القدوة الحسنة

منذ 2021-10-14

أخي المسلم، غير خافٍ عليك وأنت تتمتَّع بالعقل والسمع والبصر والعلم والمعرفة، أن الله - تعالى - أوجب طاعتَه وطاعة رسوله، ورتَّب عليها سعادة الدنيا والآخرة، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله، ورتَّب عليها شقاوة الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

مقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي أرسله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فقد قال الله - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}  [الأحزاب: 21].

 

وهذه الآية أصلٌ كبير في التأسِّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر - تبارك وتعالى - الناسَ بالتأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، فتأسوا به في هذه الأمور وغيرها.

 

واستُدلَّ بهذه الآية على الاحتجاج بأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن الأصل أن أمَّته أسوتُه في الأحكام، إلا ما دلَّ الدليل الشرعي على الاختصاص به؛ فالأسوة نوعان: أسوة حسنة، وأسوة سيئة.

 

فالأسوة الحسنة في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن المتأسِّي به سالكٌ الطريقَ الموصل إلى كرامة الله - تعالى - واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف الله، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه - يحثُّه على التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 

وأما الأسوة بغيره إذا خالفه، فهي الأسوة السيئة، كقول المشركين حين دعتْهم الرسلُ للتأسي بهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]، فيجب على كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، ويرجو ثواب الله ويخاف عقابه: أن يتأسى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله، وجميع مجالات حياته، وأن يكون قدوة حسنة لغيره في جميع المجالات، وخصوصًا العلماءَ وطلبة العلم والمنتسبين إليه من القضاة والمدرسين وغيرهم؛ فإنهم قدوة للمجتمع، والناس ينظرون إليهم ويقلدونهم، وكذلك الآباء قدوة لأبنائهم، كما أن المدرسين قدوة لطلابهم، فعلى الجميع لزومُ تقوى الله - عز وجل - والاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيحافظون على الواجبات والمستحبَّات، ويتركون المحرَّمات والمكروهات، فيفوزون بالأجر المرتَّب على ذلك، ويَسْلَمون من الإثم المرتب على ضده، أسأل الله - تعالى - أن يوفقنا وسائر إخواننا المسلمين للتأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يُدخلنا في شفاعته، وأن يوردنا حوضه، ويسقينا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

القدوة الحسنة:

أخي المسلم، غير خافٍ عليك وأنت تتمتَّع بالعقل والسمع والبصر والعلم والمعرفة، أن الله - تعالى - أوجب طاعتَه وطاعة رسوله، ورتَّب عليها سعادة الدنيا والآخرة، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله، ورتَّب عليها شقاوة الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71]، وقال - تعالى -: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

 

وغير خافٍ عليك أنك قدوة لأولادك وأقاربك، ومن يحيط بك، وإذا كنتَ مدرسًا فأنت قدوةٌ لطلابك بأقوالك وأفعالك.

 

وغير خافٍ عليك الشيءُ الذي أوجدك الله من أجله، وما أمرك به، ونهاك عنه، وغير خافٍ عليك الحلالُ والحرام، وأن الحلال ما أحلَّه الله ورسوله، والحرام ما حرَّمه الله ورسوله، وأن الله أحلَّ لنا الطيباتِ النافعةَ، وحرَّم علينا الخبائثَ الضارة؛ رحمةً لنا، وإحسانًا إلينا، فلم يحرِّم علينا ما ينفعنا، ولم يُبِحْ لنا ما يضرُّ بأجسامنا وصحتنا وعقولنا وأموالنا؛ لذا وذاك أذكِّر نفسي وأذكِّر إخواني المسلمين عمومًا بضرورة ملاحظة ما يلي:

1- أن نكون قدوةً حسنة لأولادنا ومجتمعنا بأقوالنا وأفعالنا؛ لنقودَهم إلى الخير والسعادة، ولن يتسنى لنا ذلك حتى نحقِّق القدوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

2- العناية بالقرآن الكريم والسُّنة المطهرة اللذين لن يضلَّ من تمسَّك بهما ولن يشقى.

3- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة؛ فهي عماد الدين، والصلة برب العالمين.

