القلق وعلاجه

منذ 2022-06-26

إن مثيراتِ القلق لها أسبابٌ كثيرة، جامع القول فيها أنها غالبًا ما تتعلق بالخوف من المجهول أو المستقبل؛ كخوف الطالب وقلقه من الامتحان، وخوف الوالدين على أولادهما عند مرضهم وغيره، والخوف من الموت، ونحو ذلك.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إن مثيراتِ القلق لها أسبابٌ كثيرة، جامع القول فيها أنها غالبًا ما تتعلق بالخوف من المجهول أو المستقبل؛ كخوف الطالب وقلقه من الامتحان، وخوف الوالدين على أولادهما عند مرضهم وغيره، والخوف من الموت، ونحو ذلك.

 

وهذا القلق يكون محمودًا ومندوبًا إليه إذا كان وسيلة لدفع الإنسان إلى العمل الصالح، ويكون مذمومًا إذا تعدى حدوده، وعطل المرء عن العمل والاجتهاد.

 

لعلاج القلق سبل كثيرة، من أهمها:

1- حسن التوكل على الله تعالى، واليقين بأن المرء لا يصيبه إلا ما كتب الله له؛ قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف»؛ (رواه الترمذي وغيره).

 

2- الإحسان إلى الناس بالقول وبالفعل، فبهذا الإحسان يدفع الله عن المحسن الهم والغم، وللمؤمن منه أكمل الحظ والنصيب في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].

 

3- الاشتغال بعمل من الأعمال، أو بعلم من العلوم؛ لأن إشغال النفس بما يفيد يجنبها الانشغال بما لا يفيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله عز وجل»؛ (رواه أحمد وغيره).

 

وهذا يعني دوام الانشغال بالذكر؛ مما يضيق الفرصة للتفكير في غيره مما يعرض لك.

 

4- المداومة على الأذكار الشرعية المأثورة من الكتاب والسنة؛ لأن الذكر سبب من أسباب طمأنينة القلب؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 

ومما لا ريب فيه أن قراءة القرآن من أفضل العبادات والأذكار التي يحسن بالمسلم أن يتعاهدها، وأن يشغل نفسه بها، قال الله عز وجل: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، وقال: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10، 12].

 

5- الاهتمام بعمل اليوم، وقطع القلب عن الخوف من المستقبل، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الهم والحزن، فقال: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال»، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردُّها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل.

 

6- الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه»، قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: «ما شئت»، قلت: الربع، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير»، قلت: فالنصف، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير»، قلت: فالثلثين، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير»، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذًا؛ تكفى همك، ويغفر لك ذنبك»؛ (رواه الترمذي، وأحمد وغيرهما).

 

أما عن السور التي تُقرأ من القرآن بصورة متتابعة في الأيام والليالي؛ فقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الحث على تلاوة القرآن الكريم كله، والنهي عن هجره؛ كقوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: 91، 92]، وقوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45]، وقوله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].

 

فهذه الآيات تأمر بقراءة القرآن كله، وتحذر من هجره، وقد ورد الحث على قراءة سور أخرى أيضًا؛ مثل: قراءة الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والكهف، والكافرون، والإخلاص، والمعوِّذتين، وغيرها.

 

قال صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة»، قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة؛ (رواه مسلم في صحيحه).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه»؛ (متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه).

 

وقال صلى الله عليه وسلم عن الفاتحة: «والذي نفسي بيده، ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته»؛ (رواه الترمذي، وأصله في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

 

وعن ابن مسعود أيضًا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "ألم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»؛ (صحيح رواه الترمذي).

 

وأخرج الترمذي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سورة الملك: «هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر»؛ صححه الألباني في السلسلة، وحديث: «إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك»؛ (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني).

 

وروى أحمد والترمذي عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ (ألم تنزيل)، وتبارك الذي بيده الملك"؛ صححه الألباني.

 

وقد روي حديث في فضل قراءة سورة الواقعة كل ليلة، ولم يصح.

 

هذا، ويُسَنُّ المحافظة على قراءة السور التي ورد الحثُّ على قراءتها كل ليلة، مما صحَّت به الأحاديث على النحو الذي أسلفناه، وإذا أردت أن تقرأ غيرها فالقرآن كله مأمور بقراءته، وكلُّه خير.

_________________________________________________________

الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري