الأم بين الأمس واليوم

منذ 2022-11-28

إذا أردنا أن نرى جيلاً صالحاً ونافعاً يخدم أمته ويوحد كيانه ويفرض احترامه على الخلق لا بد أن تعود الأم...

للأم دور بالغ الأهمية في تربية الأطفال خلال السنوات الأولى من أعمارهم لأنها أكثر التصاقاً بالبيت والطفل ولأن عاطفتها أقوى من عاطفة الأب نحو الطفل فهي أقرب إلى قلوب الأطفال منه. ولقد زود الله الأم بعاطفة الحنان - الأمومة - ولم يزود بها الأب. وهذا الدافع العضوي أقوى الدوافع العضوية جميعاً، ولذلك فإن الأم مهيأة لرعاية الطفل والتضحية من أجله براحتها ونومها وهي راضية.

وهذا الحنان يمكن الأم من السهر على راحة الطفل وخاصة في السنتين الأوليين ولهاتين السنتين أثر كبير في شخصية الفرد ومن هذه الأمور أن الرضيع يتعرف على أمه من رائحتها. ثم يتعرف على صوتها بعد ذلك. كما أن لغة الأم هي أول لغة يقلدها الطفل وتكون معظم انفعالاته في السنة الأولى مرتبطة ومركزة في الأم أو من يحل محلها وإذا عرفنا أن الرضيع يبدأ منذ الشهر السادس من عمره في تكوين الأطفال، وعلينا ألا نغفل دور الأم في حمل الأمانة. والقيام بواجب المسؤولية وتوجيههم، ولقد بيّن الله في محكم تنزيله، {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبثُ لا يخرج إلا نكداً، كذلك نصرف الآيات لقومٍ يشكرون} [الأعراف: 58].


كما قال الشاعر:
                       الأم مدرسةٌ إذا أعددتها   ***   أعددت شعباً طيبَ الأعراق

 

فالأم في تحمل المسؤولية كالأب سواء بسواء، بل مسؤوليتها أهم وأخطر باعتبار أنها ملازمة لولدها منذ الولادة إلى أن يشب ويترعرع ويبلغ السن التي تؤهله ليكون إنسان الواجب، ورجل الحياة، والرسول صلوات الله وسلامه عليه قد أفرد الأم بتحمل المسؤولية حين قال: "والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".


وما ذاك إلا لإشعارها بالتعاون مع الأب في إعداد الجيل وتربية الأبناء وإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغالها مع معارفها وصديقاتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها إلى الأسواق والعمل لغير ضرورة وتركت الأولاد إلى المربية وأهملت الاهتمام بما يحدث لهم من عناية ورعاية، فلا شك أن الأبناء سينشأون نشأة اليتامى، ويعيشون عيشة المشردين بل سيكونون سبب فساد وأداة إجرام للأمة بأسرها فماذا ننتظر من أولادٍ أمهاتهم على هذه الحال من الإهمال والتقصير.
فحتماً لا ننتظر منهم إلا الانحراف ولا نتوقع إلا الإجرام لانشغال الأم عن رعاية الولد وتربيته.

ويزداد الأمر سوءاً عندما يقضي الأبوان جل وقتهما في حياة الإثم والغواية ويتقلبان في أتون الشهوات والملذات. ويتخبطان في طريق الانحلال والإباحية.

فلا شك أن انحراف الولد يكون أبلغ وأخطر ويكون تدرجه في الإجرام أكبر وأعظم، فلننظر بعين فاحصة وعقول نيرة تبحث عن الحق والصدق في أمانة التربية بين أم الأمس واليوم. ونتتبع نتائج هذه النظرة.


إن الأم في الأمس كانت هي كل شيء في بيتها، كانت المربية والمدبرة لجميع شؤون المنزل. فقد كانت تعمل وتعلم لأن العلم بدون عمل لا يرسخ في العقل ولا يقبله. وكانت على بساطة تعليمها وبساطة فقهها في دينها إلا إنها كانت تجتهد في تربيتهم التربية الإسلامية المرضية، لقد كانت تعلمهم المسؤولية من خلال قيامها بمسؤولياتها في بيتها وطاعةزوجها وتربية أبنائها وتعلمهم الواجب عليهم من حيث إعطائهم حقوقهم من العناية والرعاية. فلقد كانت تحملهم في صدرها وترضعهم من ثديها وكانت تسهر على راحتهم إذا مرضوا وتقوم بخدمتهم.


