الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)
قال القاضي: معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه.
قال المصَنِّفُ:وذكر ابن وضاح[1]، عن أيوب[2] قال: كان عندنا رجل يرى رأيًا، فتركه فأتيت محمد بن سيرين[3] فقلت: أشعرت أن فلانًا ترك رأيه؟. قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله، «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون إليه»[4].
قوله: (يرى رأيًا): أي: من رأي الخوارج، والله أعلم.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين»: قال النووي في "شرح مسلم" (13/173): قوله صلى الله عليه وسلم: «يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية».
وفي الرواية الأخرى: «يمرقون من الإسلام»، وفي الرواية الأخرى: «يمرقون من الدين».
قال القاضي: معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه.
والرمية: هي الصيد المرمى، وهي فعيلة بمعنى مفعولة.
قال: والدين هنا هو الإسلام، كما قال ـ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19].
وقال الخطابي: هو هنا الطاعة أي: من طاعة الإمام؛ اهـ.
هل الخوارج كفار؟
قال النووي ـ عقب كلامه السابق ـ: وفي هذه الأحاديث دليل لمن يكفر الخوارج.
قال القاضي عياض: قال المازري اختلف العلماء في تكفير الخوارج. قال: وقد كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالًا من سائر المسائل.
ولقد رأيت أبا المعالي، وقد رغب إليه الفقيه عبد الحق ـ رحمهما الله تعالى. في الكلام عليها، فرهب له من ذلك واعتذر بأن الغلط فيها يصعب موقعه؛ لأن إدخال كافر في الملة، وإخراج مسلم منها عظيم في الدين.
وقد اضطرب فيها قول القاضي أبي بكر الباقلاني، وناهيك به في علم الأصول، وأشار ابن الباقلاني إلى أنها من المعوصات؛ لأن القوم لم يصرحوا بالكفر، وإنما قالوا أقوالًا تؤدي إليه.
وأنا أكشف لك نكتة الخلاف وسبب الإشكال، وذلك أن المعتزلي مثلًا يقول: إن الله تعالى عالم، ولكن لا علم له، وحي ولا حياة له، يوقع الالتباس في تكفيره؛ لأن علمنا من دين الأمة ضرورة أن من قال أن الله تعالى ليس بحي ولا عالم كان كافرًا، وقامت الحجة على استحالة كون العالم لا علم له، فهل نقول أن المعتزلي إذا نفى العلم، نفى أن يكون الله تعالى عالِمًا، وذلك كفر بالإجماع، ولا ينفعه اعترافه بأنه عالم مع نفيه أصل العلم، أو نقول: قد اعترف بأن الله تعالى عالم وإنكاره العلم لا يكفره، وإن كان يؤدي إلى أنه ليس بعالم، فهذا موضع الإشكال، هذا كلام المازري.
ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه العلماء: أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية، وجماهير المعتزلة وسائر أهل الأهواء.
قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وهم طائفة من الرافضة يشهدون لموافقيهم في المذهب بمجرد قولهم، فرد شهادتهم لهذا لا لبدعتهم، والله أعلم؛ اهـ.
[1] في كتاب "البدع" برقم (154) قال: حدثنا أسد، حدثنا حمزة، عن أيوب به، وهو حسن إليه.
[2] هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون ع.اهـ من "التقريب" (ص117).
[3] هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة عشر ومائة ع.اهـ من "التقريب" (ص483).
[4] هذه القطعة جزء من حديث أبي ذر س، عند "مسلم" برقم (2469).
______________________________________________________
الكاتب: فواز بن علي بن عباس السليماني
- التصنيف: