المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - فضيلة العلم والتعليم

منذ 2021-12-20

الشفقة على المتعلمين, وأن يجريهم مجرى بنيه...بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة, وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا.

فضيلة العلم والتعلم والتعليم:

شواهدها من القرآن قوله عز وجل:  { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}[المجادلة:11]وقال عز وجل {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}   [الزمر:9] وقال تعالى:  {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]

وأما الأخبار: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( العلماء ورثة الأنبياء )

وقال صلى الله عليه وسلم:  «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» .

وقال صلى الله عليه وسلم: ( «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به» ....الحديث)

وقال عليه الصلاة والسلام: ( « الدال على الخير كفاعله» )

وقال صلى الله عليه وسلم: ( « لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله عز وجل حكمة, فهو يقضي بها, ويعلمها الناس , ورجل آتاه الله مالاً, فسلطه على هلكته في الخير» )

وأما الآثار: فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم خير من المال, العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والعلم حاكم والمال محكوم عليه, والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق.

وقال العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد, وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ذللت طالباً فعززت مطلوباً.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها.

وقال ابن المبارك: عجبت لمن لم يطب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة ؟

وقال فتح الموصلي: أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء ثلاثة أيام يموت؟ قالوا: بلى. قال: كذلك القلب إذا منع الحكمة عنه والعلم ثلاثة أيام يموت.

ولقد صدق فإن غذاء القلب: العلم والحكمة وبهما حياته, كما أن غذاء الجسد الطعام, ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم ولكنه لا يشعر به, إذ حب الدنيا وشغله بها أبطل إحساسه.

وقيل لبعض الحكماء: أي الأشياء تقتني ؟ قال: الأشياء التي إذا غرقت سفينتك سبحت معك. يعني: العلم.

وقال بعضهم: من اتخذ الحكمة لجاماً اتخذه الناس إماماً. ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.

وقال الشافعي: من شرف العلم أن كل من نُسب إليه ولو في شيء حقير فرح, ومن رفع عنه حزن.

وقال الزبير بن أبي بكر: كتب إلي أبي بالعراق: عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالاً, وإن استغنيت كان لك جمالاً.

وقال لقمان لابنه: يا بني, جالس العلماء وزاحمهم بركبتك, فإن الله سبحانه يحيى القلوب بنور الحكمة كما يحيى الأرض بوابل السماء.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: كن عالماً, أو متعالماً, أو مستمعاً, ولا تكن الرابع فتهلك.

وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من النافلة.

وقيل أول العلم: الصمت ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل ثم نشره.

وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم.

قيل: كيف ذلك. ؟

قال: لأن آبائهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة.

وقال بعضهم: العلماء سرج الأزمنة, كل واحد مصباح زمانه, يستضيء به أهل عصره.

وسئل ابن المبارك: من الناس ؟  فقال: العلماء.

فلم يجعل غير العالم من الناس, لأن  الخاصية التي يتميز بها الناس عن سائر البهائم هو العلم, فالإنسان إنسان بما هو شريف لأجله, وليس ذلك بقوة شخصه, فإن الجمل أقوى منه, ولا بعظمه فإن الفيل أعظم منه, ولا بشجاعته فإن السبع أشجع منه, ولا بأكله فإن الثور أوسع بطناً منه, ولا ليجامع فإن أخسّ العصافير أقوى على السفاد منه.

إن أدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا, وهذه المعرفة إذا صدقت وغلبت عليه برئ بها من النفاق والرياء.

والعلم حياة القلوب من العمى, ونور الأبصار من الظلم, وقوة الأبدان من الضعف, يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى,...به يعرف الحلال والحرام, وهو إمام والعمل تابعه, يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء,

نسأل الله حسن التوفيق.

آداب المتعلم:

1-طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها.

2- أن يقلل علائقه من الاشتغال بالدنيا.

3- أن لا يتكبر على العلم ولا يتأمر على معلم.

4- أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم.

5- أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله, فإن العلوم بعضها طريق إلى بعض, والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدرج.

6- أن لا يقصد الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران   

العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة:

من المهمات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا, وعلماء الآخرة, ونعنى بعلماء الدنيا علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا, والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها. قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إني لأرحم ثلاثة: عزيز قوم ذل, وغني قوم افتقر, وعالماً تلعب به الدنيا.

وقال الحسن عقوبة العلماء موت القلب, وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة.

وعلماء الآخرة لهم علامات:

فمنها: أن لا يخالف فعله قوله, بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به. قال الله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم }  [البقرة:44]

ومنها: أن تكون عنايته بتحصيل العلم النافع في الآخرة المرغب في الطاعات مجتنباً للعلوم التي يقل نفعها.

ومنها: أن لا يطلب الدنيا بعلمه.

ومنها: أن يكون مستقصياً عن السلاطين فلا يدخل عليهم ألبته مادام يجد إلى الفرار عنهم سبيلاً. بل ينبغي أن يحترز من مخالطتهم وإن جاءوا إليه, فإن الدنيا حلوة خضرة وزمانها بأيدي السلاطين.

ومنها: لا يكون مسارعاً إلى الفتيا بل يكون متوقفاً ومحترزاً ما وجد إلى الخلاص سبيلاً ومنها: أن يكون غير مائل إلى الترفه والتنعم. والتجمل بل يؤثر الاقتصاد

ومنها: أن يظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته, فعلماء الآخرة يعرفون بسيماهم في السكينة والتواضع.

ومنها: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور, وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم.  

وظائف المعلم:

1-الشفقة على المتعلمين, وأن يجريهم مجرى بنيه...بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة, وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا.

2- لا يطلب على إفادة العلم أجراً, ولا يقصد به جزاء ولا شكراً, بل يعلم لوجه الله تعالى وطلباً للتقرب إليه.

3- أن لا يدع من نصح المتعلم شيئاً...فينبه على أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرياسة والمباهاة والمنافسة.

4- أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح. وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ.

5- أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقى إليه ما لا يبلغه عقله فينفره.

                 كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

المقال السابق
المقدمة
المقال التالي
كتاب أسرار الطهارة