 

4- لزوم تقوى الله - تعالى - بامتثال أوامره واجتناب نواهيه عمومًا، وخصوصًا ما قد وقع فيه أكثر الناس اليوم من:

1- مخالفة السنة بحلق اللحية والأخذ منها، وهي اسمٌ للشعر النابت على الخدين والعارضين والذقن - كما في كتب اللغة - على الرغم من ورود الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بإعفاء اللحية، ونهيه عن حلْقها، وأمرُه للوجوب، ونهيُه للتحريم.

2- عادة التدخين الضار بالدين والبدن، والصحة والعقل، والمال والمجتمع؛ فهو من جملة الخبائث المحرَّمة بنص القرآن الكريم، والمجاهرةُ به من المجاهرة بالمعصية، وقد اتَّفق على تحريمه ومضرته والمنع منه العلماءُ المحققون، والأطباء المعتبرون.

3- تصوير ذوات الأرواح من الآدميين والبهائم؛ وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لعن المصوِّرين، وأخبر أنهم أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة، وأن كل مصوِّرٍ في النار، وهي تعم أنواعَ التصوير بأي وسيلة؛ لما فيه من المشابهة بخلق الله.

4- تبرج النساء وسفورهن، ومخالطتهن الرجالَ، وهن عورة وفتنة؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء»  (رواه البخاري ومسلم وغيرهما).

5- استماع الأغاني الصادة عن ذِكر الله وعن الصلاة، وخصوصًا أغاني النساء الفاتنات المفتونات، وهي تُنبت النفاق في القلب، وتدعو إلى الوقوع في جريمة الزنا؛ لما فيها من وصف الحب والغرام، والهجر والوصال، وتؤثِّر في القلب والإيمان كتأثير السم في الأبدان - عافانا الله والمسلمين من ذلك.

6- لبس الذهب للرجال، وإسبال الثياب والسراويل أسفل من الكعبين، وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ولا يقبل الله صلاة رجل مسبلٍ؛ كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في يد رجل خاتمًا من ذهب، فنزعه وطرحه، وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده»  (رواه مسلم).

 

أخي المسلم:

هذه ملاحظات من أخ لك في الإسلام، يحب لك ما يحب لنفسه، ويكره لك ما يكره لنفسه، فتبْ إلى ربك من هذه الأشياء وغيرها قبل أن تموت.

 

والله ولي التوفيق.

 

نصيحة للشباب [1]

 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه.

 

وبعد:

أيها الشاب المسلم، أدعوك ونفسي إلى إنقاذ أنفسنا ما دام في العمر بقية، وما دامت تُقبل منا التوبة، أدعوك إلى الله - سبحانه وتعالى - والتوبة إليه، بالإخلاص له - تعالى - وطاعته، واتِّباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأذكِّرك بعمود الدين؛ الصلاة، التي تهاون بها أكثرُ شباب المسلمين - هدانا الله وإياهم - حافِظْ عليها في أوقاتها مع جماعة المسلمين في المسجد، وصلِّها بنية خالصة لله وخشوع؛ فإن مَن حفظها وحافظ عليها، كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة من النار، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة، وقد توعد - سبحانه - المتهاونين بها، الساهين عنها بويل، وهو وادٍ في جهنم - والعياذ بالله - أما من تركها بالكلية من المكلَّفين، فإنه كافر خارج عن الإسلام إذا لم يتب ويصلِّ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الكفر تركُ الصلاة» [2]، وقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» [3]، فحافظ عليها يحفظْك الله في الدنيا والآخرة.

 

واحذر أيها الشاب المسلم داءً خطيرًا، ومنكرًا تفشى في المجتمع، ولم ينجُ منه إلا القليلُ، ذلك هو التدخين وما في حكمه من المخدرات والمسكرات، التي أولها عبث، وأوسطها عادة، ونهايتها دمار وعار ونار - والعياذ بالله - أفتى أكثر العلماء من كل مذهب بتحريمه، وأن شاربه وبائعه ومشتريَه عُصاةٌ لله؛ للأدلة الآتية، التي يكفي واحد بتحريمه:

1- ثبت أنه مُفتِّر، يدرِك ذلك من أبطأ عنه لصيامٍ ونحوه، فإنه يصاب بالفتور مدة حينما يشربه، بخلاف المنبهات كالقهوة والشاي، فهي على العكس منه؛ ففي الحديث[4]: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مسكرٍ ومفتر.

