حسن عشرة المسلم لأهل بيته

منذ 2021-11-03

قال ‌أنس بن مالك رضي الله عنه: « «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌فاحشا ولا لعانا ولا سبابا» » [رواه البخاري]

الحمد لله وحده ،وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده.

فما زال فراق الوالد ــ عليه رحمة الله ورضوانه ــ يُنغَّص عليَّ كلَّ عيشٍ أستأنفُهُ ، ويعتريني حزن لا يكاد يفارقني بسب فقده، حتى ولو علا مُحيَّاي بسمة، فإنما أتهرب بها من لوعة الفراق والحزن عليه.

والله المحمود على كل حال .

وأتذكر كلاما قاله الفقيه الظاهري الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله.

فازددت لوعة على فراقه ، ويعتريني حزن لا ينتهي لفقده، والله المستعان. والله أسأله أن يسكنه أعالي الجنان ، وأن يرفع درجته في عليين .

يقول ابن حزم ــ رحمه الله ــ واصفا أثر فراق الأحبة عليه : (ما انتفعتُ بعيش، ولا فارقني الإطراقُ والانغلاقُ؛ مذ ذقتُ طعمَ فراق الأحبة.وإنه لشجى يعتادُني، وولوعُ همٍّ ما يَنفك يطرقُني. ولقد نغَّص تذكُّري ما مضى كلَّ عيشٍ أستأنفُهُ. وإني لقتيلُ الهمومِ في عداد الأحياء، ودفينُ الأسى بين أهل الدنيا. واللهُ المحمودُ على كل حال، لا إله إلا هو ). «رسائل ابن حزم» (1/ 75) وأنا أعيش هذه المعاني التي قالها ابن حزم ، وما حزنت على أحدٍ قبله مثله .

ومن رحمة الله علينا أنه لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب باللسان أو يرحم .

ولو أنه يُفْدَى لكنتُ له الفٍدا *** وأود لو أني سددتُ مقاصده.

وَلَيسَ الَّذي يَجري مِنَ العَينِ ماؤُها ** وَلَكِنَّها نَفسٌ تَذوبُ وَتَقطُرُ.

وإني أستهل الحديث عن والدي ـ عليه رحمة الله ورضوانه ـ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :  «خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي ]

كان الوالد ـ عليه رحمة الله ورضوانه ـ لين الجانب، سهل التعامل، ليناً في غير ضعف، وشديداً في غير عنف، فكان حبيباً مُهاباً، وما كان فظاً غليظاً، وما لعن أحدًا قط ،إنسانًا كان، أو حيوانًا، ، ولا أعلم أنه تعمد أذية إنسانٍ ، وأتذكر قول أبي الجوزاء ــ عليه رحمة لله ــ يوم قال: ما لعنت شيئا قط ، ولا أكلت شيئا ملعونا قط ،ولا آذيت أحد قط .

ثم يعلق الذهبي على قول أبي الجوزاء ، فيقول: انظر إلى هذا السيد ، واقتد به . وله قدوة بنيه صلى الله عليه وسلم قال ‌أنس بن مالك رضي الله عنه: « «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌فاحشا ولا لعانا ولا سبابا» » [رواه البخاري] وكان الوالد مع والدتي ــ رحمهما الله، ونور قبرهما ــ هينا لينا، إذا أعجبه الطعام الذي يُقدم له أكله، وإن عَافتهُ نفسه تركه، من غير أن يعيبه ، أو يُعنف صانعه , وربما تسأله الوالدة ــ عليها رحمة الله ورضوانه ــ أن تأتي بيت أبيها للاطمئنان على أمها (جدتي ) وأخوالي ، فيرحب ولا يرفض صلة منه لها ، وحُسنٍ عِشْرَةٍ. وكانت أمي ـ رحمها الله ـ إذا سألته شيئا تابعها عليه. وكانت والدتي ــ رحمها الله ــ تسأله أن تأتي بيت أختها (خالتي ) فتمكث عندها ليالي من شهر رمضان لكي تصنع البسكويت، وكعك العيد لأبناء خالتي الصغار، وكانوا يفرحون بقدومها ، والوالد ـ رحمه الله ـ لا يتضجر من هذا الأمر طالما أن هذا الأمر يُسعدها. وكان الوالد ــ عليه رحمة الله ورضوانه ــ متصفا بخلقٍ حسنٍ جميلٍ ألا وهو خلق الحِلم ، فكان يَحلُم علي وعلى إخوتي، ولا يعاجلنا بعقوبة إذا أخطأ منا أحد،أو قصر في أمر طلبه منه ، بل يصبر، ويوجه للصواب من غير تعنيف ولا تبكيت .

حتى في توجيهه لنا في أمور العبادة كالصلاة عند الاستيقاظ من النوم كصلاة الفجر ، فكان لطيفا معنا ، معينا لنا على أدائها. وكان الوالد ـ عليه رحمة الله ورضوانه ـ في البيت في مهنة أهله ، فكان يخيط ثوبه ، ويغسله أحيانا ثم يكويه ، وإذا أذن المؤذن للصلاة خرج إلى الصلاة, ويقتدي بذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم. يقول ‌الأسود: « «سألت عائشة، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة» » [رواه البخاري] وكان الوالد ــ عليه رحمة الله ورضوانه ــ حسن الخلق ، طيب المعشر ، عفيف اللسان ، لا يقول الفحش من القول؛ ولا يرضى به ،وأرجو أن يكون له من اتباعه لأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم ،واقتفاء أثره أوفر الحظ والنصيب بهذا الخلق . يقول ‌عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ‌فاحشا ولا متفحشا وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا.»رواه البخاري. وكان يبذل الحنان، والمودة، والإحسان لنا ويعلم أن اللّه يُحب الْمُحسِنِينَ.

فأسال الله أن يُحسن إليه كما أحسن إلينا. وأسأله سبحانه جل في علاه أن يرحمه، ويرضى عنه،ويتقبل منه، ويرفع مقامه، ويُعلي ذكره ، ويحشره مع نبيه صلى الله عليه وسلم.

#فقد_الأحبة_غربة

أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي

باحث شرعي - داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية