حادثة الطفل ريان دروس وعبر

منذ 2022-02-18

لقد اتحد أهل القلوب الحية من البشر جميعًا لمدة ستة أيام اتحادًا مشاعريًّا وهم يراقبون عن كثب صحة الطفل وجهود البشر لإنقاذ ريان والجميع يدعون الله أن ينقذه من البئر، ويعيشون لحظة بلحظة مشاعر والديه واقاربه الذين فارق النومُ جفونَهم وجفت مآقيهم من الدمع.

عباد الله:

لقد اتحد أهل القلوب الحية من البشر جميعًا لمدة ستة أيام اتحادًا مشاعريًّا وهم يراقبون عن كثب صحة الطفل وجهود البشر لإنقاذ ريان والجميع يدعون الله أن ينقذه من البئر، ويعيشون لحظة بلحظة مشاعر والديه واقاربه الذين فارق النومُ جفونَهم وجفت مآقيهم من الدمع.

 

حقيقة كانت أيامًا مؤلمةً.

 

عباد الله:

في اليوم السادس اقتضت حكمة الله ورحمته أن يموت الطفل وينتقل إلى جوار ربه، نسأل الله أن يجعله شافعًا لأهله وللمسلمين جميعا، كما نسأله سبحانه أن يجبر مصاب أهله ومصابنا، وبموت الطفل ريان لم تنتهِ الحادثة إلا وقد تعلم العالمُ من هذه الحادثةِ دروسًا وعبرًا واتخذوا جملة من القرارات وفتحت بهذه الحادثة أسواق وتغيرت بها أحوال وأعاد كلُّ فردٍ عاش الحدثَ حساباته وأخذ احتياطاته، وزادَ بالحادثة حسناتُ أقوامٍ وزاد بها سيئاتُ أقوامٍ، ورزق اللهٌ بها أقوامًا وأيقظ اللهُ بها آخرين من غفلتِهم.

 

عباد الله:

وأنتم تتذكرون حادثة الطفل ريان: تدبروا معي قولَ اللهِ سبحانه وتعالى حين يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155 - 157]:

 

وتدبروا معي قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216][1].

 

وتدبروا قول الله سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] [2].

 

وتدبروا قول الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]

 

وتدبروا حكمة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء أفضل الصلاة والسلام فيما أخبرنا الله به حين يقول: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49].

 

عباد الله:

يجب ألا تمر حادثة الطفل المغربي ريان مرورًا بدون تدبر، فاللهُ سبحانه وتعالى جعل لنا عقولًا وإدراكًا لنتعلمَ من الحوادثِ الماضيةِ ونعلمَ أنفسَنا وأجيالنا كما تعلمنا، وإليكم جملة من الدروس والعبر التي تعلمتها من حادثة الطفل ريان:

1. يجب علينا عند نزول المصائب أن نتأدب بآداب الإسلام فنقول الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون لتنزل علينا رحمات الله وصلواته ونكون من المهتدين.

 

2. يجب علينا أن نعود أنفسنا على الصبر فإن الصبر بالتصبر.

 

3. يجب علينا جميعا أن نقف مع المصابين حين محنتهم وقوفا ماديًّا ومعنويًّا قال النبي محمد ﷺ: فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ (رواه مسلم) ، وقد وقف الضمير العالمي مع ريان وأهله وقوفًا مشرِّفًا، من خلال الدعم والمساندة قبل موته والمواساة والتعزية بعد مماته والمساندة المادية والمعنوية لأسرته.

 

4. أن كل ما يقدره الله هو خير لنا، تدبروا حديث النبي محمد ﷺ عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ»؛  (رواه مسلم) [3].

 

5. يجب علينا أن نؤمن أن الله ينزل المصائب والأزمات والأمراض والفتن لحكم منها:

    • رفع درجات المسلمين.

      • اختبار درجات إيمان المسلمين.

        • تمحيص الذنوب والخطايا.

          • عقوبة المذنبين وتنبيههم لعلهم يرجعون إلى الله ويتوبون، قال الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21].

            • تعذيب الكفار والذين يحاربون الله ورسوله عمدًا.

