مفكرون أم مخربون

منذ 2021-11-13

دعا الإسلام الناس إلى التفكر والتدبر، ولا تخلو سورة فى القرآن الكريم إلا وتحتاج إلى وقفة تأمل وعبرة، مما جعل كثيراً من الغربيين يدخلون فى دين الله- عز وجل- بسبب آية..

دعا الإسلام الناس إلى التفكر والتدبر، ولا تخلو سورة فى القرآن الكريم إلا وتحتاج إلى وقفة تأمل وعبرة، مما جعل كثيراً من الغربيين يدخلون فى دين الله- عز وجل- بسبب آية؛ ولكن للأسف وجدنا بعض المنتسبين إلى الإسلام من بنى جلدتنا نراهم قد هبطوا فى سلم الخرافات والتخريف إلى درجة لا يتوقعها أحد.

فنراهم قد غلفوا عقولهم بأفكار مستوردة تخضع النصوص للواقع وتحاول لى عنق النص من أجل أن يتواءم مع أهوائهم، والأدهى من ذلك أنك إذا قدمت لهم النصيحة جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، بل قالوا: عقولنا غلف، أى غلفنا وبرمجنا عقولنا لكى تستقبل أفكاراً معينة يمليها علينا الأسياد، ولا حيلة لنا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا!!

هذا هو حال المفكرين (المخربين) فى عصرنا وفى كل عصر لا يفقهون حديثاً، حيث صوبوا سهامهم إلى الكتاب والسنة، وذلك فى غياب كثير من العلماء والمسئولين، بل قد يمهد لهم الأذناب الطريق سواء عن قصد أو عن جهل، ويلمعونهم فى الإعلام (المفكر الكبير، العلم العلامة، الجهبذ الذى لا يضارع...) إلى آخر المصطلحات التى لا جمارك عليها، وإذا ردَّ عليهم العلماء الربانيون، قالوا: "إنهم جامدون، متطرفون، رجعيون...".

إننا- الآن- نعيش حرباً ضروساً فاقت حرب الطائرات والصواريخ، إننا نعيش حرب الأفكار، التى تقذفنا فى ثوابتنا وفى أعز ما نمتلكه من قيم وأخلاق، وكل ذلك عن طريق الصنائع البشرية الذين جندوا أنفسهم لخدمة الشيطان وأعوانه، والصد عن سبيل الله.

فى كل يوم تطالعنا الأخبار فى (الصحف، والمجلات، والفضائيات...) بأفكار مسمومة، فبعضهم يقول: الإسلام لا يعرف تعدد الزوجات على الإطلاق بل هو مقصور على اليتامى مستشهداً بقوله تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء: 3]، فهو يقول: القرآن حدد وقال: "فى اليتامى". وهل كانت عائشة وحفصة وغيرهن من أمهات المؤمنين من اليتامى؟! أم أنه يأخذ بالقرآن فقط، فإن كان كذلك فهذه مصيبة أكبر، أم أنه قد سبق العلماء كلهم فى هذا الاكتشاف وهذا الفكر؟!

ولم يكتف هذا (المفكر) بهذه القذيفة التخريبية بل أتبعها بثلاث قذائف وهى: (الطلاق اللفظى لا يقع- ختان الإناث حرام- فوائد البنوك حلالٌ).

وأنا أسأل هذا المفكر وكل مفكر: كيف يطلق الرجل زوجته، إذا كان الطلاق اللفظى (أنت طالقلا يقع؟ هل يطلقها بالكتابة مع أن اللفظ أوثق وأوقع لدى جميع العقلاء من الكتابة؟ أم أنه لا يعترف بالطلاق الذى أوقعه النبى -صلى الله عليه وسلم- على المرأة التى قال لها: الحقى بأهلك؟ أم أنه لا يعترف كذلك بطلاق الصحابة اللفظى، وماذا نفعل- أيها المفكر- إذا استحالت الحياة بين الزوجين؟!.

أما القذائف الأخرى التى تتعلق بختان الإناث وفوائد البنوك فهى قذائف قد أطلقها قبله آخرون، مع أنهم شهدوا بأعينهم الرأسمالية الربوية وهى تترنح وتسقط، وهل الوقت وقت تجريم ختان الإناث وتحريمه- مع أنه لم يقل أحد من العلماء بهذا الرأى وأقل ما قيل فيه أنه مكرمة- وقد شهد العالم كله ما حدث على أرض مصرنا وفى شوارعنا من تحرش جنسي بالفتيات والنساء (وعلى عينك يا تاجر) مما جعل السفهاء الذين لطخوا العالم بالفحشاء والمنكر يحذرون منا.

