الفوز بالجنة والنجاة من النار أعظم مطلوب

منذ 2022-10-16

تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ}، وما توحيه هذه اللفظة {زُحْزِحَ}، من المعاني العجيبة ففيها من الثقل والشدة ما ليس في غيرها، فيقال: (فلان لا يتزحزح عن موقفه)، إذا كان ثابتًا عليه.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].

 

تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ}، وما توحيه هذه اللفظة {زُحْزِحَ}، من المعاني العجيبة ففيها من الثقل والشدة ما ليس في غيرها، فيقال: (فلان لا يتزحزح عن موقفه)، إذا كان ثابتًا عليه.

 

وفيها التكرارُ الذي يكون في وزن (فَعْلَلَ)، ك (دمدم) و (كبكب)، إذا تكرر الفعلُ والزَّحْزَحَةُ تَكْرِيرُ الزَّحِّ، وَالزَّحُّ هُوَ الْجَذْبُ وَالْإِبْعَادُ، وهو فعلُ يوحي بتلك الشدة، وذلك الثقل، ويتجلى هذا المعنى فيما رواه البخاري ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ»[1].

 

وسبب ذلك لزوم كثير ممن هذا حالهم للذنوب والمعاصي، مع علمهم أنها ربما تكون سبب ورودهم النار، ومع ذلك يلازمونها ملازمة الغريم لغريمه، ولا يريدون عنها حِولًا، حتى إن أحدهم يزحزح عنها فلا يتزحزح.

 

وفيها أيضًا معنى الجَذْبِ بِسُرْعَةٍ، فإنَّ الزَحَّ هو الجَذَبُ بِسُرْعَةٍ؛ لذلك يستشعر أَهْلُ الْجَنَّةِ تلك المنة فيقولون: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27].

 

ثم تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى بعدها: {وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ}؛ لأن سعادة العبد لا تتم يوم القيامة بمجرد الزحزحة عن النار، فقد يزحزح عنها فينجو من لهيبها، ولكن يلفحه حرها، ويؤذيه ريحها؛ كما يقول آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةِ وخروجًا من النار: "يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ"[2].

 

فلا تكتمل سعادتُه إلا بدخولِهِ الْجَنَّةَ، لذلك ذكر الله تعالى بعدها الْجَنَّةَ، ليبين للعبدِ عظيمَ فضلِهِ، وسابغَ إحسانِهِ، وسعةَ رحمتِهِ.

 

ثم تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى بعدها: {فَقَدْ فَازَ}؛ لأن الفوز أعظم مطلوب، ومن فازَ فقد نَالَ مُبْتَغَاهُ مِنَ الْخَيْرِ.

 


[1] رواه البخاري - كِتَابُ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 30] الرَّاجِعُ المُنِيبُ، حديث رقم: 3426، ومسلم - كتاب الْفَضَائِلِ، بَابُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ، حديث رقم: 2284.

[2] رواه البخاري - كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 23]، حديث رقم: 7437، ومسلم - كِتَابُ الْإِيمَانَ، بَابُ مَعْرِفَةِ طَرِيقِ الرُّؤْيَةِ، حديث رقم: 182.

______________________________________________

الكاتب: سعيد مصطفى دياب