               

              6. يجب علينا أن نتدرب على مهارات إدارة الازمات ومن أهم مهاراتها:

              • إنشاء إدارات مخصصة لإدارة الازمات في كل منشأة.

               

              • دراسة أسباب الحوادث ومراحلها ونتائجها دراسة وافيه وتوثيقها في وثائق وتخزينها في وسائط وإتاحتها لكل من يحتاجها.

               

              • توقع الحوادث قبل حدوثها ورصد مؤشراتها وتجهيز منظومات المراقبة والاستشعار وتحديد وسائل اتصال مجاني للتبليغ عن أي خطر وتوثيق التوقعات التنبؤ والبلاغات، ووضع خطط وإجراءات تمنع الحدوث وتحديد خطط مسبقة للإجراءات والتدابير اللازمة لإدارة الأزمة لمنع الخسائر أو تقليلها إلى أقل حد ممكن ووضع خطط للإجراءات ما بعد الحوادث وطباعتها وتخزينها ونشرها للمجتمع كافة.

               

              • محاولة منع حدوث الأزماتِ قبل حدوثها وفي مثل حادثة الطفل ريان يجب علينا جميعا أن نقف مع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالتبليغ عن الآبار والإرتوازات المكشوفة والحفر وفتحات الصرف الصحي داخل المدن والقرى وفي الأماكن العامة والحدائق والمتنزهات ويجب التبليغ عن المطلات الخطرة وأماكن تجمع المياه والسيول والشواطئ وغيرها من خلال التطبيق المخصص لذلك والاتصال والمتابعة من خلال الرقم المجاني (٩٣٩)، واعلموا أن إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» (متفق عليه)

               

              • تحديد الأدوات والمعدات والأجهزة اللازمة لمعالجة وحل الازمة وجعلها متاحة وجاهزة وتخزينها في مكان مناسب وتدريب العنصر البشري على طريقة استخدامها وعمل تجارب قبلية وبرامج محاكاة لكيفية استخدامها والتأكد من سلامتها وجاهزيتها للعمل.

               

              • تحديدُ السلوكِ الأمثل خلالَ حدوثِ الازمةِ سواءً لأطرافِ الازمةِ أو لمن يكون خارجها بالتفصيل وطباعة ادلة إرشادية لذلك.

               

              • تحديد السلوك الأمثل بعد حدوث الازمة وطباعة ادلة إرشادية إجرائية لضحايا الازمة وبيئة الازمة وظروفها المكانية والزمانية.

               

              • تسجيل نتائج الازمات وإعادة كتابة اسباب وإجراءات إدارة الازمات ونتائجها وتطويرها وتحديثها باستمرار وفق المستجدات، وتخزينها واتاحتها لكل احد واستثمارها.

               

              7. يجب علينا أن نتصدق دائمًا بنية دفع الضرر والمصائب عنا وعن أولادنا ومجتمعنا، تدبروا قولَ اللهِ سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10].

               

              8. يجب علينا أن نلجأ إلى الله وحده عند الأزمات وأن ندعوه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ونتوسل إليه بصالح أعمالنا وبالاستغفار والتوبة والإقلاع عن الذنب وسينجينا الله؛ قال الله تعالى مخبرًا عن نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام وهو في بطن الحوت: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، وقال اللهَ تعالى يخبر عن نبيِّ الله أيوب: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 83 – 84].

               

              وتدبروا خبر نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 76، 77].

               

              9. يجب علينا دائمًا أن نتحصن بالعمل الصالح وطاعة الله والبعد عن المعاصي والمنكرات، ويجب علينا أن نتحصن بالأدعية والأذكار التي أمرنا بها، فالحوادث من قدر الله والدعاء من قدر الله، تدبروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ»؛ رواه الترمذي (2139)، وحسنه الألباني[4].

               

              ......


              [1] https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura2-aya216.html

              [2] https://www.alukah.net/sharia/0/114739/

              [3] https://binbaz.org.sa/audios/2132/13

              [4] https://www.google.com/amp/s/islamqa.info/amp/ar/answers/264354

              ___________________________________________________________
              الكاتب: لاحق محمد أحمد لاحق