من نتاج الفكر المنحرف:
1تطاول على الذات الإلهية وعلى الرسول والقرآن:
ومن نتاج الفكر المنحرف ما قامت به كاتبة سورية مقيمة فى الولايات المتحدة بالاسترسال فى التطاول على الإسلام وأهله- على الهواء مباشرة-، وتعرضت للذات الإلهية والرسول- صلى الله عليه وسلم-، وشبهت القرآن الكريم بأنه رواية دينية قديمة، (أى أنه كلام البشر، يخضع للنقد والأخذ والرد)، وهذه المرأة- ومن على شاكلتها- قال فيهم سبحانه وتعالى:
{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *  ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 18-26].

ثم نقول لها: لقد عجز جهابذة العرب فى اللغة أن يأتوا بسورة مثل القرآن أو حتى آية واحدة:
{وَإِنْ كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23]، فالقرآن يقول لهم: {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} وهذا فيه تصريح من المولى بأنهم كاذبون، وهذه المرأة كاذبة، ثم وصفهم الله بالعجز حيث قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] ).
 
ولقد اعترف أرباب الفصاحة- مع شدة عدائهم للإسلام- بأن القرآن كلام الله، وردوا بأنفسهم على كل من قال إنه كلام البشر، قال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه".

بل كان يستخفى كل منهم من صاحبه ليمتع سمعه ووجدانه بسماع القرآن من محمد -صلى الله عليه وسلم- فيجمعهم طريق العودة ويتعاهدون على عدم العودة ولكن يضعفون أمام تأثير القرآن فيعودون مرات عديدة؛ لذا تواصوا بعدم سماعه لئلا يصرفهم عن آلهتهم:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ...} [فصلت: 26] ).

ولما عجزوا عن ذلك أوصوا بإحداث لغو وتشويش عليه: 
{وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] ).

ولقد تمادت الكاتبة فى غيها وتعرضت للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسب ووصفه بالإرهاب ودافعت عن الرسام والناشر الدنماركى صاحب الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الكريم وقالت عن هذا الرسام: إنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه لشجاعته، مع أن الرسول-صلى الله عليه وسلم- كاد أن يقتل نفسه فى دعوته إشفاقاً وخوفاً على الناس جميعا، كي يدخلوا فى رحمة الله، ونزلت الآيات تنهاه عن هذه الفعل:
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] ولقد عدَّ بعض المنصفين الغربيين الرسول-صلى الله عليه وسلم- من أعظم الشخصيات التى عرفها التاريخ، وذلك عندما قرأوا سيرته المفعمة بالرحمة.

2- نقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد:
لقد اقترح بعض المشتركين في "ملتقى الفكر الإسلامي" السابع عشر بالجزائر نقل صلاة الجمعة للمقيمين في أمريكا إلى يوم الأحد! ليجتمع على الصلاة أكبر عدد وقد بنى هذا الكاتب رأيه على المصلحة المزعومة، حيث قال:" أليس هذا الوضع الغريب- يقصد أن الصلاة لا يحضرها أحد- جديراً بأن يرجع فيه إلى رأي الإمام الطوفي، الذي عالج موضوعاً هاماً هو"رعاية المصلحة"؟ وإن لم نعتمد رأي الطوفي، أليس مهماً أن نجتهد في معنى قوله – صلى الله عليه وسلم-:
 «لاضررولاضرار» (صحيح الجامع الصغير وزيادته حديث رقم: 7517).

وقد رد الدكتور عليه القرضاوي بالآتي:
أ- يبدو أن الكاتب لا يعرف – على ما في رأيه من شطط جعله موضع استنكار كل العلماء- قد استثنى العبادات والمقدرات، فلم يجعل لاعتبار المصلحة سبيلاً إليهما ، وجعل المعتمد فيهما على النص.
ب- ماذا تسمي الصلاة المقترحة: صلاة جمعة أم صلاة الأحد؟! وماذا تصنع بالسورة التي سماها القرآن "سورة الجمعة" أتغير اسمها، وتجعلها "سورة الأحد"؟! وماذا تصنع بالأية الكريمة في تلك السورة: 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}  [الجمعة : 9]. أتضع بدل يوم الجمعة يوم الأحد، أم تعتبر هذه الآية منسوخة أم ماذا ترى؟!!

3- صلاة جمعة مختلطة:
ولقد زاد الطين بلة ما فعلته إحدى المتغطرسات حيث قامت بإمامة صلاة جمعة مختلطة فى مارس 2005م وأقامتها فى إحدى الكنائس الإنجيليكانية بنيويورك بعد أن رفضت المساجد استضافتها، وذلك برعاية منظمة تسمى منظمة "اتحاد المسلمين التقدميين" ومنظمة أخرى تدعى "صحوة المسلم" وصاحب ذلك حملة إعلامية واسعة فى أمريكا للترويج لها، وها هى للمرة الثانية تؤم المصلين فى صلاة الجمعة ببريطانيا فى إصرار واضح على مخالفة الشريعة الإسلامية، وقد أصدر مجلس الحقوقيين المسلمين فى أمريكا بياناً جاء فيه "هناك توافق فى الآراء بالإجماع لكامل الأمة أن المرأة لا يمكن أن تؤدي صلاة الجمعة أو إلقاء الخطبة، وأكد المجمع أنه لم يعثر قط فى أى نص فقهي على أدلة تبيح للمرأة ذلك". ويضاف إلى ما قيل أن الشريعة الإسلامية لم تجوز إمامتها فى الصلاة للرجال أو إقامتها لخطبة الجمعة وهذا نستنبطه من مقاصد الشريعة الإسلامية، وإليك البيان:

