إضاءات على القراءة والكتابة
القراءةُ فنٌّ جميل، لهُ أصوله وقواعده وطُرقه وأساليبه، وهي الصفة المشتركة بين العظماء والعباقرة عبر العصور، ونقطةُ البدء والانطلاق نحو كلِّ عملٍ عظيم
هذه إضاءات سريعة من كتابي "أريج المسك" الذي خصَّصت فيه بابًا مستقلًّا لفن القراءة والكتابة؛ حيث تطرقت فيه إلى أهميَّة الكتاب، وأساليب الاستفادة منه، واختيار نوعية الكتب من بين الكمِّ الهائل الذي يُطبع كلَّ يوم، والتنبيه على أهمِّ أسرار الكتابة، والاستعداد لهذه المهمَّة، وتجنُّب الأخطاء الأسلوبية فيها، فإلى هذه الإضاءات.
1- القراءةُ فنٌّ جميل، لهُ أصوله وقواعده وطُرقه وأساليبه، وهي الصفة المشتركة بين العظماء والعباقرة عبر العصور، ونقطةُ البدء والانطلاق نحو كلِّ عملٍ عظيم، فشيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قرأ وكتبَ وألَّف، فأصبحَ موضوع الدراسين والباحثين، وقرأَ وكتبَ وأبدعَ الأديبُ الإنجليزي "شكسبير"، فأصبحَ أشهر من بريطانيا نفسها.
وأفضل ما اشتغلتَ به كتابٌ *** جليلٌ نفسُه حلوُ المذاق
2- في وسع كل واحد منَّا أن يعوِّد نفسه على القراءةِ السَّريعة بالانتقال من النصوص السهلة إلى الصعبة، ففي تاريخ الإسلام علماء عُرفوا بسرعة القراءة، فكان ابن دقيق العيد سريع القراءة، لدرجة أنه كان يختم كل ليلة مجلَّدًا، وقد أقامت بعض الدول المتقدمة صناعيًّا دورات في سرعة القراءة، لتدريب القارئ على التقاط أكبر عدد من الكلمات وقت القراءة.
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ *** وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ
3- مكتبة البيت لم تعد من الكماليات اليوم، بل من لوازم الحياة نفسها وواجبات الأسرة تجاه أطفالها، ولا يمكن لأحد أن يربِّي أولاده دون أن يحيطهم بالكتب، ويحبِّبها إليهم، ويوفِّر لهم ما يناسب مراحلهم العمرية، وأذواقهم الخاصة، دون أن تتعارض مع الشرع والعُرف المعتبر، وبيتٌ بلا كتب كجسد بلا روح، ومكتبة البيت دليل على حُبِّ العلم والحضارة.
وقائلةٍ أنفقتَ في الكتب ما حوت *** يمينك من مال فقلت: دعيني
لعلي أرى فيها كتابًا يدلنــــــــــــي *** لأخذ كتابي آمنًا بيمينــــــــي
4- الكتابةُ رسالة سامية، تحتاج إلى الموهبة والممارسة معًا، وليستْ لها قوالب ثابتة ومحدَّدة، بلْ لكل كاتبٍ أسلوبَه ونكهته وبصمته الخاصة في الكتابة، وهي تمثِّل عقله وجهده وفكره، لدرجة أنها تصبحُ قطعةً منه وعلامة دالة عليه تعكس مكانة الكاتب ومحلَّه من الإعراب، وقيل: عقول الرجال تحت أسنَّة أقلامها.
لكَ القلم الأعلى الذي بشَبَاته *** تُصابُ من الأمر الكُلى والمفاصل
5- ينبغي للكاتب شحذ أدوات الكتابة، ومن أهمِّها الاستكشاف ودقة النظر وقوة الملاحظة، وتوقُّد الذهن، والقدرة على التعبير، كما يجب عليه اكتساب مهارات الإملاء والرسم، والإلمام بالنحو والصرف، وكلما أتقنَ الكاتبُ أدواته وأحسنَ استخدامها، جاءت كتابته متماسكة البنيان، جميلة الشكل، موصوفة بالإبداع والإتقان.
كفى قلم الكتّاب مجدًا ورِفعة *** مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
6- من جمال الكتابة: العنايةُ بجودة الافتتاح وبراعة الاستهلال، بأن يكونَ الابتداءُ لطيفًا حسنًا وقويًّا في نفس الوقت، لكونه أوَّل ما يصافحُ ذهن المتلقي، فكلما كانَ مليحًا ورشيقًا وعزيزًا، كانَ أدعى لجذب القارئ واستمالته إليه، وقال علماء البيان:" أحسنوا معاشر الكتَّاب الابتداءات، فإنَّهن دلائل البيان".
7- من صفات الكتابة الجميلة أن تكتب بلغة سليمة وتعبير جميل، واستخدام جمل واضحة وموجزة، وأن تدعم بالنصوص والشواهد والإحصائيات وأبيات الشعر في حدود المعقول، وأن يخمِّرها الكاتب بمراجعة نقدية فاحصة، ويهذِّبها وينقِّحها قبل أن ينشرها.
8- التكلف والغموض والتعقيد في الكتابة أمرٌ غير محمود، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الكتابة التي لا يقيِّد حريتَها شيءٌ، والتي تجري على قلم صاحبها مَجْرَى الْمَاءِ في النهر، وبين الكتابة المثخنة بجراحات التكلُّف؛ إذ لَيسَت النائِحةُ الثكلى كالنائحةِ المُستأجَرة، وليس الورْدُ الطبيعي، مثل ورود (الواتساب) التي لا رائحة لها ولا طعم.
________________________________________________________
الكاتب: د. سعد الله المحمدي
- التصنيف: