من أسرار المنجزين

منذ 2022-10-17

دائمًا ما كنت أتساءل كيف يجد هؤلاء المُنْجِزُون الوقتَ لكل نشاطاتهم وأعمالهم؟!

دائمًا ما كنت أتساءل كيف يجد هؤلاء المُنْجِزُون الوقتَ لكل نشاطاتهم وأعمالهم؟!

 

إن اليوم يمر علينا بأكمله، وبالكاد ننجز منه اليسير مما نتطلع ونأمل، فما السر في ذلك؟!

 

وانفرجت أساريري حين وضعت يدي على أهمِّ سرٍّ من تلك الأسرار، وأنا أبحر في كلمات ابن القيم رحمه الله في كتابه (الداء والدواء)، وهو يتحدث عن أثر الذنوب، وكيف أنها من سوء أثرها تمحق البركة؛ تلك السَّعة التي صرنا نفتقدها في كل شيء؛ في حياتنا، وأعمارنا، وأرزاقنا، وأعمالنا، وحتى طاعتنا.

 

يا الله! لك أن تتخيل أن تلك الذنوب تحرمك بركة دينك ودنياك.

 

يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

 

ومن ذلك الغفلة؛ عندما نغفل عن الساعات التي تمضي من بين أيدينا ومن أعمارنا فيما لا يفيد، وربما فيما يضر إيماننا وطريقنا إلى الله، ومن ثَمَّ نستنكر أن اليوم قد ذهب سدًى، ونحن لم نقف عليه محاسبين أنفسنا في كل دقيقة، أين وفيمَ ذهبت؟!

 

• إنها الأربعة وعشرون ساعة نفسها عند كل أحد، ولكن هناك من اتقى الله فيها، وحفظها من ضياعها فيما لا يرضيه سبحانه، فبارك الله له فيها حتى أنجز الكثير.

 

• وهناك من ترك نفسه لهواها؛ فضيَّع وقته هنا وهناك، وفي القيل والقال، حتى إذا انصرم يومه يجد نفسه خاويَ اليدين، لم يرجع بشيء ينفع به نفسه أو أهله أو دينه، ثم يلقي اللوم على الانشغالات.

 

وهذا قد يحدث معنا كثيرًا، والله المستعان.

 

هناك حقيقة يجب أن ندركها؛ وهي أن هناك وقتًا لكل شيء، لكن كل شيء لا يكون لله فيه فبركته منزوعة.

 

لذا ينبغي على كل مسلم عاقل حريص أن يحذر من تضييع وقته فيما لا يُرضي الله تعالى، حتى لا يكون فيمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ»، والمغبون هو الخاسر الذي لم يستغل هاتين النعمتين.

 

فليحفظ المسلم أوقاته بطاعة الله عز وجل والعمل الصالح؛ حتى لا تجد المعصية والغفلة إليه سبيلًا؛ ويعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس... وذكر منها: وفراغك قبل شغلك)).

 

وليتأمل في حال السلف كيف كانوا يعمرون أوقاتهم بالعمل الصالح، وكيف كانت هممهم عالية في طاعة الله، وليكن لك فيهم قدوة حسنة:

 

جاء في (سير أعلام النبلاء) في ترجمة الإمام أبي حاتم: "قال ابنه عنه: إنه كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه".

 

قال الربيع بن سليمان: "كان الشافعي قد جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام".

 

عن المنكدر بن محمد عن أبيه قال: "إن تميمًا الداري رضي الله عنه نام ليلة لم يقم بتهجد، فقام سنةً لم ينم فيها عقوبة للذي صنع".

 

كان داود الطائي يستف الفتيت، ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية.

 

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".

 

سبحان الله على حالهم وحالنا! طوبى لمن فطِنَ على ما كان عليه سلفنا الصالح، واتخذهم أسوة حسنة، وحرص على اغتنام أوقاته في معالي الأمور، وترفَّع عن سفاسفها، وحاسب نفسه على وقته فيما أنفقه، واتخذ من ذوي الهمم العالية، والرفقة الصالحة ما يعينه على طاعة الله، ولينصب كل منا أهدافه أمام عينيه، ويعمل عليها؛ بتنظيم وقته، وأداء واجباته.

 

والله الهادي والمستعان.

_________________________________________________

الكاتب: مريم رضا ضيف