فلهذا العمل جزيل الأثر على نفس الأبناء فتربي فيهم البر والإحسان والطاعة والاحترام فيستمعون إليها إذا وجهت ويطيعونها إذا أمرت ويعينونها إذا عجرت.

أما اليوم ولست أعني من تقوم بتربية أبنائها على الدين القويم والأخلاق والقيم، ولكنني أعني الوجه الآخر، فعمل البيت ليس من مسؤوليتها في شيء ومن ذلك تربية الأبناء، فانها وكلتهم إلا للأم المستوردة ( المربية) التي تقوم مقام الأم الحقيقية في تدبير كل شؤون الأولاد من غسيل وملبس وأكل وشرب وهي أيضاً التي تقوم باللعب معهم وكذلك هي التي تقوم بالرضاعة من الألبان المجففة ولا يخفى على أحد أثر الرضاعةالصناعية على نمو الطفل الجسماني والنفسي وكذلك فإن المربية هي التي تتصنع لهم الحنان والعطف وتقوم بنفسها على تعليمهم أمور دينها وأخلاقها وقيمها التي نشأت عليها فإن كانت شرقية كانت أخلاق الأبناء شرقية وإن كانت غربية كانت أخلاقهم غربية، ومن ذلك يتحول الولاء والبراء إلى ما كانت تربيتهم عليه ويتحول الاحترام والتقدير والعطف والطاعة إلى المربية.

هل المربية تستطيع أن تقوم مقام الأم فعلاً ؟
هل تستطيع أن تعلم أبناءنا دين التوحيد وإخلاف سلفنا الصالح ؟
وهل تستطيع السهر على راحة الأبناء مثل الأم الحقيقة.؟
وهل تستطيع الصبر والمحافظة عليهم مثل ما تحافظ الأم ؟
وهل حبها لهم مثل حب أمهما ؟
وهل الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم مثل الرضاعة الصناعية ؟

هذه الأسئلة تبحث عن الإجابة. فمتى أجبنا عليها بصدق فإننا سوف نعلم الفرق بين الأم الحقيقية والأم المستوردة.


والأم متى تخلت عن وظيفتها الأساسية وتساهلت فيها فإنها سوف تصل إلى نتائج لا يحمد عقباها من هذه النتائج:
هو أنها عندما تكبر سوف يكون مصيرها هو مستشفى العجزة. لأنها عجزت عن تربية أبنائها بنفسها فجازوها بأن جعلوا الدولة تتكفل برعايتها إذا عجزت وأقرب مثال على عقوق الوالدين ما هو موجود في مستشفى العجزة ومن أراد التأكد من صحة هذا الكلام عليه أن يزور هذا المستشفى ويتأكد ينفسه.
وقبل هذا فإن العقوق سيكون واضحاً لها في عدم طاعتها واحترامها والسماع إلى كلامها وهذا لأنها لم تعودهم من الصغر إلى سماع توجيهاتها ولم تعلمهم إحترامها وطاعتها

وكذلك من هذه النتائج الوخيمة عدم خدمتهم ومنفعتهم للوطن أو المجتمع الذي يعيشون فيه لأنهم لم يعلموا منذ صغرهم على احترام دينهم والدفاع عنه والذود عن أوطانهم وممتلكاتهم، فالولد الذي يعق والديه يسهل عليه خيانة بلده وتحطيم مجتمعه. ومن هذا كله ينتج أيضاً انحراف الأبناء عن الدين والحق، وذلك بارتكاب المعاصي الظاهرة والباطنة من إدمان الخمر والمخدرات وانتشار الجريمة والزنا وهذا كله نتيجة طبيعية لعدم المبالاة لتربية الأبناء.


فهل نعي ما يدور حولنا، وهل تعي الأم دورها الحقيقي وهل تعلم أن اخلاصها في تربية أبنائها هو خدمة لها أولاً ولوطنها وهو عطاء لا يماثله عطاء.

فإذا أردنا أن نرى جيلاً صالحاً ونافعاً يخدم أمته ويوحد كيانه ويفرض احترامه على الخلق لا بد أن تعود الأم أم اليوم التي فرطت في دورها الأساسي إلى رشدها وإلى واجباتها الحقيقية وتكرس ما تعلمته في دراستها لخدمة وتربية أبنائها وبالتالي سيعود ذلك على انتاج أبنائها وخدمتهم لوطنهم وأمتهم جميعاً. ولكي نقوم وننهض من هذا السبات العميق كي نواكب ما فاتنا من تخلف حضاري وإقتصادي ولكي تعود الأمة الإسلامية إلى سابق عهدها.

___________________________________________

  • اسم الكاتب: محمد عوجان الخيارين