِّ وتنميةِ الفكر، ونشر الوعي بين الناس، وبالقراءة تتفتحُ مداركُ الذهن وتنمو؛ فالأمةُ التي تقرأُ هي الأمةُ التي تسُودُ؛ فقد قال أحد المفكرين الأوربيِّين: (سُئِلتُ عمن يقودُ الجنسَ البشريَّ، فأجبتُ: الذين يعرِفون كيف يقرؤون)، وهناك وسائلُ كثيرةٌ لكي نغرسَ في أبنائنا حبَّ القراءةِ والمطالعة في الكتب والمجلات النافعةِ، وننشئَ جيلًا تكون القراءةُ جزءًا من شخصيته وكيانِه.

 

من هذه الوسائل التي ينبغي اتباعُها مع الأبناء:

1- أن يكونَ الآباءُ هم القدوةَ للأبناء؛ فالأبناءُ يتعلمون من الآباء الكثيرَ من العلوم والمعارف عن طريق مراقبتهم، ومحاولة تقليدِهم في كثير من الأمور التي يعملونها، فعندما يرى الابنُ الوالدينِ منشغلينِ بالقراءة والمطالعة، يكونُ لديه فضولٌ في تقليدهم والعمل مثل عملهم؛ وكما قيل:

وينشأُ ناشِئُ الفتيان مِنَّا *** على ما كان عوَّدَه أبوه

 

2- تخصيصُ وقتٍ معيَّن للقراءة الجماعيةِ؛ الأبناء مع الآباء:

ولو لساعة واحدةٍ في اليوم، ولتكن على قائمة جدولِ المهام للأسرة؛ فتخصيص ساعة تتشاركُ فيها العائلةُ في قراءة كتاب، أو تصفُّحِ مجلة - يوصِّل رسالةً للأبناء باهتمام الآباءِ بالقراءة، وحرصِهم عليها؛ مما يعززُ أهميةَ القراءة في حياتهم، والأجمل أن يُتركَ الأمرُ للأبناء في تحديد نوع الكتابِ الذي يحبُّون قراءتَه، والساعةِ التي تناسبُهم، والإعدادِ والترتيبِ لها؛ مما يزيد من حرصهم عليها والتشوق لها.

 

3- اختيار الكتبِ المناسبة لعمْرِ الابنِ، والمحبَّبة إليه؛ فعلى الآباء أن تكونَ لديهم قاعدةٌ من البيانات عن ابنهم: (ما هي الأشياء التي يميل إليها؟ وما هي المواضيعُ التي يرغب في طرحها؟ وما هي أهم اهتماماته وهواياته؟)؛ فيُحضرون له كتبًا تناسبُ هذه الاهتمامات، وتنمِّيها بأسلوب شائق ومثير.

 

فينجذبُ الطفلُ إلى قراءة هذه الكتبِ أو المجلات ومطالعتها؛ لأنها تتحدثُ عن شيء يحبُّه ويرغبُ فيه، ومع الوقت سيألفُ الابنُ القراءةَ ويحبها، فخبراءُ التطوير النفسيِّ يقولون: "إنه كي يعتادَ الإنسانُ على أمرٍ ما، ويصبحَ عادة ثابتةً في حياته؛ عليه أن يمارسَه لمدة 21 يومًا".

 

4- التدرجُ في تعويد الأبناءِ على القراءة: فإن الأطفالَ يمَلُّون بسرعة من القراءة؛ فلا ينبغي أن نجبرَهم على قراءة كتابٍ خلال فترةٍ معينة؛ لأن الهدفَ ليس كمَّ الكتبِ التي قرأها الابنُ؛ ولكنَّ الهدفَ هو كيف نغرسُ حبَّ القراءةِ لدى الابنِ بحيث يستمرُّ في القراءة كلَّ يوم ولو لصفحة واحدة؟ فقليلٌ دائم خيرٌ من كثير منقطعٍ، والأجملُ أن نحضرَ الكتبَ التي تحتوي على ورقات قليلةٍ جدًّا، وفيها تصاويرُ ورسوماتٌ، والتي يمكنُ أن يقرأَها الطفلُ خلال فترةٍ قصيرةٍ؛ فيشعر بحلاوة الإنجازِ، ونشوةِ الفوز، فيُقبِلُ على الآخَر، وهكذا.

 

5- إلحاقُ الطفلِ بالمراكز والنوادي الثقافيةِ التي تُعنى بالقراءة والمطالعة؛ فهذه المراكزُ تعتبرُ محاضنَ تربويةً هامة لتنشئة جيل واعٍ مهتمٍّ بالقراءة والمطالعة؛ فيتعرفُ الابنُ على أصدقاء يحثُّونه ويشجعونه عليها؛ فإن الابنَ إذا رأى أقرانًا وأصدقاءَ مبدعين في جانبٍ، فإنه يميلُ إلى منافستهم، والرغبةِ في أن يكونَ مثلَهم أو أحسنَ منهم.

 

6- التشجيعُ والتحفيزُ للطفل بالهدايا؛ والأروعُ أن تكونَ الهديةُ كتابًا يقرؤُه أو يشتريه بنفسه مكافأةً له؛ فعندما يعطَى الطفلُ الكتابَ كهديةٍ ترتسمُ صورةٌ ذهنية بأن الكتابَ شيءٌ له قيمة كبيرةٌ في حياة الآباء؛ لذلك منَحَاه هذه الهديةَ؛ فيزداد شغفه بالكتب والاهتمام بها.

 

وفي الختام أوجِّه رسالةً للآباء: إن الغايةَ والهدفَ ليس أن تنشئَ طفلًا يقرأُ؛ وإنما أن ننشئَ جيلًا يحبُّ القراءةَ، ويحرص عليها، وأن تكون ثقافةُ القراءة جزءًا من شخصيتنا وتكويننا.