1- نقول لها: ماذا تفعلين إذا جاءك الحيض فى الصلاة؟!
2- ماذا تفعلين لو طلبك الزوج لحاجته- ولقد أمرت المرأة أن تلبى حاجة زوجها ولو كانت على التنور؟ قد ترد وتقول: تؤم الرجال امرأة غير متزوجة، نقول لها: نفرض أن أباها قد نادى عليها، وتلبية نداء الأب أو الأم فرض، وصلاة الجماعة للمرأة سنة، إذا منعها الأب أو الزوج من أدائها فى المسجد فلا حرج فى ذلك.

3- النساء على عهد الرسول-صلى الله عليه وسلم-   الذى حقق العدل والمساواة بين الناس جميعاً قد جعلهن بعد الصبيان حفاظاً عليهن، وقد قال-صلى الله عليه وسلم-: «خير صفوف النساء آخرها، وشر صفوف النساء أولها» (صحيح الجامع حديث رقم:3310) وهذا بالطبع فى حالة وقوفهن فى الصلاة خلف الصبيان أو الرجال، فما بالك بامرأة تقدمت الصبيان والرجال؟ فهى- إذن- شر الناس بنص حديث النبى -صلى الله عليه وسلم-.

4- كيف يكون وضع المرأة وهى راكعة وساجدة أمام الرجال؟ أليس هذا يخالف الحياء الذى هو شعبة من الإيمان؟
5- إذا جاءت حية أمامها وهى تصلى- وقد أمرنا الشرع بقتل المؤذى حتى فى الصلاة- فماذا تفعل هذه المرأة، التى شبهها الرسول-صلى الله عليه وسلم- بالقارورة، حيث قال:
«رفقاً بالقوارير»؟! وهناك نماذج كثيرة لهذا الفكر العفن، كالذين أنكروا السنة قديماً وحديثاً، وأباحوا زواج المتعة بين الأقليات المسلمة، وأباحوا القبلات بين الشباب والفتيات في وقت تطاولوا فيه آخرون على النقاب وقالوا: إنه ليس من الإسلام وجاءوا بالبهتان والزور، ومن أنكر عذاب القبر ومن ومن ومن...كل ذلك تحت عباءة حرية الفكر الذي يصدره ويستورده المخربون الذين يسمون أنفسهم مفكرين!!

هذه الأفكار المنحرفة جعلت كثيراً ممن يتربصون بالإسلام أن يهجموا بقبضة من حديد على شعائر الإسلام حيث تعتزم مجموعة نادي هالستك التي تضم أكثر من 20 مفكراً سويسرياً وضع خطة عمل لإلغاء حظر بناء المآذن في سويسرا الذي أثار انتقادات على نطاق واسع ودفع المئات للخروج إلى الشوارع في مطلع الأسبوع الجاري في مدن زيورخ وبازل وبيرن.

وحظر بناء المآذن ضربة خطيرة للحريات الدينية وانتهاك لحقوق أقلية تمارس دينها في سويسرا، في عصر العولمة وفي دولة دأبت على دعم حقوق الإنسان وتدعو باستمرار إلى السلام والحوار بين الديانات في العالم.

إن المتأمل في أفكار هؤلاء وغيرهم يجد أنها ركزت على هدم الثوابت الإسلامية وعلى الأسرة الحصن الحصين الذى إذا سقط سقط المجتمع بكل كيانه، وعلى المرأة التي هي نصف المجتمع، وعلى الشباب الذين هم أمل الأمة ومستقبلها ومكمن قوتها.

إنها أجندة تنفذ وتطبق بكل سطورها، أجندة أخذت حقل تجاربها الإسلام وأهله.

إنها لمصيبة كبيرة أن يطعن الإسلام بأيد أبنائه أو يمهد الأبناء لطعنه، إن الكرامة والشرف يرفضان ذلك، كما نرفض أن ينتسب الإنسان إلى دين ويأكل ويشرب باسمه ويعيش في كنفه ثم بعد ذلك يناقضه بأقواله وأفعاله. إننا نطالب كل مسلم وكل غيور على دينه أن يحذر هذه الأفكار المسمومة، التى تزيف الحقائق وتلبس الباطل ثوب الحق، وليعلم كل مسلم أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، كما نطالب الجميع أن يحصنوا أنفسهم بالكتاب والسنة والعلم والإيمان؛ لأن الشيطان وجنوده لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ولا يدعون مجالاً للصد عن سبيل الله إلا وسلكوه، وقد صرح إبليس بذلك- كما حكى القرآن:
{ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17].
___________________________________________________________
الكاتب: 
د. خالد راتب