أبناؤنا والصلاة وتنبيه في أيام الامتحانات

منذ 2022-01-28

إنَّ أوْلادَنا هِبةٌ وهَبها الله - تعالى - لنا، وهُم رَياحِين الحياة، وفلذات الأكْباد، ومع ذلك فهُم أمانةٌ بين أيدينا، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته...

إنَّ أوْلادَنا هِبةٌ وهَبها الله - تعالى - لنا، وهُم رَياحِين الحياة، وفلذات الأكْباد، ومع ذلك فهُم أمانةٌ بين أيدينا، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهْلِه ومسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» الحديث.

 

وقد أوصى الله - تعالى - الأبوَيْن بهم خيرًا، وأمَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحُسْن رعايتهم وتأديبهم ورحمتهم.

 

والمؤمن دائمًا يَدعو ربَّه: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، ويتمنَّى المؤمن ألاَّ يَنقطع عمَلُه مِن العَقِب الصالح، كما جاء في الحديث: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا مِن ثلاث: إلا مِن صدقة جارية، أو عِلْمٍ يُنتفَع به، أو ولَد صالح يدعو له».

 

قال الأحنف بن قيس يعظُ معاويةَ - رضي الله عنه - في فضْل الولد: "يا أمير المؤمنين، هُم ثِمار قلوبنا، وعِماد ظُهورنا، ونحن لهم أرضٌ ذليلة، وسماء ظَليلة، وبِهم نَصُول على كلِّ جليلة، فإن طَلبوا فأعْطِهم، وإن غضبوا فأَرْضهم؛ يَمْنحوك وُدَّهم، ويحبُّوك جهْدَهم".

 

ويقول الإمام الغزالي: "الصبيُّ أمانةٌ عند والدَيْه، وقلْبُه الطَّاهر جوهرةٌ نفيسة، فإنْ عُوِّد الخيرَ وعُلِّمه، نَشأ عليه، وسَعِد في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشرَّ وأُهْمِل إهمالَ البهائم شَقيَ وهلك، وصيانته بأن يؤدِّبه، وأن يهذِّبه، وأن يعلِّمه محاسن الأخلاق".

 

عباد الله:

وإنَّ أعظم صُوَر تأديب الأولاد تعليمُهم الصلاةَ، وغرْسُ محبَّتها في قلوبهم؛ ليقوموا بحقوقها خيرَ قيام؛ قال - تعالى -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].

 

وقد نبَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأبوين إلى ضرورة ربْط صِلَة الأولاد بالله - تعالى - في سِنِّ الطفولة المبكِّرة، عند سن السابعة؛ لأنَّ ذلك أدْعَى أنْ يشِبَّ الأولادُ على محبَّة الله، والحرص على الصلاة، وإدراك أسرارها وفضائلها الكثيرة، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبْعٍ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع».

 

وقد خصَّص - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثلاثَ سنوات متواصلةٍ لتأصيل أمْر الصلاة في نفوس الأولاد، ويكرَّرُ طلَبُ الصلاة من الطفل باللِّين والرِّفْق.

 

ولو نظَرْنا إلى الأمر بها في هذه الفترة بنظرة حِسابية، نجد أنَّ عدد تَكْراره يَصِل إلى أكثرَ مِن خمسة آلاف وثلاثمائة أَمْر بالصلاة؛ مما يُرسِّخ أنَّ تربية الأولاد عليها مَطْلب مهِمٌّ لإعداد الفرد الصالح والأسرة الصالحة.

 

وإنَّ مِن الخطوات التي تساعد على تَحبيب الصِّغار مِن البنين والبنات في الصَّلاة والحِرص عليها - أمورًا، منها:

أوَّلاً: الرِّفْق بهم؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إذا أراد الله - عزَّ وجلَّ - بأهْل بيت خيرًا، أدْخَل عليهم الرِّفق»؛ ر (واه الإمام أحمد) ، و«الرِّفق ما كان في شيء إلا زَانه، وما نُزع من شيء إلا شَانَه».

 

ثانيًا: أن يَحرص الوالدانِ على تربيتهم التربيةَ الإيمانيةَ؛ مِن استشعار مراقبة الله وخشيته، ورجاءِ ثوابه، والخوف من عقابه، وفي حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع ابن عبَّاس، وتعليمه له وهو صبي - درْسٌ عمَلي لكل أبوين.

 

فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كنتُ خلْفَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا فقال: «يا غلام، إني أعلِّمك كلماتٍ: احفظ الله يحفَظْك، احفظ الله تجِدْه تُجاهَك، إذا سألْتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلَمْ أنَّ الأمة لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيء لم يَنفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لَم يضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصُّحف»؛ ر (واه الترمذي) .

