حالة العالم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم

منذ 2021-10-09

العالم منذ القديم، كان فيه قوتان كبيرتان عظيمتان هما؛ الدولة الرومانية، وعاصمتها القسطنطينية نسبة إلى إمبراطورها قسطنطين.

العالم منذ القديم، كان فيه قوتان كبيرتان عظيمتان هما؛ الدولة الرومانية، وعاصمتها القسطنطينية نسبة إلى إمبراطورها قسطنطين.

 

والدولة الفارسية وعاصمتها المدائن، لأن كل ملك من ملوك الفرس ويسمى: كسرى؛ كان يبني مدينة إلى جوار المدينة التي كان يسكنها الملك الذي قبله.

 

كانت هاتان الدولتان متحاربتين، وأشهر معركة بينهما "أديداس" التي انتصر فيها الروم على الفرس.

 

حالة العرب:

كانت حالة العرب، قبل مولده - صلى الله عليه وسلم - بحاجة إلى من يصلحها.

 

فالعرب في الجزيرة العربية، كانوا يعبدون الأصنام، حجارة ينحتونها ثم يسجدون لها، وكان أحدهم يأخذ معه حجرًا صغيرًا على هيئة صنم يسجد له، وقد كان مع أحدهم تمر ولم يكن معه صنمه فجعل من التمر على هيئة صنم ثم سجد له، وبعد أن جاع أكله ثم تغوطه.

 

وقد شاهد أحد هؤلاء الجاهليين ثعلبين يبولان برأس صنم فقال:

أربٌّ يبول الثَّعلبان برأسه؟ 

لقد ذل من بالت عليه الثعالب 

 

وكان في العرب عادات أخرى سيئة وأُخرى حسنة، من عاداتهم السيئة شرب الخمر ووأد البنات، وإهانة المرأة، والعصبية، والقتل والسلب... ولكن كان إلى جانب تلك الصفات الرديئة، صفات حسنة منها الكرم والشجاعة والمروءة وحماية الجار وإغاثة الملهوف..

 

ولم يكن لهم في جزيرتهم ملك يجمعهم تحت سلطانه، وينظم أمور جندهم في جيش نظامي، كما كان لدى التبابعة في اليمن والغساسنة في الشام و المناذرة في العراق، كان لكل قبيلة شيخها من أبنائها ن هو كالأب لقبيلته، يدافع عنهم، يجبهم ويجبونه ويطيعون أمره.

 

العرب في أطراف الجزيرة العربية:

العرب في اليمن، كانوا منظمين، لهم جيوش منظمة مدربة على القتال في صفوف نظامية، بينما كانت حروب القبائل في الجزيرة تتبع نظام الكر والفر، كان ملك اليمن يسمى: تُبّعًا، وكان في اليمن حضارة عظيمة، كان فيها سد مأرب، سد عظيم يروي أراضي واسعة جدًا، وقد غرست فيها الأشجار من كل صنف، كانت المرأة تحمل مكتلها وتمر من بين الأشجار، فيمتلئ المكتل بالفاكهة الناضجة دون أن تقطفها بيدها، وكان الجو في اليمن نظيفًا خاليًا من البراغيث والحشرات، كانت اليمن تسمى: بلاد العرب السعيدة، وكان فيه قصر غمدان، مكون من طوابق كثيرة وسقف آخر طابق من زجاج، كان الجالس في آخر طابق يرى الطير في السماء من السقف، ثم تهدم السد، فنزحت كثير من القبائل من اليمن إلى شمالي الجزيرة، ومن هذه القبائل الأوس والخزرج سكنتا في يثرب ثم صار أيمها في الإسلام: المدينة المنورة، وسكن الغساسنة في الشام، والمناذرة في العراق.

 

الغساسنة: نسبة إلى بئر ماء لرجل اسمه غسان، وردت عليه هذه القبيلة التي جاءت من اليمن، ثم ارتحلت إلى الشام وسكنت المزة قرب دمشق، وكان الغساسنة تحت سيطرة الرومان، أشهر ملوكهم الحارث الأعرج، وآخر ملوكهم جبلة بن الأيهم الذي أسلم في زمن الخليفة عم بن الخطاب رضي الله عنه، ثم ارتد جبلة وعاد إلى بلاد الروم، ثم ندم على ردته وصار يبكي.

 

المناذرة: نسبة إلى ملكهم المنذر بن ماء السماء، وهي أمه، كانوا في العراق تحت سلطان الفرس المجوس عبّاد النار، كان الفرس والروم في حرب دائمة، وكانت الجيوش المتحاربة من العرب؛ المناذرة والغساسنة، كان الجند من العرب والقادة أجانب، العرب يقتل بعضهم بعضاَ، والثمرة للأجنبي الروماني و الفارسي.

 

فلما جاء الإسلام وحد الجزيرة العربية وأنقذ الغساسنة من الروم بعد معركة اليرموك في الشام، وأنقذ المناذرة من الفرس بعد معركة القادسية ونهاوند، وامتدت الدولة الإسلامية من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا، في دولة واحدة، لا يحتاج المسافر في هذه البلاد إلى جواز سفر، لأن هذه البلاد كلها دولة واحدة، ليس بينها حدود، لها حاكم واحد هو خليفة المسلمين.

 

وكانت القبائل العربية تعتمد في حياتها على التنقل من مكان إلى آخر طلبًا للمرعى، لأن حياتهم متوقفة على إنتاج الأنعام كالغنم والإبل، فكانت يقوم الحروب المتكررة العنيفة بسبب ذلك، كان شيخ القبيلة يحمي منطقة معينة، فلا يجرؤ أحد على أن يرعى فيها، وكانت عقولهم تثور لأبسط الأمور وتقوم حروب وتجري دماء بسبب ذلك، كحبر داحس والغبراء، وحرب البسوس، وكل حرب من هاتين الحربين دامت أربعين عامًا.

 

هكذا كانت حالة العرب في الجاهلية، سميت بهذه التسمية، لقلة أناتهم، فالجاهلية ضد الحلم.

 

وهكذا كانت حالة العالم قبل الإسلام وقبل مولده صلى الله عليه وسلم، حالة من الفوضى والرعب والخوف الدائم، كان العربي متعصبًا لقبيلته ينصر غيره منهم وقد قال المثل (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) وقال الشاعر زهير بن أبي سلمى:

(ومن لا يظلم الناس يظلم).

 

ولم يعرف العرب ولا العالم الهدوء والأمن والسلام إلا في ظلال الإسلام، في دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

أصبح العربي يعيش في خبائه آمنًا من غارة عليه وهو نائم، وآمن في أغنامه وهو يرعاها لا يخاف أن تأتيه فرسان يقتلونه ويسلبون ماله، ولا تخاف المرأة أن يأتي جيش قبيلة يغيرون عليهم صباحًا فيقتلون الرجال ويسبون النساء.

 

ولما انطلق الجيش الإسلامي للفتوحات، كانت أخلاق هذا الجيش قد عرفتها الدنيا كلها، كانت المرأة في تلك البلاد تخاف على عفتها من أبيها ولا تخاف من هذا الفارس الفاتح، فكانت هذه الشعوب تساعد هؤلاء الفاتحين ضد حكامهم.

 

كل ذلك بفضل الله على العرب وعلى الإنسانية، بهذا المولود الجديد الذي أرسله الله رحمة للعالمين، - صلى الله عليه وسلم.

_____________________________________

الكاتب: د. أحمد الخاني