2- أجمع الأطباء بأنه ضارٌّ؛ ينشأ عنه أمراض فتاكة، كالسل الرئوي، وسرطان الحلق، والكحة المزمنة، وفساد كريات الدم، ومرض القلب، ويسبِّب موت الفجأة، وفي الحديث: «من قتل نفسَه بشيءٍ عُذِّب به يوم القيامة» [5].

3- النفقة فيه تبذير، وقد سمى الله المبذرين إخوانَ الشيطان.

4- فيه أذى للمؤمنين والمؤمنات الذين لا يدخنون؛ لخبثِ رائحته، وأذيةُ المؤمن بغير حقٍّ من عظائم الذنوب.

5- ما دام أنه كما تقدم، فهو خبيث من الخبائث المحرَّمة بنص الكتاب والسنة، إلى جانب أنه يقرِّب شاربَه من الأشرار، ويباعده عن الأخيار وعن بيوت الله ومجالس الذِّكر، فاستعن بالله يا من ابتُليت بشربه، واتركه وتبْ إلى الله، وابتعد عن شاربيه ولا تجالسهم؛ فإنهم في الحقيقة أعداء لك، وعليك بالأخيار ومجالس العلم، ينوِّر الله بصيرتك، ويشرح صدرك.

 

واحذر أيها الشاب المسلم الانخراطَ في سلك المشجعين في الأندية الرياضية، الذين تستعر بينهم نارُ الجدل والخلاف والسِّباب، ويلطخون أسوار المسلمين بالكتابات والأوساخ ويؤذونهم؛ فإن ذلك الصنع حرام بنص الكتاب والسنة.

 

واحذر عملية الإقدام على اللعب بالسيارات في الشوارع والميادين، وهو ما يسمى بالتفحيط؛ فإن هذه جريمة وذنب يرتكبه فاعلُه في حق المسلمين؛ لما يسببه من إزعاج وأخطار، وحريٌّ أن يستجيب الله دعاءهم عليه، فيهلكه الله - سبحانه - شرَّ مهلك في الدنيا والآخرة - والعياذ بالله - بالإضافة إلى ما يسبِّبه على نفسه وأهله من خطر وتدمير لسيارته.

 

واحذر التشبُّه بأعداء الله من المجوس واليهود وغيرهم، بارتكاب ما ارتكبه أكثر الشباب - هداهم الله - من حلق اللحى، وإطالة الشوارب، وإسبال الملابس، ولبس الذهب، والعكوف على الملاهي المحرَّمة، والنظر إلى الصور الخليعة؛ فإن هذا من أسباب انتكاس القلب وعماه، وجالِبٌ لسخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة - نعوذ بالله من سخطه وأليم عقابه.

 

فالذي أوصيك به ونفسي تقوى الله وطاعته، واحرص مهما أمكن على الزواج المبكِّر؛ امتثالاً لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - وهو الصادق المصدوق المعصوم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجِاء» [6].

 

واحذر دعايات المتفرنجين[7] المنفِّرين عن الزواج المبكر بحُجة إكمال الدراسة أو غيرها؛ فإنهم في الحقيقة دعاةٌ إلى الشرِّ والفساد والرذيلة، شعروا بذلك أم لم يشعروا، وقد جرَّبنا الزواج ونحن في المرحلة الثانوية، فوجدناه أكبرَ عون لنا - بعد الله - على العفاف والسكينة، وراحة الضمير، والتفرُّغ القلبي للمذاكرة، ولا تنسَ أن أي شيء يأمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو الخير في العاجل والآجل، وأن كل شيء ينهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو الشر في العاجل والآجل، أدرك الناسُ الحكمةَ من وراء ذلك الأمر والنهي أم لم يدركوها، ومن لم يؤمن بذلك ويعتقد أنه الحق، فهو ضالٌّ وليس بمؤمن.

 

وأوصيك بتعلُّم كتاب الله العزيز وتلاوته، وتعلُّم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومجالسه الصالحين، والاستعداد للموت وما بعده، وأوصيك بطاعة والديك وبرِّهما، ومخالقة الناس بالخلق الحسن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المشروع.

 

أسأل الله لي ولك التوفيق، وصلى الله على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا.

 


[1] من الشيخ عبدالرحمن الحماد العمر.

[2] رواه مسلم.

[3] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

[4] رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة، وصححه السيوطي والعراقي.

[5] رواه البخاري ومسلم.

[6] رواه البخاري ومسلم.

[7] المتشبهين بالإفرنج، وهم النصارى.