 

ثالثًا: أنْ يكون الأبوان قدوةً صالحةً لأولادهم في الحرص على الصَّلاة في أوَّل الوَقْت، والعناية بالسُّنَن والنَّوافل المرتَّبة مع الفرائض، فإذا اعتاد الأولادُ رؤيةَ الآباء يُسارعون إلى تَرْك أيِّ عمل على أهميته، والمسارعة إلى الصلاة بعد كلِّ أَذان، فسيرسخ في قلوبِهم الصَّغيرةِ أهمية الصلاة وإدراك فضلها.

 

ومع ذلك فقد طالَبَنا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأداء النَّوافل والمستَحَبَّات في المنْزل، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا قضى أحدُكم الصَّلاة في مَسجده، فَلْيجعل لبيتِه نصيبًا من صلاته؛ فإنَّ الله جاعِلٌ في بيته مِن صَلاته خيرًا»؛ (رواه مسلم) ، وفي رواية: «اجعلوا في بُيوتِكم مِن صَلاتكم، ولا تتَّخِذوها قبورًا»؛ (رواه البخاري) ، فحينما يرى الطِّفلُ والده ووالدته يصلِّيان، فإنَّه سوف يقلِّدهما، ويَنشأ على ذلك.

 

رابعًا: تعليم الطفل أحكامَ الطهارة، والتدرُّج فيها؛ مِن أهمية التحرُّز من النجاسة، والاستنجاء، إلى آداب قضاء الحاجة، وضَرورة المحافظة على نظافة جِسمه وملابسه، مع شرْح علاقة الطهارة بالصلاة، ثم تعليمه الوضوء وتدريبه على ذلك عمليًّا، كما كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يَفعلون مع أبنائهم، مع تعليمه الفاتحة وبعض قصار السور؛ استعدادًا للصلاة.

 

كما نحثُّه على الخشوع وحضور القلب، وقلَّة الحركة في الصلاة، وعدم التسرُّع في أدائها ونقْرها نقْرًا، ويربط هذا بأحاديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كقوله - عليه الصلاة والسلام -: «أسْوَأُ الناس سرقةً الذي يَسرق مِن صَلاته» قالوا: يا رسول الله؛ وكيف يسرق من صلاته؟! قال: «لا يتِمُّ ركوعها ولا سجودها»، أو قال: «لا يُقِيم صُلْبه في الركوع والسجود»؛ (رواه الإمام أحمد والدَّارمي) .

 

كما يجب أن نبيِّن له حرمةَ ترْك الصلاة، وعقوبةَ تاركها، ونعلِّمه أحكام صلاة الجماعة وصلاة السُّنن، كل ذلك - عبادَ الله - بأسلوب التدرُّج، ولا نُكثر عليه فيمَلَّ ويسأم؛ وإنَّما نبدأ بالأهم فالأهم.

 

كما يَنبغي تشجيعه كلَّما حافظ على صلاته، ونعرِّفه بين يدَيْ مَن سيقف في الصلاة، فيتعلَّم مراقبة الله في صلاته، وندْعوه إلى الإخلاص لله؛ لأنه لا يقبل مِن العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، ونزرع في قلبه الطَّاهرِ مراقبةَ الله وحده.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6].

 

فاتَّقوا الله - عباد الله - واعلموا بأننا مقْبِلون على مَوسم الامتحانات الدراسية لأبنائنا وبناتنا الطلاب، فحرِيٌّ بالوالدين أن يكونوا عونًا لأبنائهم في مُذَاكرتهم وتَهيئة ما يناسبهم، وأن يَزْرعوا فيهم التَّفاؤل مع الجِدِّ في التحصيل، وأنْ ينظِّموا أوقاتهم، ويُبْعدوا عنهم الشَّواغل التي تَستهلكها من غير فائدة.

 

ومما تجدر الإشارةُ إليه بشهادة الواقع، وتتَبُّع كثير من رِجال التربية والتعليم في أيام الامتحانات - أنَّ الفترة التي تَعْقب أداءها مِن أصعب ما يمرُّ بالفتى المُراهق والشابِّ اليافع؛ إذْ يَجد فيها الطُّلاَّب مِن الفراغ وانشغال الأهل عنهم ما قد يتعلَّمون فيه مِن الفساد الشيءَ الكثير، وقد يُؤْذون أنفسهم بتنقُّلهم في الطُّرقات، أو يَكتسبون شيئًا من سيِّئ الأخلاق والعادات.

 

ومِن هنا، فالحرْصَ الحرصَ على العناية بأبنائنا في هذه الفترة المهمة، والقيام بمتابعتهم؛ حفاظًا على صَلاحهم وسلامتهم مِن كل سُوء ومكروه.

 

نَسأل الله بمَنِّه وكرَمِه أنْ يَحفظهم، وأن يوفِّقهم في اختباراتهم، ويكلِّل اجتهادهم بالتفوُّق والنجاح.

 

هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرسول الأمين محمد بن عبدالله.

______________________________________________
الكاتب: فيصل بن عبدالله البرغش